من مفاجآت الانتخابات الإسرائيلية

من مفاجآت الانتخابات الإسرائيلية

29 مارس 2015

ملصقات دعائية لحزب الليكود (9 مارس/2015/Getty)

+ الخط -

كان متوقعاً أن تجري الجولة الانتخابية العشرون في تاريخ إسرائيل، قبل أيام، كسابقاتها، لكنها حفلت بمفاجآت ثقيلة، فاجأت الإسرائيليين قبل سواهم، لا سيما أوساط النخبة ومراكز صنع القرار ودوائر البحوث والتخطيط. وسيكون لها ما بعدها، من حيث استقراء طبيعة الحكومة الإسرائيلية المقبلة، والتعرف إلى برنامجها الحكومي، وكيفية إدارة علاقاتها الداخلية والخارجية.

حتى الساعات الأخيرة في يوم الاقتراع، كانت حظوظ رئيس الحكومة، السابق واللاحق، بنيامين نتنياهو، متراجعة، في استطلاعات الرأي في إسرائيل، وتقديرات الأحزاب السياسية المتنافسة، وما قيل عن تدخل أميركي في ترجيح كفة يتسحاق هرتسوغ، زعيم "المعسكر الصهيوني"، لكن نتنياهو نجا وفاز مجدداً، وكتب في تغريدة في "تويتر" "على الرغم من كل المراهنات، فزت، وفاز الليكود"، وأيقن الجميع في إسرائيل وخارجها أن الفوز الحقيقي في هذه الانتخابات هو للرجل بالدرجة الأولى، وليس لحزبه.

فوز نتنياهو، فضلاً عن أنه جاء خلاف التوقعات والاستطلاعات، فإنه، أيضاً، يعبر عن ضعف خصومه، أكثر من قوة شخصيته، فقائمة المنافسين له، لا سيما هرتسوغ، صاحب التجربة السياسية المتواضعة، والذي لم يسبق أن خاض تجارب انتخابية، ويفتقد (كما نتنياهو) لتاريخ عسكري يحتاجه الإسرائيليون. وجاءت القشة التي قصمت ظهره في مناظرة سبقت الانتخابات بليلة بين الرجلين، وتم بثها على الهواء مباشرة، حين تلعثم قائلاً: "نريد الحفاظ على وحدة نتنياهو، بدل "الحفاظ على وحدة القدس"، ما دفع حزب الليكود لاستخدام هذه الفقرة في الساعات التي سبقت إغلاق الدعاية الانتخابية، وساهمت في ترويج مزاعم اليمين الإسرائيلي أنهم أمام مرشح ضعيف مهتز، يتلعثم في مناظرة انتخابية!

الفوز الجديد لنتنياهو يرشحه لأن يقف بجانب المؤسس الأول لدولة إسرائيل، ديفيد بن غوريون، أول رئيس حكومة، وقد أمضى أربع ولايات حكومية، ودار الزمان ليأتي زعيم إسرائيلي من الجيل الثاني، ويكرر الأنموذج، متجاوزاً بذلك قادة تاريخيين، أمثال إسحق رابين وإرييل شارون وإسحق شامير ومناحيم بيغن، ممن أمضوا فترة انتخابية، وثانية على أبعد تقدير.

وللمرة الأولى تدخل الأحزاب العربية المتنافسة في قائمة مشتركة، الأمر الذي كان غيابه يشتت أصوات الناخبين العرب، وهي نسبة لا بأس بها من الحزمة الانتخابية. بل كنا نشهد، بين كل دورة انتخابية وسواها، انضمام مرشحين عرب إلى قوائم انتخابية صهيونية. وكان المستفيد الأول من التشتيت والاستقطاب في الكتلة العربية الناخبة الأحزاب الإسرائيلية، اليمينية والوسط وما تبقى من اليسار. وقد اتخذت الأحزاب العربية، في هذه الدورة الانتخابية، قرارها التاريخي بالانخراط جميعاً في قائمة عربية واحدة ضمت "الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، الجناح الجنوبي للحركة الإسلامية، التجمع الوطني الديمقراطي، القائمة العربية للتغيير". وقد شكل حجم التمييز العنصري، واستشراء حالة التهميش، وتفشي سياسة استهداف الجماهير العربية من المؤسسة السياسية والأمنية الإسرائيلية، عاملاً ضاغطاً على هذه الأحزاب، لتتجاوز خلافاتها "الشخصية" في معظم الحالات.

من كان يصدق أن العرب الفلسطينيين باتوا يشكلون القائمة البرلمانية الثالثة في الكنيست، ليتفوقوا على أحزاب يمينية صهيونية توعدتهم بتشريعات عنصرية. ولا يعني هذا الفوز للقائمة العربية المشتركة انخراطاً معنوياً أيديولوجياً بالمؤسسة البرلمانية الصهيونية التي طالما شرعنت استهدافهم والعمل على طردهم، لكنه انخراط "الحاجة" الماسة للحفاظ على وجود أصحاب الأرض الأصليين ممن يواجهون حملات تشريعية وقانونية، في السنوات السابقة، بحيث آن الأوان للعمل على كبح جماح هؤلاء المشرعين، ولجم سعارهم المنفلت تجاه العرب الفلسطينيين.

