وقفة مع توفيق شومر

وقفة مع توفيق شومر

28 ابريل 2022
(توفيق شومر)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أسئلة سريعة حول انشغالاته الإبداعية وجديد إنتاجه وبعض ما يودّ مشاطرته مع قرّائه. "قدّرتُ منذ البداية أهمّية إعادة قراءة التراث الفكري العربي برؤية مختلفة"، يقول أستاذ فلسفة العلم والباحث الأردني في حديثه لـ"العربي الجديد".


ما الذي يشغلك هذه الأيّام؟
هناك انشغالان محوريّان يبقيان معي دوماً، وأحاول أن أُنجزَهما: الأول ينطلق من الهمّ الفلسفي اليومي في الأردن ويتمحور حول تعميم تدريس الفلسفة في التدريس العام. وهذا الهمّ قد قطعت به أنا ومجموعة من الزملاء طريقاً طويلاً، ووصلنا الآن إلى تحقيق إنجازات مهمّة فيه. بدأت النجاحات منذ تبنّت "الجامعة الأردنية" تدريس مادّة "مقدّمة في الفلسفة والتفكير الناقد" كمتطلب إجباري لجميع الطلبة، وبدأ تدريسها منذ عام 2017. والنجاح الثاني في إعادة تدريس الفلسفة في المدارس الأردنية، وهذا وصل إلى اقتراب تحقيقه، مع موافقة لجنة الدراسات الاجتماعية واللجنة العليا للمناهج على الدفع بمشروع تحديث منهاج الدراسات الاجتماعية إلى اللجنة العليا للتربية والتعليم، والمؤشّرات كلّها تقول إن المشروع سيُقرّ.

ويشتمل المشروع تضمين المفاهيم الفلسفية في منهاج الدراسات الاجتماعية المتكامل من الأول إلى الثامن، ثم تُخصّص وحدة كاملة للتفكير الناقد والإبداعي في منهاج التربية الوطنية للصف التاسع، ووحدة كاملة في منهاج الصف العاشر حول المنطق، كما يُخصّص كتاب كامل إلزامي لجميع الفروع في المدارس لمقدمة في الفلسفة للصفّ الحادي عشر، على أن تكون مادة الفلسفة اختياريّة لجميع الطلبة بجميع الفروع في مرحلة التوجيهي، أي الصف الثاني عشر. وعند إنجاز هذا المشروع، سيُجرى التواصل مع الجامعات الأردنية بهدف تعميم تجربة "الجامعة الأردنية" لتدريس مادّة "مقدّمة في الفلسفة" لجميع الطلبة الجامعيين في الأردن.

الهمّ الآخر يتمحور حول مشروعي الفلسفي الذي بدأته في مرحلة الدكتوراه، وهو مشروع يحاول أن يوافق بين الماركسية والظاهراتية (الفينومينولوجيا)، وهو المشروع الذي أسميته الواقعية الظاهراتية، وتهدف هذه الفلسفة إلى وضع الإنسان داخل الوجود في احتكاك جدليّ مع هذا الوجود وكجزءٍ منه لا يمكن أن ينفصل عنه أو ينظر إليه من خارجه، فالإنسان داخل الوجود وهو جزءٌ لا يتجزّأ من هذا الوجود، ينفعل به ويتفاعل معه ويفعل به، وقد وصلت إلى المشروع من خلال اعتراكي مع مشكلات فلسفة العلم، فكانت رسالتي للدكتوراه (وكتابي الأول) حول الواقعية الظاهراتية والموصلية الفائقة وميكانيكا الكم (باللغة الإنكليزية)، ولكني في ما بعد طوّرتُ جملةً من الأفكار الفلسفية التي تتجاوز فضاء فلسفة العِلم، وعليه، فمنذ ذلك الحين أحاول أن أنظّم الحجج المناسبة للتعبير عن جملة الأفكار هذه والتي تنظر إلى الإنسان والعالم. وحالياً أعكف على إنجاز كتابي الأهم الذي أحاول من خلاله أن أعرض لهذه الفلسفة بتفاصيلها، فأضعُ نقاط التوافق والاختلاف مع المواقف الفلسفية الأخرى. كما أعمل الآن على كتابة هذا الكتاب باللغتين العربية والإنكليزية تحت عنوان "الظاهراتية.. من التعالي إلى الواقعية".


