المحسوبية في تونس... محاباة في الحصول على لقاحات كورونا

المحسوبية في تونس... محاباة في الحصول على لقاحات كورونا

12 مايو 2021
تكرار المخالفات في حملة التلقيح التونسية (فتحي بليد/ فرانس برس)
+ الخط -

تلقّت مضيفة طيران، وناشطة على مواقع التواصل الاجتماعي، لقاح كورونا، في شهر مارس/آذار الماضي، رغم أنّ شروط تلقي اللقاح لا تنطبق عليهما، وفتحت وزارة الصحة التونسية تحقيقًا بعد التثبّت عبر بطاقتي هويتيهما أنّهما مسجلتان بوظيفة "تقني سامي" في الصيدلة.
وقبل أيام، تقدمت نائبة عن حركة النهضة، باعتذار علني عن تلقّيها الجرعة الأولى من لقاح كورونا من دون وجه حق، وفي تجاوز لأولويات خطة التلقيح. وقالت النائبة أروى بن عباس: "أقرّ بأنّ ما حصل كان خطأ ناتجاً عن سوء تقدير منّي. وأعتذر عنه". وقالت حركة النهضة في بيان إنّها "تعتبر أن ما قامت به النائبة خطأ، رغم تقديرها للاعتبارات الصحية التي دفعتها إلى هذا التصرف".
وقال القيادي في حركة النهضة، رفيق عبد السلام، إن النائبة "ارتكبت خطأ بمعايير الشفافية واحترام القانون، ولكن يجب لفت الانتباه إلى أن لها وضعاً صحياً خاصاً، فضلاً عن كونها فاقت الستين من العمر. عدم التزامها بالإجراءات المتبعة في التلقيح هو خرق واضح للقانون، ولكن يجب ألا نقسو عليها أكثر من اللزوم، ويجب عدم التردد في الاعتذار، ومصارحة الشعب بما جرى".
وتلقّت النائبة في البرلمان الجرعة الأولى من اللقاح بطريقة سرية، ومن دون احترام الإجراءات التي وضعتها السلطات، علماً أن شرط السن للتلقيح في المرحلة الأولى هو تجاوز الستين سنة.
وتزامنت السخرية مع الغضب في تلك الواقعة، إذ إن النائبة التي تجاوزت الإجراءات القانونية، عضو في اللجنة البرلمانية المكلفة بالإصلاح الإداري والحوكمة الرشيدة ومكافحة فساد القانون والإجراءات.
وفي وقت لاحق، تم الكشف عن تلقّي ثلاثة موظفين لدى مستشار في رئاسة الحكومة اللقاح، رغم أنهم لا ينتمون للفئات ذات الأولوية، وأعمارهم لم تتجاوز الـ30 سنة.
وقالت النائبة في البرلمان، ليلى حداد، إن الحكومة "قامت بالسطو على كمية من اللقاحات، تقدّر بستين ألف جرعة مخصصة لشريحة من المواطنين أعمارهم بين سبعين وخمسة وسبعين عاما، وقامت بتلقيح أعضاء ديوانها، ومستشاريها، ووزرائها"، مضيفة: "لا يكفي أنها حكومة فاشلة، فهي بلا أخلاق".

وتحوّل الأمر إلى مسلسل من تكرار الكشف عن الخروقات، مما أثار امتعاضاً كبيراً لدى التونسيين، وظهر ذلك واضحاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، التي غصت بانتقادات للفساد الذي يشوب العملية، ويحرم العديد من الأشخاص من حقهم في التلقيح. وانتشرت عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي العديد من الشكاوى التي تفيد بعدم تلقيح كبار السن المدرجين ضمن الأولوية، واتهامات لحملة التلقيح بالفساد والمحاباة والمحسوبية.
تجدر الإشارة إلى أن تونس تسلّمت 93 ألفا و600 جرعة لقاح، ضمن أوّل دفعة في إطار مبادرة ''كوفاكس'' التي تشرف عليها منظمة الصحة العالمية، كما تلقّت هبة من الصين، تمثّلت في 200 ألف جرعة من لقاح ''سينوفارم''. ودشنت وزارة الصحة منظومة إلكترونية لتسجيل المعنيين باللقاح وفق استراتيجية أولويات معلنة، تبدأ بالعاملين في القطاع الصحي، ثم من تفوق أعمارهم الـ75 سنة، ويليهم من هم فوق الستين، ثم أصحاب الأمراض المزمنة، قبل أن تشمل عملية التلقيح الأشخاص الآخرين.
وذاعت، في مطلع مارس/آذار، قضية أثارت غضب الرأي العام، حول تلقي رئاسة الجمهورية جرعات لقاح من الإمارات، من دون أنّ تعلن ذلك، لتثار تساؤلات واسعة حول مآل تلك اللقاحات، وسبب عدم منحها لوزارة الصحة. ودعت منظمة "أنا يقظ" (غير حكومية)، رئاسة الجمهورية إلى تقديم توضيحات للرأي العام، ونبهت رئيس الدولة كونه من "يسهر على احترام الدستور"، إلى خطورة أن تنخرط مؤسسة الرئاسة في ممارسات تخرق مبدأ المساواة الوارد في الدستور، و"ضرورة احترام مبدأ الأولوية، وتقديم اللقاح حسب الاستراتيجية الوطنية للتلقيح".

