"فقراء" الكركرية... طريقة صوفية بألوان مميزة في تونس

"فقراء" الكركرية... طريقة صوفية بألوان مميزة في تونس

25 يونيو 2022
أحد اتباع الطريقة الكركرية (العربي الجديد)
+ الخط -

يرتدون أزياء ملونة بالأحمر والأصفر والأخضر وغيرها، ويجتمعون على شكل حلقات في زاوية مخصصة للتعبد وممارسة طقوسهم الدينية. والزاوية هنا ليس المقصود بها ركن البيت، ولكن مقامات الأولياء وأماكن تعبد الصوفيين في تونس. ويُستعمل هذا اللفظ غالباً في دول شمال أفريقيا التي تنتشر فيها الصوفية.  
مرتدو هذا النوع من الثياب يُسمون بمتّبعي الطريقة الكركرية، وهي إحدى الطرق الصوفية التي ظهرت حديثاً في دول شمال أفريقيا ونشأت في تونس منذ أكثر من سنة. وعُقد مؤتمرها الأول العام الماضي بعنوان "تعريف الطريقة الكركرية، طريقة النور والمشاهدة" للتعريف بهذه الطريقة وكلّ ما تتضمنه من عادات وتصرفات وأزياء وطقوس. ويسمي أتباع هذه الطريقة أنفسهم بـ "فقراء" الكركرية.

والطريقة الكركرية هي "طريقة تربوية تهدف إلى إيصال العباد إلى تحقيق مقام الإحسان حتى يتمكنوا من الجمع بين العبادة والشهود وبين السلوك والمعرفة، لتكون حياتهم كلها لله رب العالمين. لذلك تدعو أتباعها إلى الالتزام بالكتاب والسنة في كل أحوالهم لأنها تؤمن أن وراء كل فعل من أفعال الشريعة المطهرة سر ملكوتي وقبضة نورانية تجمع العبد مع مولاه وتنسيه كل ما سواه، ولا يتم ذلك إلا من خلال اتباع منهاج الشيخ المربي الذي يصف الدواء المناسب لكل سالك". 
أما لباسهم الذي يُسمى "المرقعة"، فهو "ثوب عبارة عن رقاع كثيرة ملونة أو غير ملونة من صوف أو شعر أو جلد، وهي اصطلاح لمظهر التستر بالجمال الذاتي الباطن في فرق الأسماء، المتجلي بألوان حضرة القوس العلوي، وإعلان مبايعة النفس للروح للدخول والترقي في مراتبها".

وتوجد "زاوية" مرخصة من قبل السلطات لمتّبعي الطريقة الكركرية في العاصمة تونس، يجتمع فيها المريدون للحضرة كما تسمى لدى الصوفيين، حيث يؤدون الذكر والابتهالات. ويقول محمد عبد الغفار، أحد مريدي تلك الطريقة، لـ "العربي الجديد": "نُعرّف أهداف الطريقة الكركرية بكونها الوصول إلى الله تعالى والتحقق من معرفته المعرفة القلبية على بساط الشهود والمشاهدة، كما تهدف إلى نشر المحبة والسلام بين الخلق". ويوضح أنها دعوة تصالح مع الخالق والمخلوق وبين الذات والغير، وتهدف إلى تخليص المُريد من قيود الهوى والنفس، حتى يكون حراً مما سوى الله تعالى. ولكي يصل إلى مبتغاه، عليه أن يتحقق بالقاعدة الكبرى في الطريقة وهي استحقر نفسك وعظم غيرك فمن نظر إلى نفسه بعين النقص وإلى غيره بعين الكمال قلت عيوبه وكثرت حسناته وعظم نوره". 
يضيف أنّه "صوفي ولد في عائلة صوفية لكنّه بات يتّبع هذه الطريقة الجديدة التي ظهرت في تونس منذ أكثر من عام". فبعد اطلاعه على كل الطرق الصوفية بما فيها الطريقة الكركرية، أعجب بطريقة لباس الأخيرة وطريقة ذكرهم وحضرتهم فاتبعها". ويقول إنّها "ظهرت بداية في مدينة العروي شمال المغرب، ويعود اسمها أساساً إلى جبل كركر في جماعة أفسو القروية. وأول شيوخها هو أحمد العلوي المستغانمي، والثاني هو الشيخ الطاهري الكركري. وظهر شيوخ لتلك الطريقة ليتبعها مريدوها وآخرهم محمد فوزي الكركري شيخ الزاوية اليوم".

الصورة
الطريقة الكركرية/ جيل
تهدف الطريقة الكركرية إلى نشر المحبة والسلام (العربي الجديد)

من جهة أخرى، يشير عبد الغفار إلى أنّ "التونسيين يعلمون بوجود أناس يتبعون الصوفية في حياتهم لكنهم استغربوا طريقة اللباس التي بدت لهم وكأنها لباس مهرجين بسبب كثرة الألوان فيها. لكنها ألوان ترمز إلى الدفء والمحبة الروحية". ومن نشاطات تلك الزوايا ما يعرف بـ "الحضرة" التي يتجمع فيها العديد من الأشخاص، ويرددون ابتهالات دينية بإيقاع واحد. لكن تختلف كلّ طريقة صوفية عن الأخرى في الورد والذكر والابتهال". 
لا يتبع تلك الطريقة الرجال فقط، بل حتى النساء ويطلق عليهن اسم "كركريات". ويرتدين اللباس نفسه أي العباءة الطويلة التي تسمى لديهم بـ "المرقعة" ملونة قد يتجاوز عدد ألوانها العشرة. ويرتدين أيضا السبحة في رقابهنّ، يحضرن الزاوية خلال الحضرة من دون الاختلاط بالرجال. يسمعن الذكر والتلاوة ويرددنها.
بدورها، تقول لبنى (37 عاماً) والتي تتبع تلك الطريقة لـ "العربي الجديد"، إنّها "طريقة صوفية لا تختلف كثيراً عن بقية الطرق الصوفية التي تعتمد على الاتصال الروحي بين الناس في ما بينهم من جهة، وبينهم وبين الله من جهة أخرى. لكن تختلف طريقتا لبسهم وحضرتهم. وقد يجتمعون في الساحات والمناطق المفتوحة البعيدة عن التجمعات السكانية. يجلسون على شكل حلقات ويتبادلن الذكر كما يفعل الرجال. يذكرون الله ورسوله وكلّ القيم الإنسانية".

قضايا وناس
التحديثات الحية

بعد موجة الانتقادات والاستغراب من تلك الطريقة على مواقع التواصل الاجتماعي، وتداول صور لاجتماعات تلك الفرق الصوفية، أصدر اتحاد الطرق الصوفية بتونس بياناً جاء فيه أنه قام بالتقصي والتثبت عن قرب من تلك الطريقة، وتبيّن أنّها "طريقة صوفية وفق منهج الكتاب والسنة لا تشوبها البدع. أما ما يظهر من اختصاصها بالقيام بأعمال تميّزها عن الطرق الأخرى كالقيام بالحضرة ولباس المرقعة بألوان متعدّدة ووضع السبحة في العنق والخروج في الساحات فهو أمر كان قد درج عليه مشايخ الصوفية منذ أحقاب طويلة. وبعد الاطلاع على مؤلفاته ودواوينه وحكمه وأوراده ومذاكراته والاستماع إليه ولشهادات مريديه وأتباعه والحضور إليه، تبيّن أنّ الشيخ محمد فوزي كركري صاحب همة عالية وله قدم راسخة في مجال الحقيقة الربانية والعلوم الإلهية". 

المساهمون