ألِفٌ أولى مرسومةٌ قرب البحر

ألِفٌ أولى مرسومةٌ قرب البحر

01 يوليو 2020
(كلارا خانيس، تصوير كيم لِليناس/Getty)
+ الخط -


1
كلُّ شيءٍ هنا ركام: أرضٌ هائجة، شجر عارٍ وغيوم
ولكن وحده شجر اللوز يزهر. 
في حضن الغيم: قحطٌ شوكٌ وهجرٌ...
وهذا الحصان الجليدي النائم. 


2
ناداه الليلُ وقد خلع عنه اللّون والصورة. 
وكان الليل قد أغلق عينيه لكي يرى الحصان نفسَهُ وهو يبتعد عن السواد. 
وهكذا ترك الحركة إلى أن تجمّد. 


3
تسقط النجوم هنا من جسم السماء في تحوّلات غامضة
تبدو وكأنها همسٌ يلّف الأرض
الشمس أخذت معها الضوء، ووحده الظلام يشع.
الظلام، تلك البذرة النابضة التي أنشأت التموّج. 


4
من يستطيع أن يرى العتمة في الظلام،
هناك عندما يلتقيان ساعة الغروب؟ 
وقلب الحصان الشفاف يتجاهل الورود السامة التي تشرّبت غموضاً. 


5
تحت الرمل، كانت النجوم السوداء تزرع ضوء الغيهب 
وكانت أشعّتها جدائل تصل إلى سُرّة الأرض. 
كان الصباح غريباً ينام في حضن الفجر،
وحدود اليقظة تهرب 
وتنصهر مع تعاقب الشمس. 
الضوء يغطي الوقت الآن،
والحبُّ يفقد عِملته. 


6
لم يكن الفجر من جليد، لم يكن نهر الحياة من جليد
لم تكن شعلة عينيه جليدية. 
وعندما استيقظت الحقولُ لم تكن كذلك من جليدٍ. 
وكان العقل يفتح شقوقاً
لكي تحسن الأبجدية أن تبني فيها شرايينها...
الحب الأسود يُبحر الآن بين بياضين.


7
الضوء الآن في جوف الأرض
إلا أنّ الحقول العارية والسنابل اليابسة لم تجد أثراً له. 
ضباب خادع،
غير أن صوت النجوم يخترق أعماق الشّقوق المعتمة التي تحجب الضوء.
الكون مظلمٌ
والضوء لا يزال في جوف الأرض. 


8
وما زالت الحياة تنبض في سكون الجليد
ترسم معالمَ حصان من ظل. 


9
يفجّر إله الرقص لهباً يظهر عبره
قلب النسيان.
وكان القلب مليئاً بأحجارٍ محفورة بألماس وبمعادن تنزف 
من سجن الكمال.
كانت تقول حياةً
وهي الآن شرارٌ في هذا الفراغ. 


10
الموت أو اللاحب. 
والماء يريد الهروب....
اكتب المفهوم، شيّد جسراً بين الفكرة واللغة. 
الأرض تسلم جسدها للرطوبة لكي 
تستقبل الأبجدية الأولى المرسومة قرب البحر. 


11
لا وقت، لا طاعة.
الفكر الذي لا كلمات لجسده
يتحوّل إلى امتداداتٍ ممهدة ينزلق فيها كلّ شي. 
والأبجدية الآن جاهزةٌ لنفكّ رموزها. 


12
ألِفٌ أوّل الحروف ومن الماء وُلِد. 
عندما ظهر، خرجت معه السّين
غير أنَّ أفعى ربطتها إلى جسدها 
ونزلت معها إلى عمق الأرض. 


13
وهذا الحجر ليس عارياً كما يقال
إنه يلبس رمزاً يليق بأبعاده 
ولهذا نراه مثنّى. 
روح الكلمة تملؤه قوةً واشتياقاً للطيران.
إنه ساكنٌ في هذه الوحدة المظلمة
يحرس صدى أبعاده. 


14
في سرّة الأرض 
في بحيرة من ماء رائق
جاءت الأبجدية تغسل أصواتها 
وراحت تلبس انعكاسات كواكب غامضة. 
وفي أراضٍ صحراوية تعرّت وتآكلت الياء والواو
إلا أنّ الريح صقلت الألِف. 
هكذا راحت الكلمة تنساب
كشَعر حصان أسود. 


15
سأذهب معكِ أيتها الريح، معكَ أيها الضوء
معكَ أيها الظل؛ لأنكم ترحلون وتأخذون الجوهر 
وتتركون قشرة الكلمات. 
لا تزال هناك، تحت الأرض، كواكب نائمة تحاول 
أن تشحذ قلب المعنى.
أحبُّ نَظْمَ الأبجدية، كمالَ جمودها
وأحبّ أن أكسر قيود الإشارات. 


* * Clara Janés شاعرة وكاتبة ودارسة ومترجمة، تُعتبر من أبرز الأسماء الأدبية في إسبانيا والبلدان الناطقة باللغة الإسبانية. ولدت في برشلونة عام 1940 وحصلت على الليسانس في الفلسفة والآداب، ثم انتقلت إلى باريس لتدرس في جامعة السوربون الأدب المقارن. خاضت في أكثر من جنس أدبي وبرزت في الشعر والدراسة، إضافة إلى الترجمة عن الفرنسية والتشيكية. وهي حالياً عضو في الأكاديمية الملكية الإسبانية للغة عن حرف "U". حصلت على العديد من الجوائز الأدبية الوطنية والدولية. نذكر من أعمالها على سبيل المثال لا الحصر: "الكلمة والسر"؛ "الأشجار في الثقافات الثلاث"؛ "نحو الضوء"؛ "عالمي الشعري"؛ "تحولات غامضة" (الصورة)، إضافة إلى العديد غيرها.

** ترجمة عن الإسبانية: جعفر العلوني، والقصائد من ديوان "تحوّلات غامضة" الذي تتناول فيه الشاعرة كلارا خانيس قصة نشوء الأبجدية في سورية

المساهمون