تعاضد اجتماعي... حملات شعبية متبادلة بين الأتراك والسوريين

تعاضد اجتماعي... حملات شعبية متبادلة بين الأتراك والسوريين

26 اغسطس 2021
مسنّة تركية تطعم طفلاً سورياً في أنقرة (توناهان تورهان/ Getty)
+ الخط -

ترى الباحثة في جامعة محمد الفاتح بإسطنبول، عائشة نور، أن الشعبين التركي والسوري "سبقا الأحزاب وأفشلا خطط التحريض السياسي، عبر إحباط الحملات العنصرية والدعوات لطرد السوريين التي قادتها بعض أحزاب المعارضة التركية، خصوصاً بعد أحداث مهاجمة أتراك في حي ألتنداغ بالعاصمة أنقرة في أغسطس/ آب الجاري أماكن يقطنها سوريون رداً على قتل سوري شاباً تركياً يدعى أميرهان يالجن (18 عاماً)". وتؤكد نور في حديثها لـ"العربي الجديد" أن "ردود الفعل الأهم على الجريمة كانت التعاضد والوعي حتى من قبل والد القتيل الذي تبنى موقف المسامحة، في حين أجمعت الغالبية الشعبية التركية التي تعاملت مع مجموعة من الهاشتاغ بعناوين متناقضة نادت بعضها بأنه لا مكان لكم (السوريين) في هذا البلد، أو ليرحل السوريون عنا"، في مقابل أخرى دعت إلى "عدم لمس أخي، وأوقفوا الهجمات العنصرية ضد اللاجئين والمهاجرين"، على أن القصاص في نهاية المطاف يكون من الجاني وحده، و"أن السوريين أخوة للأتراك، في وقت يشهد بلدهم إحدى أكبر المآسي في العصر الحديث، لذا لا يجوز الحشد لطردهم". وتشير نور إلى أنه "من حالات المقارنة وزيادة الوعي الشعبي، رفض شرائح تركية واسعة الحملة ضد اللاجئين السوريين، وتشديدها عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبلغات عدة بأن لا مكان للكراهية أو العنصرية في البلاد، مذكرة بالحملات التي ينفذها بعض الألمان ضد الأتراك بعنوان عودوا إلى بلادكم". وتشدد على أن "هؤلاء الأتراك الذين يرفضون التحريض والعنصرية في ألمانيا، لا يقبلون وجودهما أو ممارستهما في بلدهم". وتعتبر نور أن خطاب السوريين المتغيّر صدم بعض الأتراك بالحقائق. فهم استخدموا للمرة الأولى لهجة المجتمع التركي ذاتها واعتمدوا معه طريقة يفهمها، في حين دأبوا سابقاً على استخدام اللغة العربية للتحدث إليه خلال الأحداث وحتى جرائم القتل، ولجأوا إلى عبارات تعبوية زادت احتقان بعض الأتراك ضدهم، بينها أنهم قاتلوا مع العثمانيين، وأن لا فضل للدولة التركية عليهم كونهم بحسب قولهم يأخذون مساعدات من المجتمع الدولي. كما حمًلت بعض الرسائل السابقة للسوريين الدولة التركية مسؤولية تدهور الأوضاع في سورية، وهو ما استندت إليه بعض أحزاب المعارضة في تركيا لإطلاق حملات مضادة، إلى جانب العزف على وتر البطالة والفقر، ومساهمة السوريين فيهما.

