أُمنيّة وحيدة صرفناها لنشتري أصدقاء

أُمنيّة وحيدة صرفناها لنشتري أصدقاء

05 اغسطس 2019
(من فيلم "الحديقة السريّة"، لـ أغنيشكا هولاند، 1993)
+ الخط -

ظهر الثور غمدٌ للسيف

وجهكِ الذي يذوب في قلبي
مثل شمعة
نور العالم ذاك
لا أعلم ماذا أفعل به
الكرة التي وجدناها ضائعة في الحقل
لم تعد صالحة للّعب
وأيدينا التي وضعناها في المياه الباردة
لن تصلح لحمل قلوبنا
يا قلوبنا الثقيلة
يا أصيص الزهور المكسور
الحب الذي أعطيناه كالنقود في الحصالة
الذي رميناه للمتسولين وباعة الورد
متى نجد الوقت اللازم لاسترداده؟
المرّة التي تُركنا فيها وحيدين على البحر
لم يستردّنا أحد
وقلاع الرمل التي رمينا فيها دموعنا
تهدمت مثل مطرٍ على الشاطئ
لا شيء يعود إلينا
قلوبنا تقاسمناها، وضعناها في البنوك
وزّعناها كالقشّ في الإسطبلات
القشّ الضعيف ذاك
الذي أكله البغل بفرح
سيحرق الحقل والمزرعة والإسطبل يوماً
كلّ الوجوه التي ذابت في قلوبنا
أصبحت باردة
كأنما هُزمنا في مبارزة أمام العالم
وكلّ من مرّ من جانبنا
غرز نصلاً بارداً فينا
هكذا يموت الثور وحيداً في الحلبة
نحن مثله نموت
كلّما نظرنا إلى شخصٍ ما
كلّما شعرنا أن الشَعر الطويل
هو قماشةٌ رائقة لمسح الدموع
كلّما طلبنا بلطف أن يسقينا أحد
وكلّما أردنا أن نعرف طريق العودة إلى الشاطئ
إلى قُرانا، إلى فتياتنا،
إلى الأفخاذ التي لم تعد تبالي بما نحمله من زهور
إلى الأيدي التي ابتلعت كل تراب هذا العالم
وتركت لنا أوعيةً فارغة
أوعيةً كنّا سنبني منها قلاعاً جميلةً لنا
أيّها القلب الثقيل
الذي يحتوي هذا العالم
أيّها الجنديّ المعبّأ بالدروع الباردة
خذ قلاعك وقطتك وسِرْ
الحب أثقل منك
وأثقل من السيوف التي غرزت فيك
التي لم تترك لك عناقاً واحداً
هكذا القنفذ يجد دائماً مساحة للدفء
بين القنافذ، ومساحة تبقيه على قيد الحياة.


■ ■ ■


زهور عبّاد الشمس

في نهاية المطاف
لن يزورك أحد
ستعبر الطريق وحيداً
ولن تفشي أسرار حزنك إلا للغيوم
لأنك تعرف أنّها ستختفي
وتأمل أن يختفي حزنك معها
وقلبك الخاوي
لمن تهديه؟
للساعات المتأخرة من الليل؟
للفتيات؟ لوالدتك؟
للحياة؟
من يحمل معك مزاج النهار؟
من يعتقل معك النكات؟
أيّها الوحيد
يا كتف الحزن
أغلق صندوق الأغاني
وضع يديك في جيبك
لن تعطي عناقاتك لأحد
لا أحد يستأهلها
اقطعهما-كفّيك-وازرعهما
في التراب يا عبّاس
لتبني بيتاً من شجرة
فأنت هكذا ستحتضن نفسك
حينما تسوء الأمور
ليس لك إلّا أخشاب يديك
التي نخرها السوس
رحت تهديها للعابرين
وتسقي منها عصافير الغيوم الشاحبة
رحت تعانق بها الله.
الآن عانق نفسك
هذه الشجرة هي بيتُك
لن يزورك أحد
لن يخرج لك من زواريب الأحياء
قطٌ يلاعبك الكوتشينا
ولن تخرج راقصة من حانة ما
لتشرب معك الشاي
لن يخرج برعمٌ من الأرض
ليذكّرك أن السماء حلمٌ
كلّما نظرت إليها
ستحقق لك أمنياتك الطيّبة
كانت هذه لعبتنا للتسلية
لعبناها ونحن صغار
حينما كانت الطريق مليئة بشجيرات الكرز
حينما كان للظلّ بردٌ أقوى من زعانف الشمس
حينها كان الحُلُم قطاراً سريعاً
كان لدينا أمنيّة وحيدة
صرّفناها لنشتري أصدقاء
أصدقاء للطريق كزهور عبّاد الشمس
لكن ها نحن الآن
نعدّ المقاعد الفارغة
كلّها فارغة
لم يأتِ أحدٌ
لم يُزهر أحد في الطريق
كانت أمنيّتنا وحيدة، وحيدة جدا
ظلّت كذلك حتّى ماتت
ومثلها افترشنا قلوبنا للانتظار
ولم يأتِ أحدٌ
حينما نموت كهباء أُمنية
ازرعوا لنا زهور عبّاد الشمس
كي نعمّد طريقنا بالأصدقاء.


■ ■ ■


فعل أقلّ..تفكيرٌ أكثر

أُحبّ الجلوس والمشاهدة
أن أفعل أشياء أقلّ
أن أفكّر مثلاً:
أين وصلت في العدّ؟
محتسباً عدد الفتيات اللواتي
خرجت معهن في موعدٍ وهمي
أفكّر أكثرَ في الأشياء التي تدهشني:
ما سرّ الدانتيل؟ كيف أسدله عن قلبي؟
يخطر لي أيضاً أن تسألني فتاة
إن كنت أتحدّث الفرنسية فأجيبها:
كيف يتّسع شخصان على كنبة واحدة؟
كيف بإمكاننا أن نؤلّف عائلة على كنبة واحدة؟
فتردّ عليّ بضحكةٍ بعدها
أسأل نفسي كيف تجامل فتاةً تضحك؟
أقول: تُجيدين الفرنسيّة بشكلٍ فاخر.
هذا ما أُحبّه
أن أفعل أشياءً أقلّ
أن أفكّر بجهد أكبر.


* شاعر من لبنان

المساهمون