حصيلة مشاغبة طويلة مع المخرج "الشاب" يوسف شاهين (4)

حصيلة مشاغبة طويلة مع المخرج "الشاب" يوسف شاهين (4)

03 يوليو 2019
+ الخط -
ـ طيب أستاذ يوسف، نرجع تاني ليوسف شاهين الشاب اللي راجع في الخمسينات من بعثة دراسية في أمريكا اللي المفروض بلد الليبرالية، وراجع مصر اللي فيها عبد الناصر اللي قمع الأحزاب وبدأ ينشيئ نظام حكم الفرد، هل كنت حذر من اللي بيحصل ولا كنت متحمس ليه?

كنت متحمس جداً، لكن ما تنساش بعد كده إني كنت الفنان الوحيد اللي ساب مصر باختياره اعتراضاً على اللي بيحصل، نفيت نفسي بنفسي، ما حدش رماني بره، وكنت في قمة نجاحي ساعتها، عملت فيلم الناصر صلاح الدين، وعبد الناصر نفسه إداني وسام الدولة وكان عمري وقتها 33 سنة وكانت دي المناسبة اللي حصل فيها لقاءنا الوحيد وجهاً لوجه، لكنه كان بيسأل عني دايماً.

ـ حسيت بإيه لما قابلته؟

(يضحك) ما قدرتش أبص في عينيه.

ـ هل كان عندك أسئلة كنت عايز توجهها له وقتها؟

ـ لا، الأسئلة جت بعد التجربة الشخصية من بعض الناس المحيطين بيه بعد كده، لما عملت فيلم عن السد العالي ـ يقصد فيلم (الناس والنيل) ـ قالوا لي: إيه انت عايز تفكر على كيفك، قلت لهم: أمّال حافكر على كيف مين؟، قلت له شتيمة أبيحة، وقررت أسيب البلد بعد كده، المشكلة دي فتحت لي جوانب كتيرة جدا، إزاي حد يحتج لإني عايز أفكر على كيفي، وإزاي يفكر إنه ممكن يستعبدني.

ـ مين اللي قالك الجملة دي؟

وكيل وزارة الإعلام والثقافة (يضحك بشدة) وقتها كان الإعلام والثقافة والتليفونات والمجاري والوحدة، كله مفتوح على بعضه، كان طبعاً ده خطأ بشع، حسيت بالصدمة وسبت البلد، وسبت 17 جايزة كان فيلم صلاح الدين المفروض ياخدها رسمياً، عشان كده ادوا الجوائز كلها لفيلم اسمه (الأيدي الناعمة) حتى الأستاذ أحمد مظهر ادّوه الجايزة في التمثيل عن (الأيدي الناعمة) مش عن (صلاح الدين)، فيلمي كان هياخد 17 جايزة، تخيل، وما خدهاش، عرفت ده من أنقى رجل عرفته السينما المصرية، محمد كريم الله يرحمه، كان رئيس اللجنة اللي أصدرت قرارات الجوايز، وقبل ساعات من إعلان الجوائز تم تغييرها.

ـ أكيد اللي زود إحساسك بالصدمة، هو إنك كنت أخرجت فيلم (فجر يوم جديد) اللي بيبشر بقرارات الثورة ضد الإقطاع، وقمت بنفسك بتمثيل دور بتدين بيه الشخصية العابثة الغافلة عن طموحات وآمال الشعب؟

طبعاً، ولما سبت مصر، عبد الناصر نفسه سأل عن سر ده، أنا كنت فنان صغير وقتها، بس كنت باملك قدر من الموهبة وعندي وطنية وباحب البلد زي عبد الناصر تماما، لكن لما أحس إن الفساد دخل في التفكير، كان لازم أختفي، عبد الناصر سألهم: "الواد ده راح فين"، كان مسميني "ابن المجنونة" (يضحك بشدة)، قاموا قالوا له مبررات فارغة وكلام عرفت إنه ما صدقوش، قالوا له: "يا ريس ده سافر علشان هو بتاع فلوس"، قال لهم "بس ده كويس وعمل لنا صلاح الدين، ساعدوه"، قالوا له: "ما احنا ادّيناه 3 أفلام يعملها"، قال لهم: "يبقى ما سافرش عشان الفلوس"، ما صدقهمش، وقال لهم: "ما ليش دعوة أنا عايزه يوم 26 يوليو يكون في مصر"، بلّغني بالطلب ده لطفي الخولي الله يرحمه، وما كنتش مصدق إن عبد الناصر سأل عليّا، وخدت الطيارة عشان أرجع بكامل إرادتي، وأنا فاكر قبل ما يوصلني هذا الكلام إن وزير الإعلام محمد عبد القادر حاتم زار أسبانيا وكنت وقتها هناك، وكانوا عاملين له موكب استقبال رسمي، وكنت شاركت في الاستقبال لإني كنت باحبه جداً، المهم وهمّ بيعزفوا النشيد الوطني، شافني قام ساب الموكب كله وجالي وحضنني، وقال لي: "بقى تعمل فيا كده لازم قبل يوم 26 يوليو ترجع مصر"، أنا قلت لنفسي لما أرجع (يضحك) هالاقي البوليس الحربي في انتظاري، المهم قررت ورجعت، وبعدين ما قدرتش أستحمل، فخدت بعضي وطلعت على بيروت واشتغلت هناك لفترة.