ومن مفاجآت الانتخابات الإسرائيلية الجديدة، أن النظام السياسي الإسرائيلي، منذ منتصف التسعينيات، بدا أنه ذاهب نحو حالة من عدم الاستقرار، فلم تمض أي حكومة إسرائيلية، منذ اغتيال رابين في نوفمبر/تشرين الثاني 1995، فترتها الدستورية الكاملة ذات السنوات الأربع، ما جعل المشهد الحزبي والانتخابي الإسرائيلي يشهد سيولة غير محدودة، وبتنا نشهد كل عامين جولة انتخابية جديدة، ما أرهق الناخب الإسرائيلي الذي بات يشعر أن النخبة السياسية الحاكمة تستغل مقدرات الدولة لإحداث تغييرات شكلية في طبيعة النظام السياسي، لا تقدم ولا تؤخر كثيراً.

وقد ساهمت هذه الأسباب، كثيراً، في حصول تراجع متلاحق في نسب التصويت الإسرائيلية، لأكثر من سبب وعامل، لعل أهمها الملل الإسرائيلي من السيولة الحاصلة في النظام السياسي، واستنزاف مقدرات الدولة في سبيل مصالح شخصية وحزبية، وافتقاد الناخب الإسرائيلي لزعيم تاريخي يختلف، جوهرياً، عن منافسيه في الحلبة الحزبية والسياسية. ولكن، جاءت نسبة التصويت متقدمة، للمرة الأولى منذ أواسط التسعينيات، بصورة فاجأت اللجان الانتخابية الإسرائيلية، لتصل إلى %71.8.

إلى ما سبق، تشهد الساحة السياسية الإسرائيلية حالة من "التفريخ" المتواصل، منذ عقدين، للأحزاب الصغيرة، وجاء تنامي هذه القوى على حساب الأحزاب التاريخية الكبرى: العمل والليكود وكاديما، ما أفسح المجال لقيام القوى الحزبية الناشئة بممارسة ابتزاز مكشوف على نظيرتها الكبرى، في مقابل تحقيق مكاسب حزبية وفئوية خاصة. وقد جاءت الانتخابات، أخيراً، بمفاجأة على شكل انتكاسة لهذه الأحزاب "الوليدة"، فقد تراجعت مقاعدها إلى نحو الثلث، مع أن التقديرات كانت تمنحها تراجعاً طفيفاً، لكن النتائج النهائية شكلت صدمة لزعماء هذه الأحزاب، أفيغدور ليبرمان زعيم "يسرائيل بيتنا"، "يائير لابيد" زعيم "هناك مستقبل"، و"نفتالي بينيت" زعيم "البيت اليهودي"، وعبروا جميعاً عن خيبات آمالهم بهذه النتائج، في محاولاتهم في خطاباتهم فور إعلان النتائج تعزيز معنويات أنصارهم المنهارة.

وستمثل هذه الظاهرة، أي تراجع أحزاب شكلت "بيضة القبان" في ائتلافات حكومية إسرائيلية سابقة، فرصة ذهبية لنتنياهو، ليتحرر من محاولاتهم المستمرة لابتزازه في ملفات سياسية أو اجتماعية أو معيشية. على العكس، ستجعله متحللاً من أي التزامات قسرية تجاهها، ويبدو متحرراً من قيودها المتوقعة في اتفاق تشكيل الحكومة.

أكثر من ذلك، ستبدو تلك الأحزاب في حاجة ماسة لأن تكون جزءًا من ائتلاف يميني يقوده نتنياهو، من دون أن تفرض عليه شروطاً والتزامات، لأن بديلها، في هذه الحالة، الجلوس في مقاعد المعارضة، فكيف سيكون حالها وحزب المعارضة الرئيس هو "المعسكر الصهيوني" ذو الـ24 مقعداً؟

في السياق نفسه، ظهر حزب "كلنا" بزعامة موشيه كحلون ذي الأصول الليكودية اليمينية، وقد خرج لتوه من الحزب الأم، ليشكل تياراً اجتماعياً معيشياً، وسيبدو الأوفر حظاً بأن يخطب نتنياهو وده، ليكون إلى جانبه قوة ثانية في ائتلافه الحكومي المتوقع. وعلى الرغم من نشوة كحلون من النتائج المبهرة التي حققها، إلا أنه لا يمتلك "بوليصة تأمين" من عدم تكرار أسلافه ممن باتوا على هامش الحياة الحزبية الإسرائيلية.

وفي موضوع متصل، عزز التقدير الإسرائيلي عن سقوط نتنياهو الحتمي ساسةٌ وعسكريون إسرائيليون عديدون، لأنه تجاوز خطوطاً حمراء في علاقته مع الرئيس الأميركي، باراك أوباما، لا سيما عقب إصراره على إلقاء خطاب في الكونغرس، على الرغم من تحفظ البيت الأبيض، الأمر الذي أفسح المجال للحديث الإسرائيلي المتزايد، أخيراً، عن تدخلات أميركية في العملية الانتخابية الإسرائيلية، لترجيح كفة هرتسوغ.

هذه أهم مفاجآت الجولة الانتخابية العشرين للكنيست، وستكون محط دراسة صناع القرار الإسرائيلي، للاستفادة منها في جولات انتخابية قادمة، خصوصاً وأنه ستكون لها إسقاطات ونتائج كثيرة، ليس على صعيد إسرائيل فحسب، وإنما الواقع الفلسطيني والإقليمي، وربما الدولي.

1CF9A682-2FCA-4B8A-A47C-169C2393C291
عدنان أبو عامر

كاتب وباحث فلسطيني، دكتوراة في التاريخ السياسي من جامعة دمشق، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة في غزة، له العديد من المؤلفات والأبحاث والدراسات والمقالات.