حملة التلقيح بطيئة في تونس (فتحي بليد/فرانس برس)
حملة التلقيح بطيئة في تونس (فتحي بليد/ فرانس برس)

وعلى إثر الجدل الكبير الذي أثاره المجتمع المدني، أصدرت الرئاسة بياناً، أوضحت فيه أنّها "تلقت بالفعل 500 جرعة لقاح مضاد لفيروس كورونا، بمبادرة من دولة الإمارات، وأنه تمّ بأمر من رئيس الجمهورية، قيس سعيد، تسليم هذه الجرعات إلى الإدارة العامة للصحة العسكرية"، موضحة أنه "لم يتم تطعيم أيّ كان، لا من رئاسة الجمهورية، ولا من غيرها من الإدارات، وذلك في انتظار مزيد من التثبت من نجاعة اللقاح، وترتيب أولويات الاستفادة منه".
وأشارت "أنا يقظ" المهتمة بمكافحة الفساد، إلى أنّها راسلت وزارة الصحة، في منتصف فبراير/شباط الماضي، وطالبتها بإتاحة المشاركة في مراقبة حملة التلقيح ضد فيروس كورونا في مختلف مراكز التلقيح، والانضمام إلى لجنة القيادة المفترض أن تضم ممثلين عن المجتمع المدني، فضلاً عن أهمية نشر استراتيجية التلقيح للعموم، وباللغة العربية، حتى يتسنى للمواطنين معرفة ترتيبهم ضمن سلم الأولويات.
وقال عبد الحميد، وهو أحد العاملين في حملة التلقيح، والذي طلب ذكر اسمه الأول فقط، لـ"العربي الجديد" إنّ "العديد من الأشخاص يتوافدون على مراكز التلقيح من دون التسجيل في المنصة الإلكترونية المخصصة للتسجيل، وهذا أمر لا يجب أن يحصل، لا سيما وأنّ الوزارة قد حددّت الأولويات"، مضيفاً أنّ "وزارة الصحة تعمل على عدم حصول أيّة تجاوزات خلال عملية التلقيح، وفتحت تحقيقات في كلّ التجاوزات التي تمّ تسجيلها، خصوصا في ما يتعلّق بتلقيح بعض المسؤولين الحكوميين ممن لا تتوفر لديهم الشروط".

ولفتت منظمة "أنا يقظ" إلى أن "نصف التلاقيح التي تسلمتها تونس كهبة من الصين، في 25 مارس/آذار، لم توضع على ذمة وزارة الصحة، ويتم التصرف فيها بشكل اعتباطي من دون أي ضوابط، ومن دون احتسابها في المنظومة، ما يعني أن العدد الإجمالي للقاحات الذي تنشره وزارة الصحة بشكل يومي ليس دقيقًا. كما تم توجيه 10 آلاف جرعة لأعوان الأمن الرئاسي من الهبة الصينية، في حين أن عددهم تقريباً 3000 عون فقط، ولا يعرف مصير الـ4000 جرعة المتبقية، إذا احتسبنا أن كل عون سيتم تطعيمه بجرعتين، وأيضا تم توجيه 40 ألف جرعة للأمنيين العاملين بوزارة الداخلية".
وتندد "أنا يقظ" بهذا التوزيع العشوائي والاعتباطي للقاحات الهبة الصينية، والتي لا يتم فيها احترام ضوابط الشفافية والأولويات المنصوص عليها في الاستراتيجية الوطنية للتلقيح.