سياسيون تونسيون: الحرب على الفساد تتعارض مع قانون المصالحة

سياسيون تونسيون: الحرب على الفساد تتعارض مع قانون المصالحة

01 يونيو 2017
لاقت "الحرب على الفساد" ترحيب التونسيين (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -


في وقتٍ أبلغت حكومة الوحدة الوطنية في تونس الرأي العام بأنّها انطلقت في مكافحة الفساد ومضت فيها قدماً، يعتبر عدد من السياسيين أنّ "الحرب على الفساد" تتعارض مع إصرار رئاسة الجمهورية على تمرير مشروع قانون المصالحة، الذي قد يحبط مساعي حكومة يوسف الشاهد، برأيهم.

وكانت الحكومة التونسية قد أعلنت "الحرب ضد من يهددون أمن الدولة العام، ويعبثون باستقرار البلاد"، وبادرت وفق قانون الطوارئ، بوضعهم تحت الإقامة الجبرية، حيث لا يحق لعائلاتهم ولا محاميهم زيارتهم، أو حتى معرفة مكان تواجدهم.

كما قامت، في خطوة ثانية، بمصادرة أملاكهم وأموالهم نظرا لتحقيقهم أرباحاً غير مشروعة ولـ"ارتباطهم بنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي"، إذ طاولت سلسلة التوقيفات كبار رجال الأعمال والمهربين ووصلت إلى 8 أشخاص حالياً.

وجمعت حملة التوقيفات المعارضة والائتلاف الحاكم والحكومة، وكثرت رسائل وبيانات الدعم للشاهد، داعية إياه إلى ضرب المفسدين بيد من حديد.

لكن خرجت في الوقت عينه توضيحات من القضاء العسكري، أكدت أنّ أحد الموقوفين بقي على ذمة التحقيق، بعد أن اتضح أنّ التهمة الموجهة له تتعلّق بالتآمر على أمن الدولة لا الفساد.

ومما زاد في الشكوك حول مدى جدوى حملة مكافحة الفساد، استئناف مناقشة مشروع قانون المصالحة في البرلمان، رغم معارضة أحزاب عدة ممثلة بالمجلس النيابي، مبرزة وجود تعارض واضح بين روح مكافحة الفساد والمصالحة التي ترى الأحزاب أنّها تؤسس للإفلات من العقاب.

ويدعو قانون المصالحة الذي أحيل من قبل رئاسة الجمهورية إلى البرلمان، منتصف يوليو/ تموز 2015، وبدأت مناقشته أواخر إبريل/ نيسان الماضي، إلى العفو عن الآلاف من موظفي الدولة ورجال الأعمال الذين نهبوا أموالاً عامة طيلة حكم زين العابدين بن علي، مقابل إرجاع هذه الأموال مع فوائد.

وتلتقي في معارضة مشروع قانون المصالحة، باستثناء حزب "نداء تونس"، بقية الكتل الممثلة في البرلمان، والتي دعت إلى إدخال تنقيحات على مشروع القانون، بما يتلاءم مع العدالة الانتقالية، وينفي عنه صفة العفو عن المنتفعين من المال العام دون وجه حق، باعتبارها "المفسدة الأكبر" التي خربت منظومة الدولة، وجمعت حول مركز الحكم مجموعات من الفاسدين.

وذهبت تأويلات أخرى إلى اعتبار أنّ الدولة تتعامل بمكيالين، إذ تمنح العفو لبعض المتورطين في الفساد، فيما تحاكم آخرين وتوجّه إليهم تهماً تصل عقوبتها إلى الإعدام، لتصبح حملة التوقيفات أمراً محفوفاً بالريبة.

وفي هذا السياق، اعتبر القيادي في حزب "النهضة" عبد اللطيف المكي، في حديث لـ"العربي الجديد"، اليوم الخميس، أنّ "قانون المصالحة في صيغته الحالية، وفي حال لم تطرأ عليه تغييرات جذرية وعميقة تجعله حلقة من حلقات العدالة الانتقالية، يتعارض تماماً مع الحملة على الفساد".

وقال "إنّ الفساد وقبل أن يكون فعلاً مادياً، كالاختلاس وخيانة المؤتمن واستغلال النفوذ، هو أخلاقياً، منهج وسلوك لا يجب التشجيع عليه بالعفو عن مرتكبيه".

ودعا إلى "التعاطي مع الفاسدين وفق طريقة موحدة وعادلة"، مذكّراً بأنّ "العدالة الانتقالية مسار نال إجماعاً وطنياً، وبعيداً عن الإفلات من العقاب".

واقترح القيادي في "النهضة" أن يتم تجنّب تمرير مشروع قانون المصالحة بصيغته الحالية، في هذا التوقيت بالذات، معتبراً أنّ ذلك من شأنه أن يبعث "رسالة قوية" بشأن المضي في الحرب على الفساد.


وبينما يصرّ رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، خلال لقاءاته الأخيرة مع ممثلي أحزاب ائتلاف الحكومة (النهضة والنداء)، على تمرير مشروع قانون المصالحة، يشدد المكي على ضرورة تطوير مشروع القانون بطريقة "جذرية"، أو سحبه والعودة لمسار العدالة الانتقالية، بوصفه مساراً موحّداً وعادلاً وأخلاقياً.

كذلك، تبنت المعارضة الرأي نفسه، مندّدة بما وصفته "الانتقائية في الحرب على الفساد".

وقالت القيادية في حزب "التيار الديمقراطي" سامية عبو، لـ"العربي الجديد"، اليوم الخميس، إنّ "حملة الايقافات بعثت أملاً في نفوس التونسيين، وأعادتهم إلى غمرة النفس الثوري إبان ثورة 2011"، معتبرة أنّ هذه الحملة "كشفت أيضاً عن إقرار الدولة والحكومة بوجود الفساد الذي التحم في بعض الحالات بالسياسة وأضرّ البلاد، وأخرجت المسألة من دائرة الشعارات وبرامج العمل التي لم تفعّل".

وأشارت في الوقت عينه، إلى أنّ "هذا القرار الذي لاقى ترحيباً من التونسيين، سرعان ما انطفأت شعلته بإعادة مشروع القانون (قانون المصالحة) لتقنين الفساد وتكريس الإفلات من العقاب، أعدّ على مقياس مصالحة فاسدين من الوزن الثقيل"، بحسب قولها.

إلى ذلك، تدرس المعارضة في البرلمان التونسي إمكانية مقاطعة جلسات مناقشة مشروع قانون المصالحة، داخل اللجنة المكلفة بدراسته، والتي ما انفكت تؤجل منذ أسابيع، وفي الجلسة العامة أيضاً، ساعية إلى تحميل الائتلاف الحاكم المسؤولية السياسية والأخلاقية في حال تمرير القانون.



المساهمون