تونس: هل انكسر توافق الشيخين نهائياً؟

تونس: هل انكسر توافق الشيخين نهائياً؟

02 يونيو 2018
لقاء الغنوشي والسبسي لم يرتق إلى مصالحة(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
حالة من الحيرة العامة والأسئلة المتواترة تشغل المشهد السياسي التونسي، بعد خطاب رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، الذي أعلن فيه الحرب على حافظ قائد السبسي ورغبته الواضحة في التموضع من جديد داخل حزبه، ومن خلال طموحه في تجميع ما يسميه بالعائلة الديمقراطية ومشروعه الوطني. لكن أهم الأسئلة تتعلق بالتوافق الذي حكم تونس طيلة أربع سنوات، بين الرئيس الباجي قائد السبسي ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، وإن كان قد انتهى فعلياً، بما يعني انقلاب المشهد نهائياً والتأشير على بعثرة كل الأوراق وإعادة توزيعها بالكامل.

وأجمعت شخصيات حزبية مؤثرة ومراقبون مطلعون على تطور الأحداث في تونس، التقتهم "العربي الجديد"، على دخول البلاد في مرحلة جديدة لا أحد يتوقع نتائجها، مع مخاوف حقيقية من إمكانية تدهورها، بما يمكن أن يؤثر على بقية المسار الهش الذي ينتظر التونسيين لغاية انتخابات 2019، التاريخ السحري الذي ألهب كل الرغبات وأشعل طموحات الحالمين بدور فيه، من دون اعتبار للخسائر التي يمكن أن تنتج عن ارتفاع الرهانات. ويتساءل كثيرون إن كان العقد الذي جمع الشيخين، السبسي الأب والغنوشي، طيلة هذه السنوات، قد انفرط نهائياً. فرئيس الحكومة يوسف الشاهد لم يعلن الحرب على حافظ قائد السبسي وحده، وإنما على كل عائلة السبسي التي جاءت به إلى الحكم، وحركة النهضة انخرطت علناً في دعمه بما يعني وقوفها آلياً ضد آل السبسي وضد اتحاد الشغل وكل الطيف السياسي والاجتماعي الذي يرغب في إبعاده.

ويبدو أن قيادات "النهضة" قد بدأت تستشعر ثقل خياراتها الجديدة، فعبرت ليلة الخميس الماضي عن حرصها على أن يتم "استئناف الحوار على نحو أو آخر في أقرب الآجال بين مختلف الأطراف السياسية والاجتماعية المشاركة في وثيقة قرطاج 2 (التي اتُّفق فيها على برنامج الحكومة الاقتصادي الاجتماعي وتم التلميح فيها إلى عدم ترشح أعضاء الحكومة ورئيسها إلى انتخابات 2019 التشريعية والرئاسية)، بما يطمئن التونسيين حول جديّة الإصلاحات المزمع القيام بها ويضمن لها كل شروط النجاح". وعبرت، عقب اجتماع مكتبها التنفيذي، عن "احترامها وتقديرها لكل مكونات المشهد الحزبي والسياسي في البلاد، من دون التدخل في شؤونها" في إشارة الى وضع حزب نداء تونس والقصف المتواصل بين قياداته. ويقول مراقبون، لـ"العربي الجديد"، إن "النهضة" قد تكون تراجعت عن وعود قدمتها قبل الانتخابات البلدية بإشارتها إلى إبعاد الشاهد مباشرة بعد انتهاء الانتخابات، لكن يبدو أن الحسابات الجديدة في أفق 2019 قد غيّرت المعطيات داخل الحركة. ويؤكد كثيرون أن الشق المدافع عن الشاهد داخل "النهضة" من نواب وبعض الوزراء السابقين والحاليين قد نجح في إقناع راشد الغنوشي بضرورة دعم الشاهد، والتقوا في هذا الهدف مع صقور "النهضة" الذين رأوا أيضاً في هذا الخيار نهاية لتوافق الحزبين والرئيسين نهائياً.



