الفقر والتهميش مصير سكان القامشلي

الفقر والتهميش مصير سكان القامشلي

29 يونيو 2021
امرأة تبتاع الخبز في القامشلي (دليل سليمان/ فرانس برس)
+ الخط -

منذ عشرات السنوات، يعيش سكان الأحياء القديمة في مدينة القامشلي بمحافظة الحسكة شمال شرقي سورية تحت وطأة فقدان الخدمات. النظام السوري همّش مطالبهم قبل عام 2011، واليوم أيضاً لا تلقى هذه المطالب أي إصغاء من إدارات قوات سورية الديمقراطية (قسد) التي تسيطر على المدينة، وتظل الأوراق التي يعرض فيها السكان احتياجاتهم على هيئات الإدارة الذاتية التي تسيطر على معظم أحياء المدينة منسية في الأدراج.
يعيش سكان حي الهلالية، الأقدم في القامشلي، قرب مكب نفايات، في ظاهرة تشكل واحدة من عشرات المشكلات التي يواجهها أبناء المدينة. يقول أحدهم ويدعى أحمد الخليل لـ "العربي الجديد: "أعمل في مجلس الناحية على تنفيذ واجبات بسيطة، لأننا لا نملك معدات وإمكانات كافية لخدمة المواطنين، في حين يجب أن نعمل جميعاً لبناء المدينة. وفي مجال البنية التحتية نصلح الطرقات ونرقعها أو نسويها ونردم الحفر فيها، وذلك حسب المتاح". يضيف: "في حال توافر المازوت، نرش المنازل بمبيدات حشرات. ونحن نطلب من الجهات المعنية أو المنظمات العالمية أن تساعدنا. أما بالنسبة إلى موضوع خدمات الكهرباء فهذا أمر خارج طاقتنا، لأن سورية كلها تعاني من نقص في الكهرباء والمياه".

من جهته، يخبر عبد الكريم حسين "العربي الجديد" أن "الأحياء القديمة في مدينة القامشلي هي حلكو والعنترية وقناة السويس وجرنك والهلالية وقدور بيك. وجميعها معدمة تعاني من الفقر والجوع وفقدان المياه والكهرباء، ما يجعلها مهمّشة إلى أقصى الحدود". ويقول الرجل الخمسيني: "نأمل في الحصول على مساعدة لتوفير الكهرباء والمياه، علماً أن سعر أمبيرات الكهرباء مرتفع جداّ. وفي حي قدور بيك تحديداً لا يوجد خبز، في ظل سرقة الطحين من الأفران وبيعه بلا مراقبة. وأعتقد بأنه إذا فتحت الحدود لن يبقى أحد في أحياء القامشلي، لذا نطالب الإدارة الذاتية بأن تساعدنا إذا كانت لديهم رحمة فنحن نفقد الغاز والبنزين، وعدنا إلى استخدام البابور، أي إلى الحياة القديمة، وليست لدينا وسائل نقل إلا الدراجات الهوائية". يتابع: "المياه تختلط بالصرف الصحي وتصل إلى المنازل متسخة دائماً. ونحن نبلغ الجهات المسؤولة بذلك، لكن لا أحد يهتم. أما الكهرباء فلا تتوفر أبداً، والمولدات معطلة دائماً، ولا تزود بوقود بشكل دائم".

بيوت من تراب وطين
يلفت المواطن عيسى المحمود، في حديثه لـ "العربي الجديد"، إلى أن النظام السوري اضطهد سكان الأحياء القديمة قبل الثورة، ومنعهم حتى من وضع ألواح صفيح فوق منازلهم. وذلك يتكرر حالياً، إذ تفرض الإدارة نيل رخص بناء مكلفة، ما يجعلنا نبني بيوتنا من تراب وطين فتنتشر العقارب فيها. أما الكلاب فتتجول في الأحياء بشكل مروع، وعددها يفوق البشر في الشوارع، ولا أحد يكترث بذلك، وبأن الحياة هنا متعبة ومرهقة وتعيسة". يتابع: "اعتاد جاري النوم على سطح منزله فتعرض للدغة عقرب. ورغم تكرار هذه الحوادث المؤسفة، لم يزر أي مسؤول الأحياء للاطلاع على أوضاع الناس فيها. والحشرات والأفاعي منتشرة، إضافة إلى مرض الجرب".

الصورة
يتنقلان على دراجة هوائية في القامشلي (دليل سليمان/ فرانس برس)
يتنقلان على دراجة هوائية في القامشلي (دليل سليمان/ فرانس برس)

في حي حلكو، يعاني السكان من مشكلات في الصرف الصحي. يوضح جميل الحسين لـ "العربي الجديد": "في الشتاء تفيض علينا مياه المجاري، علماً أننا أبلغنا البلدية بضرورة سحب المياه وإيجاد حل، وقالت لنا يجب أن نقدم شكوى لحل المشكلة، وهو ما حصل من دون جدوى. البلدية التابعة للإدارة الذاتية مسؤولة عن الحي، وإذا لم تقم بتصليحات هذا الصيف ستبقى المعاناة ذاتها، ولن يتغير شيء طالما لا يتم التعامل مع الأمر بجدية، ولا أحد يستجيب إلى شكاوانا".

حشرات وكلاب جامحة
يقول جاسم أبو زيد، أحد سكان حي حلكو أيضاً، لـ "العربي الجديد": "أعيش منذ أكثر من 35 سنة في هذا الحي الذي لا تتوافر فيه أية خدمات، وشوارعه غير معبّدة، وبالكاد تصل الكهرباء والماء إليه، لكننا نرجو أن توفر الإدارة الذاتية حلولاً للمشكلات، في حين نعتمد على جهودنا وننفق من جيوبنا لزرع أشجار ونباتات في بعض الحدائق وإصلاحها، ونحن نعلم أننا لا نملك فرصة لمغادرة الحي، لأننا فقراء ومعدمون". أما زكريا فيوضح لـ "العربي الجديد" أن "حي حلكو يعاني من انتشار كثيف للحشرات، في حين لا تنفذ سيارات رش مبيدات الحشرات مهمات فيه، وهو أمر يجب أن تتعامل معه الجهات المسؤولة بجدية أكبر، على غرار مشكلات الخدمات المعدومة والطرقات المغبرة وغياب مبادرات التشجير. في الشتاء، نغرق في الطين والوحول، وفي الصيف يعمينا الغبار. وحتى بالنسبة إلى القمامة هناك أكوام متراكمة في المنطقة، منها التي لا تدخلها سيارات عمال التنظيف، ما يسبب أمراضاً للأولاد، كما تزرع الكلاب الخوف ليلاً. لقد كبرت في هذا الحي وعشت فيه، وإذا أتيحت لي الفرصة سأغادر، لأن الحياة أصبحت لا تطاق".

وتضم مدينة القامشلي 21 حياً يعود تأسيسها إلى فترة الانتداب الفرنسي عام 1925. ويعيش فيها خليط من العرب والأكراد والسريان والأرمن، مع الحفاظ على عاداتهم وتقاليدهم.

المساهمون