تونس: تكيّف صعب لمرضى حساسية الغلوتين

تونس: تكيّف صعب لمرضى حساسية الغلوتين

09 فبراير 2022
مرضى حساسية الغلوتين لا يأكلون القمح (شاذلي بن إبراهيم/ Getty)
+ الخط -

"أبحث باستمرار عن وصفات لتحضير خبز يعوض ذلك المصنوع باستخدام دقيق القمح، وكذلك عن وجبات طعام لا تتطلب معجنات تتضمن القمح ولا تحتوي مكوناتها على مادة الغلوتين. أفعل هذا منذ اكتشفت إصابة ابني بمرض حساسية الغلوتين قبل نحو 6 سنوات، وأيقنت أنّ عليّ مراقبته ومنعه من أكل أي أغذية تحتوي على القمح داخل البيت أو خارجه، لأنّ هذا الأمر يسبب له آلاماً في بطنه، وقد يتسبب في احمرار جلده ويعرضه إلى إسهال معوي". هذا ما تنقله فاطمة لـ"العربي الجديد" عن أعراض الحساسية التي تصيب ابنها، وتضيف: "اكتشفت مرض ابني حين كان في الثالثة من عمره. لم أفهم سبب البقع الحمراء التي تظهر على كامل جسده كلّما أكل قطعة بسكويت، أو أي شيء مصنوع من القمح. وأنا لم أستوعب حتى التشخيص الطبي لحالته، ولا ما تعنيه حساسية أكل القمح، إذ كان الأمر جديداً بالنسبة لي".
يوضح رئيس الجمعية التونسية لمرضى حساسية الغلوتين، منجي بن حريز، لـ"العربي الجديد"، أنّ المرض غير جديد في تونس، إذ اكتشفت إصاباته منذ سنوات، لكن لم يحدد عدد مرضاه بدقة سابقاً بسبب عدم وجود هيكل يجمعهم. وحالياً تعتني جمعيتنا بمرضى حساسية الغلوتين، وتُصغي إلى هواجسهم وتحاول أن تتفهم احتياجاتهم. وقد يصل عددهم إلى 100 ألف، لكن الجمعية تعلم بوجود حوالى 30 ألفاً منهم".

الغلوتين مادة بروتينية غذائية موجودة في أنواع من الأطعمة، خصوصاً القمح والشعير وحبوب الشوفان. ويعاني بعض الأشخاص من حساسية تجاه هذه المواد، لأنّ جهاز المناعة لديهم يطلق ردود فعل ضد المادة التي تتسبب لهم بالتهابات في بطانة الأمعاء الدقيقة، لأنها لا تمتص الأغذية بصفة عادية. ويسبب استهلاك مواد تحتوي على الغلوتين بمضاعفات خطرة لهؤلاء المرضى، قد تبلغ حد إصابتهم بأمراض سرطانية. ومن علامات المرض، الإسهال المزمن وانتفاخ البطن وأمراض كبدية أو جلدية كظهور بقع حمراء.
وفيما يعتقد أشخاص كُثر بأنّ رفوف المواد الغذائية في المخازن الكبرى التي تحتوي على مواد خالية من السكر أو القمح أو المصنوعة من دقيق الأرز ليست إلّا مواد خاصة بمرضى السكري، أو أولئك الذين يتبعون حمية غذائية من أجل إنقاص الوزن، فإنّ بعضها مخصص أيضاً لمرضى حساسية الغلوتين الذين يبحثون عن مواد غذائية خالية من المادة.
وتعتبر أسعار غالبية هذه المواد باهظة، إذ قد يصل سعر كيلوغرام واحد من دقيق الأرز إلى نحو 3 دولارات، وسعر مواد مختلفة خالية من الغلوتين إلى 5 دولارات. ويعزو بن حريز سبب ارتفاع أسعار المواد الخالية من الغلوتين إلى استيرادها من الخارج، وعدم توفرها في كل المناطق خصوصاً القرى والأرياف، رغم أن المرضى يتوزعون في كل المناطق، ما يضطر أشخاصا كُثرا إلى تكبد مشقة التنقل إلى مدن بعيدة من أجل الحصول على هذه المواد الخاصة. ويكشف أنّ الدولة توفر مساعدات مالية للجمعية لإعانة العائلات في الحصول على مواد غذائية خاصة بحميتهم، لكنّها لا تصنّف المرض باعتباره مزمناً، وتدرجه ضمن نظام استرجاع المصاريف.

الصورة
أسعار مرتفعة لأغذية مرضى حساسية الغلوتين (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
أسعار مرتفعة لأغذية مرضى حساسية الغلوتين (فتحي بلعيد/ فرانس برس)

وقد تعمّقت أزمة هذه الفئة مع انتشار فيروس كورونا وفرض حظر تجول شامل في بعض الفترات، ومنع التنقل بين المحافظات لجلب المواد الغذائية الخاصة من متاجر كبيرة تتواجد في المدن. واضطر البعض إلى طلب الأغذية من مواقع الإنترنت التي تُؤمن توصيلها، لكنهم اضطروا إلى دفع تكاليف تتجاوز قدراتهم. ولجأ آخرون إلى اتباع حمية غذائية واستهلاك خضروات وأرز فقط. وتشير زهرة حفيظ التي تعاني من حساسية الغلوتين إلى أنّها تستهلك غالباً الخضار والأرز، "أما المواد الأخرى التي يجب أن تعوّض الغلوتين وتباع في المحلات بأسعار باهظة فلا أشتريها دائماً، علماً أنني لم أستطع العثور على أي مواد منها خلال فترة الحجر الصحي ومنع التنقل بين المدن". وتكشف أنّ "غالبية المرضى بحساسية الغلوتين يواجهون صعوبة وإحراجاً أحياناً في تناول مأكولات في المطاعم التي لا توفر أطباقاً لفئتهم".
وأسس مصابون كُثر بحساسية الغلوتين عانوا من مشاكل في الحصول على المواد الغذائية الخالية من الغلوتين، مشاريع صغيرة لإنتاج بعضها وتوفيرها لمن يحتاجونها. وإحداهم لمياء الشافعي التي توفر بعض هذه المواد، لا سيما الخبز والمعكرونة المصنوعة من دقيق الأرز وبعض الذرة، وتبيعها وتوزعها على الأشخاص غير القادرين على التنقل إلى المدن من أجل الحصول على احتياجاتهم. تقول لـ"العربي الجديد": "أحضّر المواد في بيتي، وأوفر خدمة توصيل بعض الطلبات، خصوصاً في المناطق الداخلية". وتشير إلى أنّ الأسعار مرتفعة مقارنة بتلك التي تُصنع من دقيق القمح، بسبب ارتفاع أسعار دقيق الأرز الذي قد يفقد أيضاً من الأسواق.

صحة
التحديثات الحية

ويبحث مرضى عن احتياجاتهم على مواقع التواصل، أو عن نصائح حول كيفية صنع خبز بدقيق الذرة أو الأرز، علماً أنّهم أنشأوا مجموعات لتبادل التجارب حول التعايش مع هذا المرض، ومشاركة المعلومات الخاصة به.

المساهمون