ما هو آخر عمل صدر لك؟ وما هو عملك القادم؟
صدر لي مؤخراً كتاب "الفلسفة والعلم" من إصدارات وزارة الثقافة الأردنية، ضمن مشروع "الفلسفة للشباب"، والذي يهدف إلى تعميم المفاهيم الفلسفية للشباب الأردني. ويتناول مفردات فلسفة العِلم ومصطلحاتها ويستعرض الموقف من قضية المنهج في العلم، ويتطرّق إلى العِلم وعلاقته مع قضيّة الذات والموضوع والإشكالات المرافقة لهذه القضية، ويتعرّض أيضاً لمفهوم الحقيقة في العِلم. وحاولت أن أبسّط عرض هذه النقاط، من دون أن أخلّ بالمضمون أو بموقفي الفلسفي من تلك القضايا الشائكة. 

يُحاول من لديه همّ فلسفي أن يهيئ الوقت للإنجاز والكتابة

وهناك كتابان قد انتهيت منهما؛ الكتاب الأول "المجتمع المدني والديمقراطية" بالتعاون مع الباحث رياض صبح، ويستعرض قضايا المجتمع المدني بشكل نقدي، ونتطلّع إلى إشكاليات الديمقراطية بهدف الوقوف على النمط الذي يمكنه أن يعبّر عن تطلعاتنا، لا ذاك المفهوم الملقى علينا، وعليه كان لا بدّ من التطرّق إلى مفهوم حقوق الإنسان وإشكالاته. والثاني كتاب منهجي في "المنطق الرمزي"، أحاول خلاله أن أقدّم المنطق الرمزي بشكل مبسّط مع الكثير من التمارين والحلول التي ستساعد القارئ على استيعابه، لا على أنه منطق رياضي منعزل إنّما بكونه منطقاً يمكن تطبيقه، وأفردتُ فيه فصلاً لأشكال المنطق المعاصر الأخرى، تلك التي يمكنها أن تتجاوز بعضاً من إشكاليات العلاقة بين المنطق الرمزي والعالم المعيش.


هل أنت راضٍ عن إنتاجك؟ ولماذا؟
هذا مطلب صعب المنال من إنسان يؤمن بالسيرورة والصيرورة، لكن أستطيع أن أقول إنني لم أندم إلى الآن على منجزٍ من منجزاتي، وما زلت أتبنّى مواقفي التي عرضتها في كتاباتي مع بعض التعديلات هنا وهناك، أو مع الانتقال إلى مستوى أعلى من الطرح.

أما عن الطموحات وعمّا يجب أن يكون، فهذا أيضاً معضلة، فالمسؤوليات الإدارية والأكاديمية والعائلية تستغرق من أيّ باحث بشكل عام، ومني بشكل خاص، الكثير من الوقت، ما يترك الوقت المخصّص للبحث والكتابة أقلّ مما يجب أن يكون. ومع ذلك، فمن عنده همّ الفلسفة يحاول دائماً أن يهيئ الوقت للإنجاز والكتابة.


لو قيّض لك البدء من جديد أيُّ سبيلٍ ستختار؟
أنا مرتاح ومتصالح مع نفسي ومع ما قدّمته في حياتي، لا أستطيع القول إنه ليس هناك ما يستحقّ المراجعة والوقوف عنده، أو إنه ليست هناك أخطاء في سيرتي المهنية، لكنني أعتقد أن هذه الأخطاء هي أسلوب آخر للتعلّم ولا يمكن للإنسان أن يصل إلى أيّ مكان من دون أن يتعلّم. لقد اخترت خياراتي بوعي كامل، وأنا سعيد بما وصلت إليه، وما زال هناك ما يجب عمله والاهتمام به.

التغيير المنشود هو عودة العرب ليكونوا منتجين للمعرفة


ما هو التغيير الذي تنتظره وتريده في العالم؟
التغيير المنشود هو عودة العرب ليكونوا كما كانوا دوماً، منتجين للمعرفة ومساهمين أساسيّين في بناء المعرفة الإنسانية. ويترافق هذا مع العمل نحو عالم عادل وإنساني يزول منه الظلم والهيمنة الإمبريالية؛ عالم يشعر فيه الإنسان بوجوده ويستطيع أن يعبّر عن هذا الوجود، عالم خالٍ من الحروب.

