إعادة إعمار بيروت... هبات ومساعدات وسط مخاوف غياب الشفافية

إعادة إعمار بيروت... هبات ومساعدات وسط مخاوف غياب الشفافية

10 مايو 2021
الكثير من عروض إعادة الإعمار مشروطة بالإصلاح (حسين بيضون)
+ الخط -

يُسطَّر في تاريخ لبنان جدول حافل بالهبات والمساعدات في سبيل إعادة إعمار ما دمّرته الحروب والصراعات والجولات القتالية والاغتيالات، أضيف إليه انفجار مرفأ بيروت يوم الرابع من أغسطس/آب 2020؛ أحد أكبر التفجيرات غير النووية عبر التاريخ، والذي راح ضحيّته أكثر من 200 قتيل، وما يزيد عن 6500 جريح وحول العاصمة إلى مدينة منكوبة.

وتعدّدت التقارير المحلية والدولية حول قيمة الأضرار المادية التي قُدِّرت بمليارات الدولارات، وحدها تكلفة إعادة اعمار مرفأ بيروت بحسب تقرير لمصرف "غولدمان ساكس" تتراوح بين 3 مليارات دولار إلى 5 مليارات، في حين توالت المساعدات الخارجية العينية لا المالية بشكل أساسي ولا سيما على الصعيد الإنساني، الطارئ، والتربوي والغذائي والصحي والثقافي للجمعيات الأهلية والمدنية والمواطنين.

وغاب الدعم المالي المباشر لإعادة الإعمار الذي رُبِط بتشكيل حكومة جديدة تحمل برنامجاً إصلاحياً لمكافحة الهدر والفساد وإنفاق الأموال بشفافية، وهو ما عبَّر عنه صراحةً الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، يوم زار لبنان بعد الانفجار في أغسطس 2020 بقوله "لن نعطي المسؤولين اللبنانيين شيكاً على بياض".

يقول المحامي في مجموعة "الشعب يريد إصلاح النظام"، جاد طعمة، لـ"العربي الجديد" إن باريس استضافت مؤتمراً لدعم لبنان في 2 كانون الأول/ديسمبر 2020 شارك فيه 32 بلداً و12 منظمة دولية و7 منظمات من المجتمع المدني اللبناني، وحصد 298 مليون دولار، تم إرسال 161 مليون دولار من ضمنها عبر الأمم المتحدة ضمن آليات وإجراءات وضعتها، وجرى إرسال 124 مليون دولار إلى منظمات غير حكومية، وعلى الجهات المانحة التدقيق والمتابعة لمعرفة مسار صرفها.

ويضيف طعمة، أطلق أيضاً الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي والأمم المتحدة خطة عرفت بـ"التعافي والإصلاح وإعادة الإعمار" لمدة 18 شهراً، في إطار مؤتمر قدّرت فيه احتياجات التعافي بـ426 مليون دولار خلال السنة الأولى، لكن شرط قيام الدولة اللبنانية بإصلاحات على مستوى نظامها المالي والشفافية في المناقصات.

بيد أن إجراءات المصارف وآليات الصرف التي أرادت اعتمادها بأخذ الدولارات وإعطاء المساعدات النقدية التي تصل وفق سعر الصرف المعتمد عبر المنصة إلى 3900 ليرة لبنانية، في وقت يتخطى فيه الدولار الـ12 ألفا في السوق السوداء، رفعت صرخة الناس الذين سيفقدون بهذه الطريقة بحدود 75% وأكثر من قيمة الهبات والمساعدات، وقتها طرح كذلك سعر صرف إنساني، لكن لم يؤخذ بالاعتبار وهو ما رفع الزخم عن المؤتمر وأفقده قوته.

وتبعاً للبنك الدولي، يلفت طعمة إلى أن الأضرار قدرت بمبلغ يتراوح بين 6.7 مليارات دولار و8.1 مليارات، في حين يحتاج قطاع الإعمار إلى ما بين 1.8 مليار إلى 2.2 مليار لتعويض قيمة المباني التي تهدّمت.

ويشير طعمة إلى أن التوجّس دائماً موجود بالتدخل الخارجي بالشأن الداخلي اللبناني والسيطرة على القرار السياسي أو الهيمنة عليه، ولكن وضع لبنان يحتم عليه الحصول على الدعم، وإبداء الاستعداد للمساعدات والهبات، ولكن الأمر لا يحصل بسبب سمعة الفساد في البلاد المهيمنة والتي دفعت بالمجتمع الدولي إلى تعليق أي دعم مالي وخرق عزلة لبنان في الوقت نفسه، لكن بمساعدات لدواعٍ إنسانية طارئة فقط، مشدداً على أن مصير هذه المؤتمرات هو كمصير مؤتمر سيدر الذي خصص لدعم الاقتصاد اللبناني عام 2018 بـ11 مليار دولار، ولم يسلك طريق التنفيذ نتيجة الفساد وغياب الشفافية.