في المنفى الاختياري

ـ كانت تجربتك عاملة إزاي في بيروت يا أستاذ يوسف؟

استقبلوني بترحاب شديد في بيروت، بعد 3 أسابيع بس قدرت اشتري عربية من عرابين الأفلام اللي أخذتها (يضحك) بس ما كنتش مبسوط، أقولك الصراحة، أصل أنا ما اعرفش اشتغل غير من دماغي بس، لو ادوني مليون جنيه أو عشرين مليون جنيه عشان أعمل اللي هما عايزينه ما أقدرش، اللي عايزني يتفضل يشتري أفلامي عشان يعرضها في التلفزيون ويديني سلفة توزيع عشان أعمل الفيلم زي ما أنا عايز، وده اللي بيعملوه معايا في فرنسا، لكن لازم يبقى لي الحق الكامل في أفلامي، ادّيني التمويل وفي احتمال ما ادّيكش السيناريو حتى لو طلبته، موافق يبقى أهلا وسهلا، مش موافق إنت حر، دي طريقتي، وعشان كده باتعجب من اللي بيتكلموا عن ضغوط تمارس عليّ عشان آخد التمويل، ده كلام فارغ.

ـ كان إحساسك إيه وإنت مقيم في بيروت بعيدا عن مصر؟

اللبنانيين عاملوني كأكرم وأطيب ناس في الدنيا، بس أنا ما أعرفهمش زي ما أعرف أهل بلدي، أنا صعلوك وبتاع شوارع، وصعلكتي عمري ما بالاقيها غير في مصر، خصوصا إن عندي رأي إن طبيعة الناس في البلد الجبلية مختلفة تماما عن طبيعة الناس في البلد المنبسطة اللي بيكون ناسها أبسط (يضحك) مش لإن البوليس بتاعها شاطر ويقدر يسيطر، وإنما لإن الناس هتروح فين من البوليس يعني؟

ـ في الفترة دي أخرجت فيلمك (رمال من ذهب) اللي بيعتبره كثير من محبيك واحد من اسوأ أفلامك؟

ما باحبش الفيلم ده لكن كان في ظروف خلتني أعمله.

ـ أكيد احتياجك المادي هو اللي خلاك تعمله؟

لا، أنا عملت أفلام تجارية كتيرة، منها أفلام لفريد الأطرش، لكن أي فيلم باعمله لازم أعمله بحب ليه مهما كانت الظروف.

ـ يعني عمرك ما بدأت تخرج فيلم وانت ما بتحبوش؟

بصراحة، عملت فيلمين ما باحبهمش، وما كنتش مقتنع بيهم، هُمّا (بين إيديك) و (حب إلى الأبد)، فيما أذكر كان ده في الفترة اللي بعد فشل (باب الحديد) وكنت باحس بحيرة طول الوقت وكنت أسأل نفسي: هل كنت غلطان فعلاً في باب الحديد ولا الناس هُمّا اللي استقبلوه غلط؟.

ـ طيب طالما كنت بتحب فيلم (رمال من ذهب)، في رأيك إيه اللي خلاك تخفق في صنعه لدرجة إنك ما بتحبوش دلوقتي؟

(بعد لحظات تأمل يبتسم) والله لو شفته النهارده هتلاقي إنه ما كانش سيئ للدرجة دي، عموماً السبب في الحقيقة يرجع إلى إن اللي أنتجوه ما كانش نيتهم صنع فيلم، وإنما كان في نيتهم الحصول على فلوس من الممول بقدر الإمكان، ومش حابب أقول أكتر من كده.

