لأنهم خرجوا من الوقت

لأنهم خرجوا من الوقت

05 أكتوبر 2018
رافع الناصري/ العراق
+ الخط -

حصان فرّ من هيئته
لأنهم خرجوا من الوقت يستطيعون أن يقطعوا ليلين في يوم واحد
من دون أن ينتبهوا أن كائناً ما على الضفة القصوى يعدُّ خطواتهم
في الفضاء، في أراضي الافتراض
الموتى يتخففون من أسمائهم وأجسادهم بهمهمات تكوّر الجهات ضوءاً في الهواء
همهمات تنقلب نظراتٍ... أزمنةً مختلطة يقظةً هائلة لا عتبة لها
لتجلس أنت الميت الجديد، مرة أخرى وترى
معهم تمضي ملطّعاً بأمدٍ شديد ونسيانات ساخنة
الموتى الذين يشاطرون الصمت أجواءه
أنت كلهم
جزر تتطاير، مياه قديمة جديدة ترفرف داخل ظلال انسدلت من جبال تغذّ السير مقلّدة الغيوم
وأنتَ تجلس هكذا وراء الوراء
الطاولة قعرٌ محروثة حافاتُهُ بأيدٍ لا تُحصى
تجلس بقوة غياباتك
كلٌّ منكَ بدوره يصف وثبة حصانٍ فرّ من هيئته
ليقف أمامنا يحمحم واهباً المشهدَ ما يقتضيه

موتى يخشّبون نومهم ليمكث أصدقاؤهم لتكون أنت
لتتحاور ظلالنا حول طاولة أخفض من سماء مقلوبة
وأجمل من نبات يتسلّق رعبَ الحصان

هناك... تطفئ البدائلُ أشكالها
والماء يشقّ طريقه بين منازل لم تُبنَ ويسكنها زمن آخر
الماء الذي لا بد منه، يعمل لتبقى الأشياء نيئة غير قابلة للتسمية

معهم تنظّف الحركة ليس لغاية معهم تمضي
معهم في الريح، في الفناءات التي سقطت من الريح
في الظلام الذي يتكتك بين الكواكب
معهم وهم ينشّفون المرايا المصفوفة نكايةً بالأجساد وقد غبّشها غبار ضروريّ
معهم تمضي مسافرين قد وصلوا ويمضون معهم نظائرك في الطرق الرخوة إلى اللامكان تغنّون أخطاءنا

أهي أشغال البؤس؟
لا
هي اللغة بعدساتها الكثيرة بعقلها المثقّب تميل من دون أمل لتلتقط الهناك وراء الهناك
حيث الندم خفيفاً يتسرب من الأحجام حيث لا شيء غير الأحجام نشطة تغادر أبعادها
حيث القيامات صفيرٌ ممتلئ بأسماء تنقرض رويداً رويداً
بقايا اللغة تقول
شفرات.. مراوح تقاتل أقاربها، سجون بأجنحة مفتوحة وأبواب فائضة
بساتين تخرج من الرسم لتدخل في العلامة ثم تنعس في النقائض السوداء للطاقة
أشياء تعلو وتعلو خارج السماء والقوانين

الموتى آباؤك الذين فرّوا من الإطارات أقرانك الذين فخّخوا المعبر بين هذا وذاك
الذين برقّة لم يوجدوا وماتوا
اصطحبوا الاحتمالات الممكنة للأزمنة الكفيفة
ثم تناسخوا في خطوط الغيم والتراب
مرقّصين عاداتهم في الفسحات الحليبية
أعداء من دون ضغائن ودماء
إخوتك الموتى
بعيداً بعيداً
لا نفكر في أن نذهب أو نعود
في مكوثنا نعرف أن الأبد ضيّق علينا
نحن الموتى
لا حاجة لأن نتخيل.


■ ■ ■


أيلول

1

أيلول كلبٌ يلعق الدقائقَ التي مرّت للتو
يلعق عظامَ جميع الشهور.
أيلول كلب يدور حول ذاكرتي كلما نهضت من البكاء،
أيلول كلبي الحارس الذي أطرده ويعود
أطرده ويعود.

2

بسكاكينه الصغيرة يجرّحني أيلول،
أنا البضُّ الطفلُ الذي يبكي
وبيديه الداميتين "يعربط" بقدمي أمّه الطبيعة وهي ذاهبة إلى عملها.

3

ثمة صمت خافت بمخلب وحيد بالكاد يُرى
بمساعدة أنفاس حياة بعيدة
يخرّب مكوثي في بيت نفسي
كائن لا هيئة له
لا شيء هائلاً يغريني بالهروب.

4

أيلول آهة تتدلى على طرف الفم،
إغماءة مرقّطة بندى ثقيل
ثم
عينان مفتوحتان على ريح تفحّ.
أيلول.. لأخوّض داخلي حيث لا شيء سوى زمن جارف في طريقه إلى الجفاف.


* شاعر سوري مقيم في نيويورك

المساهمون