ويقول محافظ بيروت القاضي مروان عبود لـ"العربي الجديد" إنّ كل الهبات والمساعدات الخارجية استلمتها الجمعيات الأهلية المدنية التي تتواصل مباشرة مع الجهات المانحة والمموِّلين، وعملت على إنفاقها بإشراف الجيش اللبناني والهيئة العليا للإغاثة التي قامت بتحويل الأموال إليه، ومتابعة مساعدات المنظمات التي تأتي من الخارج.

ويلفت المحافظ إلى أنّ حوالى 40 في المائة من المباني الكبيرة والضخمة التي تعود بغالبيتها لمؤسسات وشركات ما تزال تحتاج إلى صيانة أو إعادة تأهيل وترميم، والتأخير مرتبط بالكلفة العالية للعملية وأسباب لها علاقة بالتأمينات، في حين انتهى تقريباً العمل في المباني الصغيرة داخل الأحياء والمساكن الصغيرة والمتوسطة.

ووزَّع الجيش اللبناني مبالغ مالية في إطار سلفة خزينة على الأشخاص الذين تضرّرت منازلهم بهدف إصلاحها والعودة إلى السكن فيها، وطاولت بالدرجة الأولى الوحدات السكنية الواقعة ضمن المناطق الأقرب إلى مكان الانفجار، وللأضرار الأكثر إلحاحاً التي تجعل من المنزل غير قابل للعيش داخله.

ويقول مصدر مطلع على الأعمال والمشاريع في بلدية بيروت لـ"العربي الجديد" إنّ النسبة الأكبر من المساعدات، التي قدّمتها المؤسسات الدولية عبر المراجع المعنية والجمعيات في سبيل إعادة التدعيم والتأهيل والإصلاح والصيانة والترميم، طاولت المباني الأثرية، المنشآت التعليمية، والمستشفيات، وكبلدية لزمت أشغالاً شملت المباني التي تشكل خطراً على السلامة العامة والمهددة بالسقوط.

ويلفت المصدر إلى أن جمعيات ومنظمات دولية ساهمت في تمويل المشاريع منها "يونيسيف"، الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، ودول أخرى دخلت على الخط منها ألمانيا، الصين، روسيا وفرنسا وغيرها.

ويشير في المقابل إلى أنّ اهتمام الدول يرتبط بشكل أساسي بمساعدة الشعب اللبناني، وفي الوقت نفسه لغايات خاصة سياسية واقتصادية بكل دولة في سبيل توسيع النفوذ، أو للاستفادة على صعيد ملف النفط والغاز لما يشكله مرفأ بيروت تحديداً من أهمية في هذا المجال، وهو ما يدفع بعض الدول للانكباب على إعادة إعماره وتأهيله.

بدوره، يقول المدير التنفيذي للجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية – لا فساد، جوليان كورسون، لـ"العربي الجديد" إن دولاً كثيرة تتأهب دائماً لمساعدة لبنان خصوصاً دول الخليج، السعودية والكويت وقطر، إضافة إلى الأردن ومصر وغيرها، والدول الأوروبية التي تلعب دوراً أساسياً في تمويل أعمال الإغاثة وتلبية الحاجات الأولية، وآخرها إبّان انفجار المرفأ، ولا سيما مثلاً بريطانيا، فرنسا، إيطاليا، الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا.

ويرى كورسون أنّ الشفافية مطلوبة، ويجب أن تكون مرتبطة بكل المساعدات، لكن في لبنان هذه نقطة ضعف أساسية واضحة، إذ للأسف الغموض دائماً ما يلتف حول كل الهبات والمساعدات التي تأتي من الخارج، ويصعب معرفة ما إذا كانت تصل بشكل صحيح إلى الأفراد المستفيدين منها والفئات المشمولة بها.

ويعتبر المتحدث نفسه أن هذا الأمر يؤثر على طريقة تعاطي الدول مع لبنان، خصوصاً أن الدعم النقدي المالي بشكل خاص لا يمكن أن يحرّر بسهولة إلى الدولة اللبنانية، حيث إنه بطبيعة الحال يأتي من دافعي الرسوم والضرائب في تلك الدول وهم يحرصون على متابعة أموالهم، أين وكيف تصرف، ما يحتم على الدول المانحة وضع شروط مشددة.

المساهمون