(بالمناسبة أعدت بعد سنوات من إجراء الحوار مشاهدة الفيلم، وأعترف أنني أعجبت بمشاهد البداية التي قام يوسف شاهين بتقديم مشاهد سباق الخيول فيها ببراعة يزداد تقديرك لها عندما تدرك أنها تمت في ظل معدات قديمة وكاميرات عملاقة الحجم، لكني لم أحب الفيلم في مجمله).

ـ عدت لأسأله عن محطة أخرى في مشواره الفني بعد سفره خارج مصر: هل أحببت تجربتك مع الأخوين رحباني وفيروز في فيلم (بياع الخواتم)؟

طبعاً.

ـ طيب ليه حصلت خلافات بينك وبينهم أثناء التصوير؟

بسبب التدخل الزيادة في شغلي كمخرج، فضلت ساكت طول مدة تسجيل الأغاني، وكان عاصي الرحباني عصبي شوية طول الوقت، قلت عادي ده تسجيل الأغاني وده حقه، لكن في التصوير فوجئت بيه مرة بيقول: "ستوب"، قلت له: "مين أذن لك توقف التصوير"، قال لي: "عشان فيروز ما التزمتش بكل اللي طلبته إنت منها"، قلت له: "شوف احنا لسه في الأول وأنا ممكن أقول سلامو عليكو دلوقتي ومش هتخسروا أي حاجة، هاتوا أي حمار يسمع كلامكم، أما أنا مش خدّام عندكو"، ومشيت، لكن جريوا ورايا ورجعوني بالعافية.

ـ قريت تعبير جميل منسوب ليك بيقول "فيروز جوهرة من يملكونها لا يحبون عرضها للناس، بل يحبون أن تظل في أيديهم"؟

طبعا، بس أنا مش حابب أدخل في تفاصيل كتير، لكن شوف، هو طبعا كل العلاقات الشخصية بتؤثر لحد ما، بس أنا شخصيا ما خدتش تحويط الرحابنة على فيروز على إنه مؤامرة، بالعكس هما ناس كويسين، بيفكروا بشكل كويس وألحانهم حلوة، وعندهم مواهب خطيرة جدا، وعملوا تغيير جذري في التفكير اللبناني، وشاركوا في تجميل بلدهم لو صح التعبير، وده اللي أنا عايز أي مواطن مصري يحب بلده يعمله، انت بتقول إنك بتحب بلدك، طيب لازم تدلل على ده بشكل عملي، زي ما عمل الرحابنة وفيروز.

ـ قبل ما ندخل على تجربة هزيمة 1967 اللي أعتقد كان ليها تأثير قوي عليك وعلى جيلك كله، نقدر نلاحظ إن تجربتك السينمائية قبلها وطول فترة عبد الناصر ماكانش فيها رؤية سياسية نقدية باستثناء لمحات بسيطة في فيلمك (فجر يوم جديد)؟

كنت لسه سعيد باللي حواليا، كان لازم أعمل (الناس والنيل) عشان أفهم حقيقة الوضع بشكل شخصي، وإن في أشخاص بيقولوا للآخر: "فكّر زينا وتعال اشتغل خدام لينا"، النازيين عملوا كده لما اشتروا استديوهات عشان يحولوا الفن لدعاية، لما حسيت بده سبت البلد في خلال تلات إيام وسبت كل اللي أملكه ورايا.

ـ لما عرفت بسؤال عبد الناصر عنك هل حسيت بالفخر، وهل تبنيت مثلا الرؤية الشائعة اللي تبناها كتير من المثقفين والفنانين وقتها وهي أن ما حدث من أخطاء كان سببها اللي حوالين عبد الناصر مش هو؟

شعرت بالفخر طبعا، لكن بعد ده بسنين أدركت إنه كان غلطان برضه، وإن مساعديه كانوا بيبهدلوا الناس الغلابة بناءا على سلطات واسعة اداها هو ليهم.