سيبدأ الحل لمشاكل البشر عندما يدركون أنهم مختلفون، وأنه من غير الممكن أن يجتمعوا على رأيّ واحد مهما كان هذا الرأيّ سليماً، فلا يمكننا أن نفرض آراءنا على الآخرين كما لا يمكن للآخرين فرض آرائهم علينا، لكننا يجب أن ندرك أيضاً أننا إذا استمررنا في هذه البربرية المفروضة علينا فإننا هالكون لا محالة، وكما قالت روزا لوكسمبورغ: "إما الاشتراكية وإما البربرية... ".

أما على المستوى العربي، فقد قدّرتُ منذ البداية قيمة إعادة قراءة التراث الفكري العربي برؤية مختلفة، وأن تجرى قراءته منهجياً لا معرفياً فقط. فالعالم اليوم يحتاج إلى فتح آفاق المعرفة مرّة أخرى، وهذا يحتاج لبحث في منهجيات التفكير وكيفية التلقّي للمعلومة، وكيفية انكشاف الوجود لنا، فالموضوع يتعدّى الكشف إلى الانكشاف ومنهجيات هذا الانكشاف.


شخصيّة من الماضي تودّ لقاءها ولماذا هي بالذات؟
لقد تعلّمت الكثير من خلال قراءة كتب جمهرة من المفكّرين العظام، وتحديداً على المستوى العالمي. هناك كارل ماركس وفردريك إنجلز ومارتن هايدغر وأنطونيو غرامشي وموريس مارلو بونتي وروزا لوكسمبورغ وغاستون باشلار، أما من تراثنا، فقد تعلّمت الكثير من الجاحظ والقاضي عبد الجبار والسرخسي، ولكن لو خيّرت أن ألتقي بواحد منهم فقط، والاختيار مجحف ومخيف هنا، فقد يكون خياري الأول هو موريس مارلو بونتي، فهو أول من تمكن من الجمع بين الماركسية والظاهراتية، وهو النهج الذي حاولت تطويره من خلال اقتراحي لما أسميته الواقعية الظاهراتية.

يتمحور مشروعي حول التوافق بين الماركسية والظاهراتية 


صديقٌ أو كتابٌ تعود إليه دائماً؟
أستطيع أن أقول إن هناك العديد من الكتب التي أعدتُ قراءتها مراراً لأجد فيها الكثير من الجدّة كلّ مرةٍ عدت إليها، وأهمّها: "كراسات 1844" لكارل ماركس، و"الكينونة والزمان" لهايدجر، و"ظواهرية الإدراك" لمارلو بونتي، و"الأمير الحديث وكتابات أخرى" لغرامشي، والذي أجزم أنه الكتاب الذي قرأته أكبر عدد من المرّات من كلّ الكتب التي قرأت.

أما الأصدقاء فهناك حفنة منهم أعود إليهم في نقاش أموري وأفكاري، والغريب أنني أستطيع القول إن كلّ عقد من عمري أورثني صديقاً صدوقاً ما زلت أراه وأتواصل معه، فهناك صديق الطفولة وأيام بيروت والذي ما زال الصديق الصدوق، وأعتقد أننا نلتقي كثيراً على مستوى الفكر، وهناك صديق المراهقة، وصديق الجامعة وما بعدها، وصديق عقد الثلاثينيات... وهكذا. أما الصديقة الحبيبة فتلك قصة أخرى، فهي تبقى مخزن الأشجان والأحلام.


أيُّ تجربةٍ غنائيّةٍ أو موسيقيّةٍ يمكننا أن نشارككَ سماعها؟
تجربة الرحابنة تأسرني بكل تنوّعاتها، من "جبال الصوان" إلى "المتنبي"، فهي موسيقى متجدّدة وتعبّر عن وجْد المنطقة، وكذلك لطفي بوشناق، وكاظم الساهر عندما يغنّي نزار قباني.


بطاقة
أكاديمي وباحث أردني، حاصل على دكتوراه في فلسفة العلوم من "جامعة لندن للعلوم الاقتصادية" عام 1996، ويعمل حالياً أستاذاً في قسم الفلسفة بـ"الجامعة الأردنية". من بين مؤلّفاته: "مهارات العصر الرقمي" (2008)، و"المراقبة والتقويم للمشاريع التنموية" (2010)، و"مهارات التفكير" (2011)، و"الواقعية الظاهراتية للموصلية الفائقة وميكانيكا الكم" (بالإنكليزية، 2013/ الغلاف)، و"الفلسفة والعلم" (2021).

وقفات
التحديثات الحية

المساهمون