لكن اللافت في موقف الحركة من صراع أجنحة "النداء"، رغم إعلانها عدم التدخل، أنها وجدت نفسها في موقع المتحالف مع الشاهد ضد حافظ قائد السبسي، وضد والده ربما، مع أنها كانت تدعم السبسي الابن منذ سنوات، وتساند التقارب مع التيار الذي يمثله، ومنهم من ذهب حتى إلى التنظير تاريخياً للتقارب بين الدستوريين والإسلاميين. فما الذي حدث حتى يتغير موقف الغنوشي والنهضة من كل هذا؟ وهل ستجد الحركة في دعمها للشاهد ما يمكن أن يضاف إلى رصيدها القريب والمتوسط؟ وهل يكون الشاهد، الراغب في تجميع العائلة الديمقراطية (لمنافسة "النهضة" بالضرورة)، عنوان التحالف الجديد في أفق 2019؟ هذه الحسابات بنظر البعض تعتبر قصيرة المدى وهشة جداً ولا ترقى إلى مستوى رسم استراتيجية بقاء وتطور عميق، لأنها تهدد الاستقرار الذي تدافع عنه حركة النهضة بشراسة طيلة هذه السنوات. فمجرد فرضية انسحاب وزراء "نداء تونس" ووزراء تدعمهم نقابة الشغل ومنظمات وأحزاب أخرى، وتعطيل الحكومة، حتى إذا بقيت، قد يحدث فراغاً يهدد هذا الاستقرار من ناحية ويفرض على حركة النهضة والشاهد أن يتحملا أعباء الحكم في ظروف صعبة للغاية يعرف الجميع كل معطياتها.

وحزب نداء تونس، أو "نداء" حافظ قائد السبسي، اعتبر، في بيان إثر تعليق العمل بوثيقة قرطاج، أن الحكومة الحالية التي تمخضت عن اتفاق قرطاج 1 كمرجعية سياسية جامعة، قد تحولت إلى عنوان أزمة سياسية أفقدتها صفتها كحكومة وحدة وطنية، رافضاً "تلقي أي دروس من أي كان في الحرص على المصلحة الوطنية واستقرار البلاد، ويعتبر أن هذا الأمر ينبغي أن يخرج عن دائرة المزايدات الحزبية والابتزاز السياسي"، في إشارة مباشرة للغنوشي. وهدد بـ"استعداده الكامل لخوض الاستحقاقات السياسية المقبلة من أي موقع كان وفق تقديره الثابت للمصلحة الوطنية ورفضه المطلق أن يكون أداة من أدوات ضرب التوافق الاجتماعي والسياسي الذي يمثل الاتحاد العام التونسي للشغل والمنظمات الوطنية"، في إشارة إلى العمل من أي موقع كان ليكشف بوضوح إمكانية خروجه من الحكومة.

ويتساءل مراقبون عن خلفيات هذه التحولات العميقة داخل حركة النهضة، وإن كانت هناك حسابات جديدة لـ2019 قد دخلت على الخط، وإن كانت هذه الحسابات بالأهمية التي تطرح رهانات خطيرة بهذا الشكل؟ وعلمت "العربي الجديد" أن الاتصالات الليلية لم تنقطع بين قيادات من الحزبين، وأن الكل يريد أن يستطلع حقيقة المواقف الجديدة وخلفياتها، وإن كانت نهائية أم أنها قابلة للمراجعة والبحث. وينتظر الجميع معرفة موقف الرئيس السبسي الذي يبقى في جعبته أوراق كثيرة، برغم أن الشاهد عمل على تحييده بالإشارة المباشرة إلى ابنه بالاسم واللقب، بما يعني استبعاده مؤقتاً عن هذه المعادلة. لكن "ذئب قرطاج" تعوّد على رهانات أكبر من ذلك، وقد تأتي الأيام والأسابيع المقبلة بتقلبات جديدة مفاجئة للجميع. وبحسب ما بلغ "العربي الجديد" فإن لقاء الغنوشي والسبسي، أول من أمس، لم يرتق إلى لقاء صراحة أو مصالحة بين الرجلين، لكنه قد يؤشر لمراجعات مهمة للحسابات التي قامت عليها المواقف الأخيرة، قبل فوات الأوان.