ـ إزاي أثرت فيك هزيمة 1967؟

كانت شديدة التأثير عليا، كنت رجعت من بيروت وعشت في مصر لمدة سنة ونص، ورغم إني كنت قبل كده بدأت أراجع نفسي، إلا إن دماغي كان لسه مغسول، وكان لسه مسيطر عليّ الوله بعبد الناصر، ولما حصلت النكسة، حسيت إنه كان في كدبة كبيرة، وإننا ما كُنّاش عايشين في واقع العالم، ما فهمتش اللي حصل وما عجبنيش اللي كان بيتقال حواليه، أنا لغاية دلوقتي أصلاً باتساءل حوالين اللي حصل في حرب 1973، مع إنهم طلبوا مني كتير إني أعمل أفلام عنها، قلت لهم: البطولات الفورية اتعمل أفلام عنها، عملها أولادنا وكانت معقولة وكويسة، أنا بقى شاكك في كل اللي حصل ومش فاهمه، لازم تقولوا لي إيه الي حصل فعلا، هل النصر ده حصل ضمن ترتيب مسبق ولا غير كده، لإني قريت مرة لكاتب كبير بيقول: ياريت نكسب معركة صغيرة ترد كرامتنا وبعد كده نتفاوض.

ـ وقالوا لك يا أستاذ؟

(ينظر لي ويضحك ويشد نفسا عميقا من السيجارة ثم يصمت مبتسما)

ـ طيب هل بدأ صوتك يعلو بعد هزيمة 1967 في انتقاد اللي حصل وبيحصل؟

طبعا، في الوقت ده بدأت التفكير في فيلم (العصفور) وكتابته، كان عندنا الجرأة في الفيلم نأكد إننا اتهزمنا، بدأنا نعمل الفيلم قبل موت عبد الناصر، كنت عملت قبليه فيلم (الأرض)، وبعدين بدأت في فيلم (الاختيار) ومات عبد الناصر واحنا بنصوره، وكان المفروض إن الفيلم اللي بعد كده هو (العصفور)، لما مات عبد الناصر منعت نفسي من العياط، كان في عاطفة شديدة جدا بتربطني بيه، نزلت الشوارع وأنا اللي صورت الجنازة من أولها لآخرها من الشارع، ولكن بعد كده ما قدرتش أمنع نفسي من العياط لما شفت ابنه خالد في وسط الجنازة.

لقاء مع السادات

ـ يمكن أهم أفلامك وأكثرها إثارة للجدل قدمتها في عصر أنور السادات، كان موقفك إيه من السادات؟

ما كنتش باحبه، (يضحك وهو يتذكر) عاتبت مرة آسيا لإنه قبل ثورة 1952 راح لها عشان يطلب فرصة تظهر موهبته في التمثيل، فقالت له: إنت مش وسيم، حكت لي ده بعد ما بقى رئيس، قلت لها: ليه بس ما اديتهوش دور، لو كانت عملت كده كان بقى ممثل بدل ما يمضي صلح مع اسرائيل بالطريقة دي (يضحك).

ـ كان مشهور عن السادات حبه للفنانين ومتابعة أخبارهم، هل كان حريص على الالتقاء بيك، هل استدعاك لمقابلته؟

لا، أبدا، أنا رأيي إنه كان بيحب يقابل الفنانين عشان هو بيحب الشهرة والأضواء، أنا قابلته مرة وحيدة في موسكو، كان في إعادة هناك لعرض فيلم (الناس والنيل) قال لي صلاح ذو الفقار: تعال نقابل الريس السادات، قابلناه في المطار، كان لطيف ومش متكبر، لكن على أية حال أنا كنت ضد إنه قام بصلح منفرد مع اسرائيل دون ما يستشير حد، على أية حال، هو ما طلبش مقابلتي أبدا، وما كانتش لي بيه أي علاقة، وأنا أصلا كنت قررت إن ما حدش يأثر عليّا أبدا، من ساعة ما طلب مني عبد الناصر إني أرجع لمصر، كان ده معناه إن عبد الناصر قبل شروطي، أقصد قبلني زي ما أنا، وعشان كده ما كنتش مستعد إن حد يوجهني بعدها.

ـ في الفترة دي كان ليك آراء معلنة في الصحافة بتنتقد فيها سياسات السادات، هل تعرضت لمضايقات؟

لا، بس هم منعوا فيلم (العصفور)، ده ما كانش سهل أبدا، كان متعب ليا جداً، خصوصا ماديا، لإن القرار خرب بيت شركة كانت بتخطو خطواتها الأولى، قعدت سنتين من دون شغل، وكان ده أكبر إيذاء ممكن.

