تونس: ثياب جديدة للصغار حصراً في عيد الفطر

تونس: ثياب جديدة للصغار حصراً في عيد الفطر

01 مايو 2022
حاول التونسيون التوفيق ما بين الجديد والمستعمل لحصر النفقات (ياسين قايدي/ الأناضول)
+ الخط -

قبيل حلول عيد الفطر، دفعت الظروف المعيشية الصعبة عائلات تونسية كثيرة إلى شراء ملابس العيد للأصغر سناً فقط، فيما كان نصيب الأطفال الباقين قطعة واحدة جديدة أو الاكتفاء بما لديهم. وإلى جانب الوضع الحالي الذي تتزايد الأعباء فيه مع الغلاء، من المعتاد أن تُسجَّل قفزة كبرى في الأسعار في مواسم الأعياد، فيدفع ذلك كله التونسيين إلى البحث عن حيل للحدّ من النفقات. كذلك لم يوفّر غلاء تونس اليوم حلويات العيد بسبب ارتفاع أسعار المواد الأساسية والفواكه المجففة، فلجأ كثيرون إلى إعداد بعض الأصناف التقليدية في البيت، إذ إنّ ذلك أقلّ كلفة.
وفي جولة لـ"العربي الجديد" وسط العاصمة التونسية، بدت الزحمة لافتة من دون أن يعني ذلك حركة بيع نشطة، فالذين كانوا يتأملون واجهات المحال أكثر من الشارين. وثمّة تونسيون كثر أمضوا ساعات وهم يبحثون عن ضالتهم متنقلين من مكان إلى آخر، قبل أن يلجأوا إلى السلع المعروضة على قارعة الطريق أو تلك التي يحملها الباعة المتجوّلون.

كمال العوادي، وهو عامل نظافة من منطقة السيجومي في ضواحي العاصمة، كان يتنقّل في السوق لشراء حاجيات العيد، علماً أنّ راتبه لا يتجاوز 500 دينار تونسي (نحو 165 دولاراً أميركياً)، وهو مخصّص لعائلة تتكوّن من خمسة أفراد. ولأنّ زوجته لا تعمل، فإنّ الأعباء تكثر عليه. يقول العوادي لـ"العربي الجديد": "لقد اشتريت الملابس فقط لابنتي الصغيرة البالغة من العمر ستّة أعوام، دون أخوَيها الأكبر سناً. فالظروف صعبة ولا بدّ من البحث عن حلول تتماشى والميزانية وإمكانياتنا"، مشيراً إلى أنّ "العيد يشكّل في العادة عامل ضغط على الأسر التونسية". يضيف العوادي أنّ "الظروف في هذه الفترة ضاغطة جداً على عائلات كثيرة، لكنّه لا بدّ للأزمة من أن تمرّ. وأنا أحاول عدم تجاوز قدراتي في الإنفاق حتى لا أواجه صعوبات معيشية"، مشدّداً على أنّ "من يملك خمسة دنانير (نحو 1.65 دولار)، يتوجّب عليه إنفاق خمسة، كذلك الأمر بالنسبة إلى من يملك عشرة (نحو 3.3 دولارات)".
من جهتها، قصدت كريمة بوغانمي العاصمة آتية من منطقة تاجروين بالكاف (شمال غرب)، بحثاً عن ملابس العيد، إذ إنّ الخيارات هنا أفضل من تلك المتوفّرة في منطقتها الريفية. هي اشترت ملابس العيد لطفلها الصغير، غير أنّها تقرّ في حديثها لـ"العربي الجديد"، بأنّها غير مقتنعة بذلك. وتقول بوغانمي: "لم تعجبني البدلة ولا جودتها، لكنّني اضطررت إلى شرائها، إذ إنّ الوقت ضاغط والأسعار مرتفعة"، لافتة إلى أنّها لم تخصّ ابنها الأكبر إلا بحذاء رياضي.

الصورة
بائع حلوى في تونس (نيكولا فوكيه/ Getty)
الاحتفال بالعيد ممكن رغم التقشّف (نيكولا فوكيه/ Getty)

وتضيف بوغانمي أنّ "الأمهات وككلّ عيد يتعبنَ من أجل اختيار ملابس أطفالهن، لكنّ لا شيء يرضيهم"، في إشارة إلى أنّ الحذاء لم يعجب ابنها الأكبر، لكنّها تشدّد على أنّ "الخيارات محدودة والأسعار نار"، وتلفت إلى أنّها لم تكن تتخيّل "تدنّي الجودة وارتفاع الأسعار بهذا الشكل". ولا تخفي بوغانمي أنّ "ظروف عائلتي أفضل من ظروف عائلات أخرى، فزوجي يعمل في التدريس وأنا أعمل في تجارة الألبسة برأس مال بسيط لكي أساهم في نفقات المعيشة"، مشيرة إلى أنّ "عائلات كثيرة لم تتمكّن هذا العام من شراء ولو قطعة ملابس واحدة لأطفالها".
بدورها، اشترت خيرت منية، وهي أمّ لثلاثة أبناء وعاملة في مصنع، ثياب العيد لابنتها البالغة من العمر 11 عاماً دون أخوَيها البالغَين من العمر 17 و18 عاماً، "إذ إنّهما كبرا نسبياً على اقتناء ملابس للعيد، فيما الظروف لا تسمح لي بشراء ملابس للجميع". ومنية، التي تتحدّر من القيروان (وسط شرق)، وتعيش في العاصمة تونس، تخبر "العربي الجديد" بأنّها قضت ساعات عديدة بحثاً عن حذاء رياضي لابنتها، لكن من دون جدوى، شارحة "أنا مجبرة على اختيار حذاء مريح وصحي، إذ إنّ ابنتي تعاني من حساسية في قدمَيها". تضيف منية أنّ "الأحذية التي تناسب وضع ابنتي الصحي سعرها في حدود 300 دينار (نحو 100 دولار)، وهذا سعر خيالي، الأمر الذي دفعني إلى تأجيل عملية البحث".
وتشير منية إلى أنّ "المصنع الذي أعمل فيه متوقّف عن العمل منذ أسبوعَين، بالتالي بالكاد تمكّنت من تأمين مبلغ بسيط لشراء ملابس العيد لابنتي"، وتؤكد أنّه "في ظل ارتفاع الأسعار، فإنّ عائلات كثيرة حاولت التوفيق ما بين الجديد والمستعمل لحصر النفقات. فهذا العام أشدّ وطأة علينا من الأعوام السابقة، ولم يعد المواطن يستوعب ما يحصل من ارتفاع كبير في الأسعار".

قضايا وناس
التحديثات الحية

في سياق متصل، يقول بائع ألعاب في العاصمة يُدعى محمد، لـ"العربي الجديد"، إنّ "السلع مكلفة ويتحمّل التاجر أعباء كبيرة لشراء بعض المنتجات، آملاً أن يعمل جيداً في هذه الفترة. لكنّ الإقبال ضعيف، وقد يكون الأسوأ مقارنة بالأعوام السابقة". يضيف محمد أنّه "على الرغم من أزمة كورونا في العامَين الماضيَين، فإنّ الحركة كانت نشطة أكثر وكان ثمّة إقبال على سلعنا. لكنّ حركة الشراء هذا العام ضعيفة جداً، وكثيرون يسألون عن الأسعار ويفاوضون البائع لتخفيضها وفي النهاية لا يشترون شيئاً، فيما قلّة تعمد إلى الشراء".

المساهمون