رئاسيات تونس: مناقشة تحالفات الدور الثاني تبدأ

رئاسيات تونس: مناقشة تحالفات الدور الثاني تبدأ

29 نوفمبر 2014
ستحسم الأحزاب الصغيرة وحركة النهضة مصير الرئاسة (أمين لندلسي/الأناضول)
+ الخط -
تبدو الأيام الآتية في تونس حاسمة، من أجل تحديد التحالفات الممكنة بين مرشحي الأحزاب والشخصيات التي لم تتجاوز الدور الأول للانتخابات الرئاسية، وأحد المنتقلين إلى الدور الثاني، المنصف المرزوقي أو الباجي قايد السبسي. وتتهيأ الأحزاب لدعم أحدهما، بعد افصاح أغلبها عن موقفها وعدم التزام الحياد.

وتبدو التحالفات المرتقبة على قدر كبير من الأهمية، فالمرزوقي والسبسي نالا معاً 73 في المائة من أصوات المقترعين، ما يعني أن حوالي 27 في المائة من الأصوات متاحة أمامهما على طاولة التحالفات السياسية، من دون الأخذ بعين الاعتبار الناخبين الذين لم يشاركوا في اقتراع الدور الأول، الذين يُمكنهم قلب المعادلة برمّتها اذا ما قرروا دعم أحد المرشحين.

وتتمحور معظم الأصوات بين أيدي الأحزاب التي حلّت في المراتب الثالثة والرابعة والخامسة تحديداً، وهي "الجبهة الشعبية" (حمة الهمامي)، و"الاتحاد الوطني الحر" (سليم الرياحي)، و"تيار المحبة" (الهاشمي الحامدي). ويُقدّر مجموع الأصوات لتلك الأحزاب مجتمعة بحوالي 19 في المائة، وهي قادرة لوحدها على ترجيح كفة على أخرى.

وكشف رئيس كتلة "الاتحاد الوطني الحر" في المجلس النيابي الجديد، محسن حسن، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن "حزبه سيعلن عن اسم المرشح الذي سيدعمه في الدور الثاني، الثلاثاء المقبل على أبعد تقدير، ولن يكون محايداً". وأكد أن "الحزب لن يكتفي بإصدار بيان مساندة، وإنما سينخرط بالكامل في الحملة الانتخابية للمرشح المعين، وسيدعو قواعده للتصويت له".

وأشار حسن إلى أن "الحزب سيلتقي المرشحين، ليحدد أيهما أقرب الى برامجه وأفكاره وتوجّهاته". وسجل "الاتحاد" نجاحاً لافتاً في الانتخابات التشريعية، وحصل على نسبة 5.5 في المائة من الأصوات في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية مع الرياحي، ويبدو موضوعياً أقرب إلى دعم السبسي في الدور الثاني، باعتبار أن تحالفه بات وشيكاً مع حزب "نداء تونس" في المجلس النيابي والحكومة العتيدة.

لكن حسن ينفي انتظارية حزبه لحقائب وزارية أو تلّهفه على نجاح متسرّع، مؤكداً أنه "في حال عدم الاتفاق مع نداء تونس في البرلمان، فسيكون في المعارضة الإيجابية التي ستعمل على البناء ولن تكون هدامة". وعلى الرغم من تأكيدات حسن، فإن مصادر مطّلعة، أكدت لـ"العربي الجديد"، أن "الاتحاد الوطني الحر ماضٍ لا محالة في اتجاه دعم السبسي، إلا في حال وجود مفاجأة سياسية".

وشدّد حسن على أن "حزبه لا يقوم بمناورة لتحسين ظروف التفاوض، لأنها ليست من تقاليد الحزب، ولا من ضرورات المرحلة". وأضاف أن "اختيار المرزوقي أو السبسي سيكون وفق برامج الحزب". ودعاهما إلى "الارتقاء بخطابهما السياسي والابتعاد عن تقسيم الشعب".

في المقابل، يؤكد مطلعون أن "تيار المحبة، بزعامة الحامدي، سيدعم المرزوقي، نظراً لتقارب الأفكار معه والتوجهات"، علماً أن نزار النصيبي، المنسق العام لحملة الحامدي، نفى في حديث مع "العربي الجديد"، هذا الدعم. وأكد النصيبي أن "مسألة الدعم مرهونة بمدى التزام أيٍّ من المرشحين برامج الحزب، الذي يضع مسألة العدالة بين جميع الفئات ورعاية الطبقات الضعيفة، من أولوياته المطلقة".

وعن عدم ورود هذا الجانب الاقتصادي في صلاحيات الرئيس، قال النصيبي إن "حزبه يريد رئيساً ينتصر لقضايا الفقراء ويكون متكلماً باسمهم، خصوصاً، أن للرئيس صلاحية الاقتراح التشريعي وحضور اجتماعات مجلس الوزراء، ما يتيح له فعلياً التأثير في سير الأمور والدفاع عن المحرومين والجهات المهمشة".

وأكد النصيبي أن "الإعلان عن اسم المرشح الذي سيدعمه حزبه، سيتم غداً الأحد، بعد اجتماع الحزب في منطقة الحوامدية في سيدي بوزيد، التي شهدت اكتساح مرشحهم لباقي المتنافسين، على الرغم من ابتعاده لفترة طويلة عن تونس".