ـ في (العصفور) قدمت إدانة صريحة لعبد الناصر وده انتقده البعض وحسبوه ضمن موجة الأفلام اللي بتغازل العهد الجديد مع إن الفيلم كان مكتوب قبلها، وفي فيلم (عودة الإبن الضال) اللي عملته تقريباً سنة 1975، أدنت بجرأة سياسة الإنفتاح والتدخل الأمريكي في شؤون مصر، لكن البعض اعتبر إنك في الفيلم برضه بتدين عبد الناصر من خلال شخصية علي المهزوز المهزوم، هل ده كان تعسف في القراية؟

طبعا، تعسف في القراية، (عودة الإبن الضال) كان إدانة للسادات، الفيلم كان بيتنبأ إن العرب هيحاربوا بعضهم البعض، وبعد ثلاثة شهور من عرضه بدأت فعلا الحروب العربية بأشكالها المختلفة.

ـ الرؤية اللي قدمها الفيلم كان وراها صلاح جاهين ولا إنت؟

كانت رؤية مشتركة، ولازم أي رؤية تبدأ بيا أولا، الفكرة الأساسية كانت لي، وهي موجودة في الإنجيل أصلاً.

ـ لو قرينا فترة السادات في ضوء الرؤية اللي قدمها فيلم (عودة الإبن الضال)، كان في تنبؤ بالنهاية الدموية اللي هتحصل للكل؟

شوف بغض النظر عن الفيلم اللي اتعمل قبل اللي حصل بكتير، لا يمكن إني أروح وأوقع صلح منفرد مع اسرائيل، وأقول إني باتكلم باسم العرب من دون حتى ما أسألهم، وده يبقى دليل على إنك هتوصل لشيئ إيجابي، اللي حصل ما كانش سلام، كان مقلب، وأنا ما باحبش المقالب، وباشوفها غير أخلاقية، السادات كان عايز الشهرة والنجومية بس التمن كان غالي جداً.

ـ ليه اخترت في (عودة الإبن الضال) النهاية الدامية دي وضرورة فرار الأبناء من الواقع، بدل ما تختار نهاية فيها مقاومة من الأبناء لواقعهم؟

كنت بادق اجراس الخطر، وده اللي عملته في فيلم (الآخر) برضه عند مقتل آدم وحنان، بيقولوا لي "إنت متشائم" دلوقتي وزمان، وأنا باقول لهم: لا أنا مش متشائم، لكن باقول لكو انتبهوا، لو مشينا بعمى قلب ناحية العولمة وغيرها من ابتكارات أمريكا، دون ما ننتبه لخصوصيتنا وحضارتنا، هتكون النتيجة سيئة.

ـ فيلمك (اسكندرية ليه) البعض اعتبره أنضج تعبير عن الموقف من الصهيونية في السينما المصرية، لإنه بيفرق بشكل واضح بين الصهيونية واليهودية على عكس المغازلة للتفكير الشعبي السائد، بينما اعتبره البعض ـ واللي كانوا الأكثرية وقت عرض الفيلم ـ إنه خيانة ومغازلة لاسرائيل وتم منعه من العرض في دول عربية كتيرة، هل ده أشعرك بالإحباط؟

هُمّا كانوا عايزيني أظهر اليهودي في صورة شايلوك، وأنا مش هاعمل كده، كان عندي شعور بالإحباط في الأول، وده كان طبيعي، ولكنه زال مع الوقت، أنا عموما مش مستني من كل الناس يصفقوا لي، لإن موقفي من التطبيع واضح ومعروف للكل زي ما قلت لك.

ـ قلت لي إنك مش متابع دائم للسينما المصرية والعالمية لإنشغالك بصنع أفلامك، لكن البعض بيتهمك بالتأثر أكتر من اللازم بالسينما العالمية، خصوصا في فيلمك الأخير (الآخر)؟

في حياتي ما فيش فنان عالمي أثّر فيّا غير جين كيلي بأفلامه الغنائية الإستعراضية، وعشان كده أهديت له فيلم (اليوم السادس)، برضه عز الدين ذو الفقار تأثرت بيه، كان أسلوبه بيعجبني.

ـ يعني بيقولوا إنك نقلت فيلم (كل هذا الجاز) في فيلمك (حدوتة مصرية)؟

غير صحيح، أنا كتبت فيلمي في الوقت اللي كان بيتم فيه صنع الفيلم الأجنبي وما كنتش شفته، وده حصل برضه زي ما قلت لك قبل كده في سيناريو فيلم (الإختيار) مع قصة نجيب محفوظ، واللي مش هيصدق هو حر، أنا ما باكذبش وما باضيعش وقتي في إثبات وجهة نظري.

نختم نص الحوار غداً بإذن الله
605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.