ليبيا: عمالة الأطفال تزداد خلال شهر رمضان

ليبيا: عمالة الأطفال تزداد خلال شهر رمضان

17 ابريل 2022
الفقر أحد الأسباب الرئيسية لعمالة الأطفال (محمود تركية/ فرانس برس)
+ الخط -

تتفاقم مشكلة عمالة الأطفال في ليبيا خلال شهر رمضان. ويكثر انتشار الأطفال في الأسواق، ولا سيما أسواق الخضار، وعلى قارعة الطرقات حيث يعرض الباعة بضائع عادة ما يقبل الناس على شرائها خلال هذا الشهر. ويعتبر أغلب هؤلاء الأطفال هذا الشهر فرصة لكسب المال بسبب إقبال المواطنين على التسوق بشكل شبه يومي. وعادة ما يقود هؤلاء عربات تُجرّ باليد ويتجولون فيها في الأسواق لنقل مشتريات المواطنين إلى سيارتهم في مقابل بضعة دنانير. 
عثمان (10 أعوام) وابن عمه أويس رابح (11 عاماً) يتجولان في سوق الحي الإسلامي وسط طرابلس بدءاً من الساعة الثامنة صباحاً وحتى المساء، لنقل مشتريات المتبضعين من الخضار إلى سيارتهم. وعلى الرغم من ضعف بنية أويس، إلا أنه مسؤول عن إعالة أشقائه الثلاثة ومساعدة والدته الأرملة في تربيتهم. توفي والده قبل أربع سنوات إثر مرض عضال ألزمه الفراش. 

قضايا وناس
التحديثات الحية

ويقول أويس لـ "العربي الجديد" إن "عبارة العمل ليس عيباً غير صحيحة. أخجل من رفاقي في المدرسة حين أصادفهم برفقة أهلهم في السوق. لكن ما يُخفّف من وطأة الأمر عودتي إلى البيت وفي حوزتي نحو أربعين ديناراً أعطيها لأمي نهاية اليوم"، لافتاً إلى أن والدته تعمل في الخياطة من المنزل منذ أن مرض والده.  
في المقابل، يختلف وضع عثمان عن ابن عمه، إذ إنه لا يعمل يومياً. وما شجعه، وجود ابن عمه أويس الذي يكبره بسنة. لذلك، يكتفي ببعض الدنانير التي يحصل عليها من عمله لثلاثة أو أربعة أيام في الأسبوع. ومنذ سنوات ما بعد 2011، زادت بشكل كبير حتى بات وجود الأطفال الذين يبيعون المناديل الورقية أمام الإشارات الضوئية على طرقات المدن الكبرى أمراً مألوفاً. ويشارك بعض الأطفال الأكبر سناً في غسل السيارات في المواقف الكبيرة المنتشرة في العاصمة طرابلس، وغالباً يعتبرهم المواطنون متسولين.  
ويمنع القانون الليبي عمل الأطفال منذ عام 1970، لكنّ حجم الأزمة التي تمرّ بها البلاد جعل تطبيق هذا القانون بعيد المنال، وخصوصاً أن الحكومات المتعاقبة على البلاد لم تؤمن بديلاً للأسر التي تدفع بأطفالها إلى العمل. وتبدو المحاولة الوحيدة للسلطات هي تلك اللجنة التي شكلتها وزارة التعليم والتربية عام 2014 لدراسة القوانين وإقرار قانون جديد لحماية الطفل بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، لكن مقترحاتها التي خرجت بها وأحالتها على البرلمان (المؤتمر الوطني العام في ذلك الوقت) لم يخرج عنها أي تشريع رسمي. 
إلا أن الرفض الاجتماعي للظاهرة لا يزال قائماً، بحسب مفتاح الصالحين، وهو مواطن من طرابلس. ويقول إن "إقبال بعض المواطنين على الاستعانة بالأطفال لنقل بضائعهم أو شراء سلعة يعرضونها، كحلويات رمضان، يأتي من باب التعاطف ورفض سلوك أسرهم التي تدفع بهم إلى العمل". ويؤكد أن الفقر ليس مبرراً لأن تدفع العائلات أطفالها إلى العمل.  
ويعرب الصالحين في خلال حديثه لـ "العربي الجديد" عن مخاوفه من أن يكون الأطفال عرضة للابتزاز. ويقول: "الطفل في هذه السن لن يشعر بحماية الأسرة، وهو بعيد عنها. كذلك قد يكون عرضة للابتزاز من قبل أشخاص يعمدون إلى إغرائهم بالمال لتجارة المخدرات". ويشير إلى أن بعض الأطفال يوجدون في أماكن ثابتة تعرف بكونها نقاطاً لتوزيع الحشيش. 

الصورة
التسرب من المدرسة يزيد من نسبة عمالة الأطفال (محمود تركية/ فرانس برس)
التسرب من المدرسة يزيد من نسبة عمالة الأطفال (محمود تركية/ فرانس برس) ​

من جهتها، تطالب أستاذة علم الاجتماع في إحدى الجامعات الليبية جميلة أبو زنان، السلطات بضرورة وضع برامج حكومية تدعم أوضاع الأسرة الفقيرة للحد من إرسال هذه الأسر أطفالها للعمل بحجة الفقر والحاجة. تضيف: "عندها سيكون سهلاً على الحكومات وضع تشريع لمحاسبة هذه الأسر". 
سابقاً، كانت ترتبط هذه الظاهرة، كما تقول أبو زنان لـ "العربي الجديد"، "بالتسرب من المدارس. أما اليوم، فقد اختلف الأمر بعدما جعلت وزارة التربية والتعليم شهر رمضان إجازة سنوية لتلاميذ المدارس، ما يدفع الكثير من الأطفال إلى العمل في الأسواق وعلى قارعة الطرقات". 
وتدعو أبو زنان المنظمات الحقوقية إلى استثمار اليوم العالمي لمكافحة عمل الطفل في 12 يونيو/ حزيران المقبل، وإلى تكثيف العمل لمحاربة هذه الظاهرة، قائلة: "خلال العام الماضي، كان عمل الجمعيات الحقوقية والناشطين لافتاً في إطار شجب عمالة الأطفال والدعوة للحد منها. ويجب على المنظمات التنبيه إلى أن عمالة الأطفال تزداد كثيراً، وخصوصاً خلال شهر رمضان". 

قضايا وناس
التحديثات الحية

وبمناسبة اليوم العالمي لمكافحة عمل الطفل العام الماضي، أصدرت 22 منظمة غير حكومية في ليبيا بياناً مشتركاً أعربت فيه عن قلقها من انتشار ظاهرة عمالة الأطفال في ليبيا، داعية الجهات المسؤولة إلى العمل، لأن مصلحة الأطفال فوق كل اعتبار، وتوفير البيئة والحماية المناسبتين لهم، وعدم حرمانهم حقوقهم الأساسية منها الصحة والتعليم والغذاء". 


 

المساهمون