"الإخبار الإيطالي": الأرضية المنسية لعصر النهضة
من منطلق متابع للفن في زمننا، تبدو إعادة نقل مشهد من الواقع في لوحة والإيهام بمطابقته للواقع من مهجور الإبداع الفنّي، فقد أنهت الفوتوغرافيا هذا الدور الذي يريد أن يلعبه الفن. بحسب مؤرّخ الفن الفرنسي دانييل أراس، تجعلنا هذه الوضعية نقصي مرحلة مفصلية من تاريخ الفن، هي تلك التي يدرسها في كتابه الأخير الصادر مؤخراً عن منشورات "هازان" بعنوان "الإخبار الإيطالي".
تحت هذا المسمّى يتناول أراس تاريخ الفن في إيطاليا خلال القرن الرابع عشر، وهي الفترة التي تقابل الإرهاصات الأولى لما بات يعرف لاحقاً بعصر النهضة. "الإخبار" هو بالنسبة للمؤرّخ الفرنسي نزعة لتمثيل حدث معروف، يكون عادة من الكتاب المقدّس، ولكن يمكن أن يجسّد مشهداً في بلاط أو رمزاً ميثولوجياً.
يعتقد أراس أن الاشتغال على مبدأ الإخبار هو ما قاد إلى تطوير الفن إلى تقديم مشاهد شبه واقعية، ففي نفس الفترة ظهرت تقنية المنظور وجرى التنظير لها وباتت معطى دراسياً يتعلمه الفنانون الإيطاليون في ورشات أساتذتهم منذ أن يمسكوا بالأقلام، ولم تكن هذه التقنية قابلة للظهور لولا وجود معرفة كافية بالهندسة لتذويبها في التقنيات الفنية.
دون هذه الخطوة، يَعتبر أراس أنه من المستحيل أن ينجز مشاهير الفنانين الإيطاليين الذين نعرفهم اليوم لوحاتهم الخالدة، مثل ليوناردو دافنشي وميكال أنجلو ورفائيل، على اعتبار أنه لو لم تكن هذه التقنيات قد تطوّرت وتحوّلت إلى مبادئ معروفة لقضى هؤلاء نصف مسيرتهم لاكتسابها عن طريق التجربة.
قبل هذا الكتاب، أصدر أراس مجموعة أعمال تمثّل تنويعات في دراسة عصر النهضة، منها كتابه حول مسيرة ليوناردو دافنشي، كما أنجر عملاً شبيهاً حول الفنان الهولندي فيرمير. ومن أبرز أعماله الأخرى: "الفن الإيطالي"، و"فن التفصيلة"، و"الرغبة المقدّسة".
