أزياء صديقة للبيئة تزدهر في تونس... استلهام التراث وإعادة التدوير

أزياء صديقة للبيئة تزدهر في تونس... استلهام التراث وإعادة التدوير

08 نوفمبر 2020
أزياء عصرية تستلهم التراث التونسي للمصممة ألفة مهاود (فرانس برس)
+ الخط -

تغرب الشمس بحلول الوقت الذي يصل فيه مصمم الأزياء التونسي شمس الدين المشري إلى مدينة المهدية الساحلية.

لقد أمضى نصف يومه في القيادة وسط الحرارة الحارقة بحثاً عن الأقمشة الثمينة المصنوعة يدوياً التي يحتاجها لمجموعته الشتوية المقبلة.

مع اقتراب نهاية رحلة برية طولها 200 كيلومتر من تونس العاصمة، يعرف المصمم المكان تماماً: قبو ورشة مضاءة باللون الأزرق، مخبأة بعيداً في مدينة المهدية القديمة، حيث لا تزال عجلة الغزل الخاصة لنساج الحرير محمد إسماعيل تدور بأقصى سرعة.

في ظل العولمة التي تهيمن عليها العلامات التجارية للأزياء السريعة مثل "زارا" و"إتش أند إم"، "توب شوب"، يعود المصممون التونسيون مثل مشري بشكل متزايد إلى جذورهم، ويحتضنون الحرفيين المحليين والمواد التي ترمز إلى البيئة.

بفضل تقاليد صناعة المنسوجات القديمة في هذا البلد الواقع في شمال أفريقيا، تعد تونس مناسبة تماماً للأزياء البيئية التي يريدون الدفاع عنها.

على مدار الـ 47 عاماً الماضية، يغزل إسماعيل الصوف والقطن من مصادر محلية، وكذلك خيوط الحرير المستوردة من الصين.

لايف ستايل
التحديثات الحية

وبينما كان يفكك خيوط الحرير القرمزي في ورشته، قال إسماعيل "هذا العمل في دمائنا... إنه عمل مشترك بين الأجيال، وبالنسبة لعائلتي، هذا العمل ثمين للغاية بالنسبة لنا".

بالعودة إلى العاصمة تونس، قام المشري وخياطه بحياكة فستان لماركة الأزياء الخاصة به "ني". فهي تجمع بين النسيج التقليدي المتلألئ باللون الوردي والذهبي المستخدم في التطريز التونسي مع مادة شبكية من الستينيات. ويعتبرهما التاجر غير قابلين للبيع قبل أن يشتريهما المشري.

قال المشري "إنها لا تتناسب مع أذواق اليوم.. ولهذا السبب، يحتاج تجار الأقمشة إلينا، نحن المصممين ... لإعطاء حياة ثانية لهذه المواد".

تعد الموضة من أكثر الصناعات تلويثاً في العالم، فهي مسؤولة عن إنتاج 10٪ من ثاني أكسيد الكربون على مستوى العالم

تعد صناعة النسيج التي تبلغ قيمتها 2.6 مليار دولار ركيزة من ركائز الاقتصاد التونسي، وتوظف 160 ألف شخص وتنتج ما يقرب من 25٪ من إجمالي صادرات البلاد، وفقاً لتقديرات مجموعة أكسفورد للأعمال.

ومع ذلك، تعد الموضة من أكثر الصناعات تلويثاً في العالم، فهي مسؤولة عن إنتاج 10٪ من ثاني أكسيد الكربون على مستوى العالم، وفقاً للبنك الدولي، ويتم التخلص من عشرات الملايين من الأطنان من الملابس كل عام.

اتجه مشري وغيره من المصممين إلى الممارسة الصديقة للبيئة المتمثلة في "إعادة التدوير" وأخذ المواد القديمة أو غير المرغوب فيها وتحويلها إلى شيء جديد وحديث من خلال دمج الأقمشة عالية الجودة.

يمزج المشري الأقمشة القديمة مع الحرف اليدوية التي يقوم بها الحرفيون في جميع أنحاء تونس، من التطريز في تطاوين، على حافة الصحراء، إلى الخياطات في بنزرت في شمال البلاد.

أصبحت طرازات الأزياء في الغرب جادة في إعادة التدوير أيضاً، بما في ذلك العلامة التجارية الأميركية "بود آند أوتيل"، وهي علامة تجارية دنماركية فرنسية أسستها ألكسندرا هارتمان.