فيديوهات لـ "الأخوة البشرية"
في خضم أحداث أنقرة الأخيرة، راودت الطفلة السورية شام الأطرش، بعدما لاحظت الحشد ضد السوريين على مواقع الإنترنت، فكرة تنفيذ تسجيلات صوتية لأبيات شعر وجهها الشاعر التركي ناظم حكمت لأصدقائه الشعراء في آسيا وأفريقيا، باعتبارها "تحاكي الأحداث وتوجه رسائل غير مباشرة لضمائر الناس وإنسانيتهم"، كما أبلغت والدها الشاعر ياسر الأطرش.
تقول شام لـ"العربي الجديد": "أضفت لبعض أبيات الشعر الخاصة بحكمت جملاً مثل لم نخلق لنتحارب بل لنعيش كأخوة، في محاولة لربط الشعر الإنساني بالأخوة البشرية. وقد وصلت إلي ردود فعل إيجابية كثيرة، خصوصاً من أصدقائي الأتراك الذين أسعدني دعمهم لحملتي". من جهته، يوضح ياسر والد شام، أن ابنته تملك موهبة وبراعة في الإلقاء. ويقول: استفدنا من إجادتها اللغة التركية، وهي اللغة الأم التي درستها منذ الحضانة لتنفيذ الفكرة بهدف الاستثمار في العناصر الإنسانية، وبراءة طفولتها، من أجل دفع العنصرية ونبذها. يتابع: "فوجئت بإضافة شام مقطعاً ألفته عكس دقتها في التعبير عن الغاية المنشودة، وإيصال معنى الرسالة الموجهة، والتي تنسجم مع الثقافة والقيم التركية والإنسانية. وأعتقد بأن عدم تسميتنا شخصاً أو حزباً أو شخصية بعينها شكل عاملاً مهماً جداً في إيصال فحوى الرسالة إلى أكبر شريحة من الرأي العام. ونحن نتطلع إلى انتصار الحق والإنسانية والمظلومين، ولا نرى طريقاً لتحقيق ذلك إلا عبر القانون والنظام والمحبة". وفي ما يتعلق بزيادة تأثر الرسالة بتوجيه طفلة لها باللغة التركية، يؤكد ياسر "أهمية ربط براءة الأطفال بدعوات الخير ورفع مستوى القيم الإنسانية وإبراز قضاياها العادلة"، محذراً من "توريطهم في السياسة وبشاعاتها، وتحميلهم مواقف غير مناسبة لعمرهم قد تتسبب في مشكلات تؤثر على مستقبلهم، وتقود آباءهم إلى المثول أمام محاكم".

الصورة
ينقل غذاءً لسوري في أنقرة (توناهان تورهان/ Getty)
ينقل غذاءً لسوري في أنقرة (توناهان تورهان/ Getty)

أتراك ينبذون الفتنة
إلى ذلك، توالت ردود الفعل التركية المناهضة للعنصرية ولدعوات طرد السوريين. ونشرت الشابة لينا فيديو على موقع "إنستغرام" خاطبت فيه السوريين إثر أحداث أنقرة قائلة: "لستم وحدكم. نحن نحبكم. أنتم إخوتنا وستبقون كذلك إلى الأبد".
ولفتت إلى أن "وسائل إعلام تركية تحاول تأجيج الشعب ضد العرب واللاجئين"، متمنية عدم انجرار الأتراك وراء هذه الحملات وأصحاب الأجندات السياسية، مع مطالبتها السوريين "بغض النظر وعدم الحكم على الأتراك من خلال مجموعة صغيرة تحاول زرع الفتنة".
ومع تزايد حملات التحريض على السوريين إثر أحداث أنقرة، نشر شباب أتراك كُثر تسجيلات مصوّرة استهدفت تصويب مغالطات كثيرة تعتمد عليها أحزاب معارضة في تأجيج مشاعر الأتراك ضد السوريين. وأوضح أحدهم في شريط حقيقة مقولة إن "السوريين يتقاضون أجوراً من الدولة التركية، أو يدخلون الجامعة بلا إجراء اختبارات"، وأكد أنه يعيش مع سوريين في مدينة إسطنبول يزاولون أعمالاً صعبة جداً لا يرضى الأتراك بالعمل فيها، ويدفعون الإيجارات والضرائب.
وتطرق الشاب التركي إلى استثمارات السوريين في تركيا، والآثار السلبية التي قد تحدث إذا عاد السوريون إلى بلدهم، وسأل: "هل تعلمون ماذا سيحدث للصناعة لو أخرجتم السوريين؟ أعرف رجال أعمال كُثراً قدموا من سورية واستثمروا هنا. كلهم يدفعون الضرائب، وإذا رحلوا سيبقى عدد كبير من الأتراك بلا عمل".

الصورة
شعارات على محلات يملكها سوريون في أنقرة (توناهان تورهان/ Getty)
شعارات على محلات يملكها سوريون في أنقرة (توناهان تورهان/ Getty)