وحلّ الحامدي في المركز الرابع في ترتيب المتنافسين، بنسبة 5.75 في المائة من الأصوات، ونال حوالي 180 ألف صوت، وهو عدد هام اذا تذكرنا أن فارق الأصوات بين السبسي والمرزوقي، في الدور الأول، لا يتجاوز الـ200 ألف صوت.
كما أن "تيّار المحبة" حصد آلاف الأصوات في دوائر متنازع عليها بين المرشحين، علاوة على دائرة سيدي بوزيد كاملة، ما يمكّنه من ترجيح كفة على أخرى، في ظلّ رمزية سيدي بوزيد في فوز أحدهما".

وحصلت "الجبهة الشعبية" على حوالي 8 في المائة من الأصوات، لتفرض نفسها حكماً بارزاً بين الطرفين، وإن كانت أغلب الاستنتاجات تشير إلى أن "الجبهة" ستدعم السبسي، بسبب النزاع الكبير بينها وبين المرزوقي. إلا أن هذا لا يعني بالضرورة دعم السبسي آلياً، كون الدعم سيبقى رهن شروط كثيرة تضعها "الجبهة" أمام "النداء" لصياغة رزمة تحالفات، تربط بين التوازن التشريعي والحكومي والرئاسي.

وكان لـ"الجبهة" مواقف عدة، تؤكد فيها عدم مشاركتها في حكومة تكون "حركة النهضة" طرفاً فيها، بالاضافة إلى ضرورة توفر حدٍّ أدنى من التقارب في الرؤى الاقتصادية في برنامج الحكومة الجديدة، وتنال فيها حقائب هامة، لأنها ستكون الشريك الأهم في التحالف الجديد إن تمّ. وهي كلّها شروط صعبة الإنجاز من طرف "النداء"، الذي يجد نفسه في مأزق حقيقي بين فكّي شروط قرطاج (المقرّ الرئاسي) والقصبة (المقرّ الحكومي).

وكشفت مصادر مطلعة، لـ"العربي الجديد"، أنه "يُفترض أن يكون السبسي والهمامي قد التقيا لتوضيح كل المسائل العالقة بينهما، في ظلّ بروز آراء داخل النهضة تنتقد موقفها عامة مِمّا يحدث على الساحة، وتؤكد أن تصرّفات الحركة هي التي أجبرت النداء على التقارب مع الجبهة اليسارية، وأنها لو دعمته لكانت أقرب للاستمرار على تماس مع الحكم والمحافظة على قواعدها المنفلتة في اتجاهات أخرى، غير أن التحالف بين النداء والجبهة يبدو موضوعياً، بالنظر الى المحطات التي جمعتهما في مواجهة الترويكا سابقاً، مع متغيّر وحيد، يتمثل في الكلفة السياسية الباهظة التي سيدفعها النداء في هذه المرحلة."

وكان مجلس أمناء "الجبهة" قد بدأ سلسلة اجتماعاته، يوم الخميس، لتوضيح موقفه النهائي من دعم السبسي أو عدمه، في ظلّ تسريبات تتحدث عن بعض الاختلافات المنطقية بين مكونات "الجبهة". ما جعل بعض المتابعين يتحدثون عن ضرورة أن "تسعى الجبهة للحفاظ على تماسكها أكثر من أي انتصار سياسي في مناقشة التحالفات الممكنة".

وأعلن حزب "المسار الاجتماعي" عن دعمه للسبسي. ولم يشكّل القرار أي مفاجأة، نظراً لعلاقاتهما السابقة في "الاتحاد من أجل تونس". ويبدو أن انسحاب "النداء" من "الاتحاد" قبيل الانتخابات التشريعية، لم يؤثر على موقف "المسار".

كما أبدى حزب "المبادرة"، بزعامة كمال مرجان، دعمه للسبسي في الدور الثاني. وذكرت مصادر مطّلعة أن "إحدى قياديات الحزب، سميرة الشواشي، استقالت من الحزب، بعد جلسة مناقشات ساخنة حول تحالفات الحزب المقبلة".

ويبقى التساؤل الحقيقي متعلقاً بمدى نجاعة هذه المساندات انتخابياً وعدد الأصوات التي يمكن أن تزيدها في ميزان السبسي أو المرزوقي. كما ينتظر المرزوقي من شخصيات مثل مصطفى بن جعفر أو أحمد نجيب الشابي أو محمد الحامدي، التي التقت خلال مفاوضات ما قبل الدور الأول، اعلان مواقفها لما تمثله من أهمية سياسيّة، لا انتخابية .

ويبقى الميزان الحقيقي المرجّح في السباق نحو قرطاج، مرتبطاً بموقف "حركة النهضة"، وما سيفصح عنه اجتماع مجلس شورى الحركة الأسبوع المقبل، حسب معلومات "العربي الجديد". مع العلم أن رئيس الحركة راشد الغنوشي، توجّه منذ أيام قليلة، في تسجيل مصوّر بُثّ على صفحته الخاصة على موقع "فايسبوك"، إلى قواعد الحركة، يطالبهم فيها بـ"الحياد التام"، ويطلب من المرشحين ضبط النفس وعدم بث خطابات التفرقة بين التونسيين. ولم يعرف أحد ما المقصود بـ"الحياد التام".

وكان أنصار "النهضة" قدّموا حوالي 70 في المائة من أصواتهم لمصلحة المرزوقي، ما يعني أن خزّانها الانتخابي يمكن أن يوفر الـ30 في المائة المتبقية في الدور الثاني إن قرّرت ذلك، وهي نسبة يمكنها أن تؤثر في الفارق بين السبسي والمرزوقي وفي تحديد اسم الفائز بقصر قرطاج.