أسس المصمم حسن بن عايش العلامة التجارية الراقية باردو بهدف صريح يتمثل في إحياء تراث تونس والحرف التقليدية

وبينما كانت الملابس على الرفوف خلفه تتلألأ وتحدث حفيفاً عند اللمس، قال المشري من متجره في تونس "بدأ الناس يدركون التأثير السلبي لتلك الرغبة في الاستهلاك المستمر طوال الوقت دون التراجع، والتوقف قليلاً للتفكير وطرح الأسئلة حول البيئة ومستقبل الإنسانية.. الأزياء هي وسيلة ذكية لتكريم المواد المحلية".

كانت الرغبة في تكريم أسلاف المرء مهمة بنفس القدر لحسن بن عايش، دارس الكمبيوتر السابق البالغ من العمر 26 عاماً. قام بتأسيس العلامة التجارية الراقية باردو بهدف صريح يتمثل في إحياء تراث تونس والحرف التقليدية في "عصر من عدم اليقين والخوف من الهلاك البيئي، إلى جانب الموت البطيء لجيوب الثقافة الصغيرة في مواجهة العولمة".

تستحضر المجموعة الأولى للعلامة التجارية صوراً من قصر باردو الشهير في تونس وعصر البهوات، حكام النظام الملكي التونسي الذي تم إلغاؤه في عام 1957.

قال عايش "أردنا العودة إلى فترة غالباً ما يتم تجاهلها.. أردنا أن نظهر أن لدينا ما هو أكثر من القفطان (ملابس تقليدية)، وأن نتعمق أكثر في تاريخنا وهويتنا".

في عام 2018، أعاد رياض الطرابلسي إطلاق علامته التجارية الفرنسية التونسية (باسكوتور) ليثبت للصناعة أن الأزياء المستدامة ممكنة على نطاق أوسع.

الأناضول

تمتلك العلامة التجارية قاعدة عملاء متنامية في اليابان وكوريا الجنوبية وسيتم إطلاقها قريباً في إيطاليا.

في هذا السياق، قال الطرابلسي "نحن نرى أن هذا المفهوم أصبح معيارياً.. إذا لم يكن مستداماً، فهو على الأقل رائع".

يشعر الطرابلسي أن تصميماته تعكس مدى تعقيد الجالية التونسية الحديثة "هويتي معقدة - لدي أب تونسي، وأم جزائرية، وفي غضون ذلك ولدت في فرنسا. أرسم كل ما عندي من الحمض النووي من هذا المزيج المذهل... إنني أتطور باستمرار، وأقوم بتجديد نفسي وفهمي للتراث التونسي كل يوم".

قالت صوفيا قيلاتي، صحافية الأزياء التونسية ومؤسسة (ميلي وورلد)، وهي منصة على الإنترنت تسلط الضوء على ثقافة الشباب العربي وفنونهم وأزيائهم، إن هذه العلامات التجارية "تستخدم رواية القصص من أين أتوا لإبراز ملابسهم.. تونس تمتلك هذه المقومات.. الأشكال الطبيعية، المواد الخام الأساسية الجميلة. وهي ما تريده الأسواق العالمية والمحلية".

بفضل تقاليد صناعة المنسوجات القديمة في هذا البلد الواقع في شمال أفريقيا، تعد تونس مناسبة تماماً للأزياء البيئية التي يريدون الدفاع عنها.

تلاحظ قيلاتي أن معظم التونسيين ما زالوا متحمسين للعلامات التجارية للأزياء السريعة التي بدأت في الظهور محلياً خلال العقد الماضي، وهي أزياء غير صديقة للبيئة.

ومع ذلك، لاحظت اعتناق المزيد من الشباب التونسي لهويتهم الثقافية والتحول إلى العلامات التجارية المحلية.

يقول عايش إن صناعة النسيج في تونس التي لا تزال مزدهرة تمثل الأمل لأولئك الذين اجتاحتهم الأزمة الاقتصادية المستمرة في البلاد، والتي تفاقمت بسبب جائحة فيروس كورونا.

ويضيف "الصناعة تدعم الكثير من الأسر ذات الدخل الثابت حتى في المناطق النائية والتي لا تصلها إلى التعليم العالي".

إن الشركات التي تحقق التوازن بين الممارسات الصناعية الأخلاقية والحرفية التي يقودها المجتمع تقدم لتونس "أملاً في غد أفضل"، على حد تعبيره.

(أسوشييتد برس)

المساهمون