مع "التعامل الإنساني"
وفيما لم تقتصر حملات مناصرة السوريين وكشف الحقائق للمجتمع التركي، بعد أحداث أنقرة، على تسجيلات مصوّرة ومبادرات شخصية، اعتبرت الدعوة التي أطلقت على موقع "تويتر" بوسم "لا تلمس أخي" الأكثر حضوراً وتأثيراً، خصوصاً أنها ترافقت مع اقتراح شباب أتراك تنظيم تظاهرة لإنصاف السوريين. ووقفت جمعيتا "الحرية" و"أوزغور در" للحرية الفكرية والتعليم خلف حملة (لا تلمس أخي) للتضامن مع السوريين المقيمين في تركيا، والاحتجاج على الاعتداءات المتكّررة ضدهم عبر التظاهر في حديقة "سارج خانة" بمنطقة الفاتح الأسبوع الماضي. ويصرح الشاب حسان آكيول لـ "العربي الجديد": "ركزنا في حملة لا تلمس أخي، على ضرورة تجنب الإساءة لجميع السوريين في حال ارتكب أحدهم ذنباً أو جريمة، والدعوة إلى التسامح، خصوصاً بعد إحالة جريمة القتل إلى القضاء، وإعلان والد القتيل قرار مسامحته القاتل، ودعوته علناً إلى عدم الإساءة للسوريين، ورفض الاستجابة للتحريض ضدهم وإلحاق أذى بهم عبر التعدي عليهم وعلى ممتلكاتهم في أنقرة". ويرى آكيول أن "حملة لا تلمس أخي مهمة لأنها توضح حقائق غائبة عن معظم المجتمع التركي. ونحن لا نبغي تحدي بعضنا البعض بكلمة لا تلمس، بل نروّج لفهم الموضوع والتعامل الإنساني معه وفق عادات الأتراك وتقاليدهم. ووجود سوريين يجيدون اللغة التركية زاد التأثير الإيجابي للحملة". ويشير إلى أن "هذه الحملة وغيرها التي ظهرت بعد أحداث أنقرة ليست جديدة،  فأتراك كُثر يناصرون السوريين وجميع اللاجئين في بلدنا. وسبق أن نظمت جمعية أوزغور در احتجاجات قبل أعوام، بعد تلويح رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشيدار أوغلو بطرد السوريين".

أنقرة والتوضيحات
يرى الأستاذ في جامعة ابن خلدون بإسطنبول، برهان كور أوغلو، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن حملة" لا تلمس أخي" وغيرها "مهمة جداً لكشف المغالطات وتكريس المعاملة الإنسانية، لأن خطاب الكراهية غير مقبول ولا يليق بالشعب التركي". لكنه يستدرك بأن "الحملات وملحقاتها الإعلانية ونشاطاتها التي تشمل عقد لقاءات بين سوريين وأتراك لا تكفي، إذ يجب أن توضح الحكومة التركية وضع السوريين الذين تصفهم أحياناً بأنهم ضيوف، وأحياناً أخرى بأنهم يخضعون لقانون الحماية المؤقتة. فهذا لا ينمي خطاب الكراهية ضدهم فقط، بل ينال من حقوقهم، ويزيد غموض وضبابية مستقبلهم في تركيا".
ويلفت إلى أن "أحداث أنقرة والاعتداءات التي تلتها على ممتلكات سوريين في مقابل ظهور حملات مؤيدة للسوريين، نبهت الحكومة إلى حتمية تغيير طريقة التعاطي الرسمي معهم، وتوضيح مسائل مختلطة، وبينها احتمال هجرة أفغان إلى تركيا، علماً أنه لا بدّ من رفض الحملات غير الأخلاقية، فإرسال المهاجرين إلى بلادهم كلام مرفوض وضد حقوق الإنسان".
ويعتبر الحقوقي السوري محروس فؤاد في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "وجود السوريين في تركيا لا يخضع لقانون ومصير واضحين. فحصر إجراءات الدولة بالحماية المؤقتة الممنوحة إليهم بعد نحو عشر سنوات من دخولهم البلاد أمر غير مبرر، ويمنح المعارضة أعذاراً مستمرة لاستخدام السوريين ورقة قبل كل استحقاق سياسي".

ولا ينكر فؤاد بعض السلوكيات الخاطئة لسوريين في تركيا، مشيراً إلى أن "عددهم 3.6 ملايين وينتمون إلى شرائح ومستويات مختلفة، ويعاني كُثر منهم من ظروف سيئة، لكن مواطنين أتراكا ارتكبوا أيضاً جرائم ضد سوريين وسوريات، من دون أن تدمغ تداعياتها المجتمع التركي كله. من هنا يتمثل الحل في توضيح وضع السوريين بتركيا، وعدم الاستمرار بذهنية الضيافة والأنصار"، مشيداً في الوقت ذاته "بما فعلته تركيا للسوريين ومواصلتها تقديم التعليم والصحة مجاناً لهم، وتحملها أكثر من أي دولة في العالم أعباء استقبالهم كلاجئين".

المساهمون