سورية: المواجهات في القامشلي تحرم سكانها الأمان

سورية: المواجهات في القامشلي تحرم سكانها الأمان

23 ابريل 2021
أكد الأهالي أن الحياة لم تعد تطاق في القامشلي (Getty)
+ الخط -

عادت الخمسينية كاملة محمود من رحلة علاجية في إقليم كردستان العراق، لتمضي عدة أسابيع في مدينة القامشلي طمعا في نيل بعض الراحة قبل العودة لإتمام العلاج، لكن شاءت الظروف أن تكون أيام الراحة أبام خوف وقلق بالنسبة لها، إذ أجبرت على مغادرة المنزل الذي تقيم فيه هربا من نيران الاشتباكات المتجددة في المدينة.

تتحدث كاملة (56 عاما) عن تفاصيل عودتها لـ"العربي الجديد" وتقول: "عدت من إقليم كردستان قبل أيام قليلة حيث كنت في رحلة علاج من المرض، جئت إلى منزلي في حي حلكو، حيث أسكن مع ابني وزوجته بعد وفاة زوجي أملا في الراحة عدة أسابيع  قبل العودة لإتمام رحلة العلاج، لكن نتيجة الاشتباكات اضطررت للنزوح إلى حي الهلالية البعيد نسبيا عن منطقة الاشتباكات، وأشعر بتدهور حالتي الصحية".

وتضيف "أسأل الله أن تنتهي هذه الحرب العبثية التي لاناقة لنا فيها ولاجمل، ولا نعرف أصلا ما هو سبب هذه الاشتباكات أو الغاية منها، صرت أعتقد أنها فقط لتهجيرنا نهائيا من البلد. الخروج من المنزل ليس  بالأمر الهين في الأحوال العادية فما بالك في شهر رمضان المبارك  وفي ظل هذه الأزمة الخانقة مع ارتفاع الأسعار وصعوبة المعيشة، إننا نشعر بالحرج الشديد".

 ويسرد عبد الله حسن (52 عاما) مامرّ به خلال السنوات الماضية وصولا لمدينة القامشلي التي قرر الاستقرار فيها، ويقول لـ"العربي الجديد": "قبل 8 سنوات بنيت ما اعتقدت أنها حياة آمنة مستقرة في ريف القامشلي الجنوبي، عندما عملت لسنوات طويلة في قطعة أرض زراعية تملكتها مع عائلتي في ناحية تل حميس بعد استيلاء  النظام السوري في السبعينات على أرضنا في ناحية القحطانية حيث كنا نملك أرضا خصبة، واضطررت إلى الانتقال مع عائلتي إلى تل حميس والتي أرضها شبه صحراوية، وقمنا خلال سنوات مع أخوتي في استصلاحها وحفر بئر لسقايتها مما كلفنا الملايين من الليرات السورية والجهد العضلي  طوال سنوات".

ويضيف حسن"كنت أعيش منها حياة متوسطة المستوى، وأفتخر أنا وإخوتي بعملنا في زراعة القمح والقطن رغم أن مردودهما لم يكن بمستوى التعب الذي كنا نبذله كعائلة، ومع ذلك اضطررنا للنزوح تاركين كل شيء خلفنا مع سيطرة داعش على المنطقة، وفي نزوحنا الجديد بدأت من الصفر، عملت في محطة وقود وسكنت في منزل شاءت الصدف أن يكون محاذيا لـ"حارة طي" التي تحت نفوذ قوات الدفاع الوطني، والتي تجري فيها وعلى محيطها الاشتباكات بين مجموعات الدفاع الوطني وقوى الأمن الداخلي "الأسايش"، بقيت في منزلي مع زوجتي وأطفالي الصغار الثلاثة في الليلة الأولى من الاشتباكات والطلقات النارية والقصف فوق رؤوسنا، واستطعت بمساعدة أخي الخروج في صباح اليوم الثاني، ولم نأخذ إلا الملابس التي نرتديها وتركنا البيت وكل حاجياتنا وأغراضنا داخله على أمل العودة القريبة. لجأنا إلى منزل أخي خارج منطقة الاشتباكات، وسمعت من أحد الجيران الذين لم يغادروا في اليوم الأول، أن مجموعة عسكرية دخلت منزلنا بعد كسر الأقفال ولا أعرف مصير أغراضنا وحاجياتنا التي تركناها داخله".

وأوضح حسن أن الحياة لم تعد تطاق في القامشلي وفي عموم سورية، مشيرا إلى أنه ندم على بقائه في المنطقة وعدم مغادرته عندما كانت الفرص متاحة له. وأردف "أطفالي أصبحوا دون مستقبل معروف، ليست هناك مدارس مستقرة أو حتى حياة آمنة وهادئة".

وجراء الاشتباكات في مدينة القامشلي، قُتل شخص وجرح 5 آخرون بينهم 3 أطفال، حيث لجأت مليشيا الدفاع الوطني لإطلاق النار بشكل عشوائي على منازل المدنيين، ونزح عشرات من حي طي إلى مناطق سيطرة الإدارة الذاتية.

وتسببت الاشتباكات المتجددة في المدينة في حالة من الخوف وفقدان للأمان بالنسبة للسكان، خاصة في المناطق القريبة من المربع الأمني الذي تسيطر عليه مليشيا الدفاع الوطني.

وتشير جانييت لحدو (44) سنة في حديث لـ"العربي الجديد"  أنها تعمل  مدرسة وراتبها  مع راتب زوجها  بالكاد يكفيان لتدبر شؤون العائلة، وتقول: "رغم حرماننا وأطفالنا من أشياء ضرورية في الحياة تتعلق بالغذاء أو بالملابس نحمد الرب على كل شيء، أما أن نخرج من بيوتنا وننزح إلى بيوت الآخرين فهذا صعب جدا مهما كانت درجة القرابة بيننا، خارج المنزل  تفقد خصوصيتك وتتأثر خصوصية الآخرين".

وتضيف " هذا البلد لم يعد مكانا ملائما للعيش، كنا سابقا نعيش بسلام وتكافل اجتماعي، في شارع منزلنا يوجد الكردي والعربي والآشوري، كنا نتبادل التهنئة بالأعياد والأفراح  ونتشارك بالأحزان وكل مناحي الحياة، الآن بدأ كل شيء يتغير وهناك هاجس من الخوف، لا بد من وقف هذه الحرب في القامشلي وفي كل سورية، لقد تعبنا وتعب الناس جميعا".

وقبل أيام بدأت الإشتباكات بين قوات النظام السوري المتمثلة بمليشيا الدفاع الوطني في القامشلي، التي تسيطر على جزء من المدينة يعرف بالمربع الأمني، الأمر الذي تسبب بمغادرة المدنيين للمنازل القريبة من مواقع المواجهات في الوقت الذي تشهد فيه المدينة حظرا للتجول بسبب تفشي فيروس كورونا، التي عرفت أيضا مطلع عام 2021 مواجهات مماثلة.

المساهمون