ليبيون يستعدون لشهر الصيام رغم الصعوبات

03 ابريل 2022
ثمّة حركة في الأسواق الليبية قبيل شهر الصيام (عبد الله دومة/ فرانس برس)
+ الخط -

كما في كلّ عام، يستعدّ الليبيون لدخول شهر رمضان بالتسوّق لتأمين لوازمه المختلفة، إنمّا يُسجَّل اليوم تفاؤل كبير بموسم صيام مختلف عن مواسم الأعوام الماضية. وعلى الرغم من التفاؤل الذي تعبّر عنه أمّ نوار في خلال تبضّعها من سوق المهاري وسط العاصمة طرابلس، فإنّها لا تخفي انزعاجها من ارتفاع الأسعار غير المسبوق، مؤكدة أنّها لن تتمكّن من شراء كلّ ما تحتاجه.
وتقول أمّ نوار وهي أمّ لخمسة أطفال لـ"العربي الجديد" إنّ "الأسعار المشتعلة لم نلاحظها في السنوات الماضية، حتى في تلك التي عانت في خلالها البلاد حروباً متتالية"، لافتة إلى أنّ "الهدوء وغياب الرصاص والقنابل كانا ليعزّزا نكهة هذا الشهر المميّزة لولا أنّ الأسعار تقلقنا. فالمؤن ومستلزمات الطهي بمعظمها تضاعفت أسعارها نحو ثلاث مرّات هذا العام". لذلك ولأنّ السيولة النقدية شحيحة، قرّرت أمّ نوار "الاستغناء عن بعض المشتريات" التي تعودت على تزيين مطبخها بها لتمييزه في هذا الشهر، لكنّها مصمّمة على "الإبقاء على البهجة لخلق أجواء أسرية مناسبة لرمضان".

قضايا وناس
التحديثات الحية

وأمام ارتفاع الأسعار، قرّرت حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا إضافة مخصّصات مالية إلى رواتب المواطنين، كذلك قرّرت صرف منحة الزوجة والأبناء لكلّ الأسر الليبية، في خطوة نحو تخفيف الأعباء عن المواطن مع دخول شهر الصيام، لكنّ ذلك "غير كافٍ" بحسب أمّ نوار. بالنسبة إليها فإنّ "الإضافات إلى رواتب الموظفين تشجّع التجار على رفع الأسعار في كلّ مرّة".
والصعوبات التي تبرز أكثر في البلاد قبيل حلول شهر رمضان فتحدّ من فرحة أسر كثيرة، دفعت مؤسسات خيرية أهلية إلى الاستعداد بحملات جمع تبرّعات. هذا ما فعلته جمعية "توادد" الخيرية الأهلية، بحسب ما يقول العضو فيها محمود فرج الله لـ"العربي الجديد"، لافتاً إلى أنّ هذا النشاط تكرر للعام السابع. يضيف فرج الله: "أكسبتنا هذه الفترة الطويلة خبرة. وبما أنّ توحّش التجار عامل جديد هذا العام، فقد نظمنا حملة لجمع تبرّعات من ذوي الإحسان منذ ثلاثة أشهر، وأنشأنا لجنة للتواصل مع عدد من رجال الأعمال بالإضافة إلى صناديق الزكاة الحكومية، استعداداً لحملة تبرّعات بدأناها في بداية الأسبوع الجاري".

امرأة ليبية تشتري الزيتون قبيل شهر رمضان (محمود تركية/ فرانس برس)
من ضروريات رمضان رغم الغلاء (محمود تركية/ فرانس برس)

ويشرح فرج الله خطة عمل جمعيته لهذا العام، مشيراً إلى أنّها لن "تركّز كالأعوام الماضية على إقامة موائد الرحمن، بل سوف ينصبّ عملها على تقديم التبرّعات العينيّة مباشرة للأسر الفقيرة. ولدينا 34 أسرة مسجّلة في الجمعية وسوف نصرف لها إعانات مالية حتى تتمكّن هذه الأسر من شراء ما تريد. فهي أدرى بنواقصها". ويلفت إلى أنّ جمعيته وزّعت في العام الماضي على تلك الأسر سلالاً غذائية تحتوي على كميات من المواد الأساسية.
وفيما يلاحظ فرج الله اختفاءً نسبياً للنازحين، يؤكد أنّ "الأسر التي عادت إلى مساكنها تعاني من إرهاق مادي بسبب أعمال الصيانة التي أجرتها على منازلها". ويتابع: "نعدّ لقافلة تبرّعات سوف نسيّرها إلى مدينة تاورغاء التي ما زال أهلها يعانون الأمرَّين من جرّاء النزوح وتدمير بيوتهم". 
وعلى الرغم من كلّ الصعوبات، قرّر إبراهيم هبوشة أخذ إجازة من العمل ليتمكّن من السفر من طرابلس إلى الجنوب الليبي حيث مسقط رأسه، ليشارك إخوته أجواء شهر رمضان. ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ "تبدّل ظروف البلاد وعودتها إلى الهدوء بعد سنوات الحرب، جعل مواطنين كثيرين يخطّطون للتوقّف عن العمل في شهر رمضان. وهذه عادة معروفة منذ سنوات لدى الأسر التي تضطرّ إلى الإقامة في العاصمة والمدن الكبرى من أجل العمل في وظائف أو كتجّار". ويعبّر هبوشة عن تفاؤله بقضاء هذا الشهر في أجواء بعيدة عن ضغوط العمل وازدحام المدن الكبرى. 

بدورها، تعبّر زهراء عمار، مواطنة من تاجوراء، عن تفاؤلها لـ"العربي الجديد"، لافتة إلى أنّها وفّرت ما تستطيع توفيره من لوازم شهر الصيام بعد تنقّلها بين المحال التجارية على مدى أسبوعَين. وإن شاركت عمار غيرها من المواطنين الشكوى من غلاء الأسعار، إلا أنّها تصرّ على أنّ "بركة الصيام تساعد الصائمين على تجاوز كلّ الصعوبات". وتتحدّث عمار لـ"العربي الجديد" عن إعداد "أصناف من الحلوى المحلية مثل المقروض ولقمة القاضي والزلابيه والغريبة، وكذلك مأكولات أساسية تزيّن مائدة الإفطار كالمبطن والبراك ومحشوات الخضار"، مشيرة إلى أنّ وسائل الإعلام أثّرت بشكل كبير على المطبخ الليبي وخصوصيته، من خلال الأفكار الجديدة الخاصة بالأطباق والحلويات". من جهة أخرى، تؤكد عمار أنّ "مائدة رمضان هي نمط من أنماط ربط الأبناء بالأجداد. وهي ليست مائدة للأكل فقط، فعاداتنا سجلّ لتاريخنا".

المساهمون