رئاسيات تونس: محطات حاسمة أهّلت المرزوقي للجولة الثانية

رئاسيات تونس: محطات حاسمة أهّلت المرزوقي للجولة الثانية

27 نوفمبر 2014
عوامل عديدة ساعدت المرزوقي في الجولة الأولى (ياسين غيدي/الأناضول)
+ الخط -

رافق الإعلان عن النتائج الرسمية للانتخابات الرئاسية التونسية جدل كبير، مرتبط بالأرقام التي أعلنت عنها بعض الشركات ومعاهد سبر الآراء مباشرة، بعد الانتهاء من التصويت في الجولة الأولى قبل أيام.

الجدل كان قانونياً ودستورياً، وتركز حول أحقية المواطن في الحصول على المعلومة التي يكفلها الدستور. وتطرق الجدل إلى المنع الذي يفرضه القانون الانتخابي، خصوصاً في الانتخابات الرئاسية. فالقانون الانتخابي يسمح بتقديم هذه الأرقام بعد إقفال مكاتب الاقتراع في الانتخابات التشريعية، لكنّه يحظرها بشكل كامل في الرئاسيات. وعلى الرغم من ذلك، أقدمت القنوات الإذاعية والتلفزيونية على تقديم الأرقام، متجاهلةً العقوبات الكبيرة التي يمكن أن تتعرض لها.

غير أن الموضوع الذي شغل المواطنين والمتابعين في تونس، هو فارق التقديرات الكبيرة بين الشركات في ما بينها من جهة، وبالمقارنة مع النتائج الرسمية من جهةٍ ثانية.

ومنحت هذه المعاهد أسبقية كبيرة لزعيم حزب "نداء تونس" الباجي قائد السبسي تتراوح بين 47، 44 و42 في المائة في حين أعطت الرئيس التونسي المنصف المرزوقي 27 و32 في المائة. وجاءت النتائج الرسمية للجولة الأولى من الانتخابات والتي انتقل بموجبها السبسي والمرزوقي إلى جولة ثانية حاسمة، لتؤكد أن الفارق بينهما لا يتجاوز 6 في المائة.

كما وُضعت هذه المؤسسات في موقف محرج، ليعاد النقاش من جديد حول صدقيتها وواقعيتها ودقتها فضلاً عن حيادها.

ويرى مدير معهد "امرود للاستشارات"، نبيل بلعم، في حديث لـ "العربي الجديد" أنّ أرقام مؤسسته كانت قريبة من التوقعات، لأن هامش الخطأ العالمي يدور حول ثلاثة في المائة. وهو ما تم في خصوص توقعات السبسي، في حين لم يتجاوز الهامش نقطتين فقط في ما يتعلق بتوقعات المرزوقي.

ويلفت إلى أن "عدم سماح هيئة الانتخابات للمعاهد والشركات بالعمل داخل مكاتب الاقتراع (وهي طريقة معتمدة في كل البلدان الديمقراطية) سبّب العديد من المشاكل، وكان وراء هذه الأخطاء". ويشدد بلعم على أن العمل خارج مراكز الاقتراع تسبب في حصول مضايقات من قبل أنصار بعض المرشحين للعاملين في الميدان.

ووفقاً لبلعم فإن السبب الرئيسي الذي أوقع هذه المعاهد في هذه الأخطاء، يرتبط بدائرة صفاقس التي مُنعت المراكز من العمل فيها تماماً. وفاز في الدائرة المرزوقي على منافسه السبسي، في حين كانت التوقعات تشير إلى العكس وإلى وجود تنافس كبير بينهما في أقصى الحالات، بحسب رأيه.

وأعدّ معهد "امرود" رسوماً بيانية وجداول توضّح تطور كل المتنافسين خلال الحملة الانتخابية من 5 نوفمبر/تشرين الثاني إلى غاية يوم 23 نوفمبر الذي أجريت فيه الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية.

وجاءت التطورات المرتبطة بالمرزوقي لافتة للانتباه، إذ يُسجِّل يوم 18 نوفمبر بداية صعود عمودية تواصلت في الأيام اللاحقة، وانتهت بتحقيقه نتائج فاجأت كل منافسيه وفي مقدمتهم السبسي.

وبالعودة إلى الأيام السابقة التي سبقت هذا التصاعد، تتضح مجموعة عوامل ساهمت في تقدم المرزوقي من بينها زياراته الماراثونية إلى قفصة، مدنين وقابس يومي 16 و17 نوفمبر ثم تواجده في حي التضامن الشهير في تونس العاصمة يوم 18 نوفمبر.

وفي 17 نوفمبر، رفض مدير حملة السبسي، محسن مرزوق، المناظرة التلفزيونية التي كان دعاه إليها عدنان منصر مدير حملة المرزوقي. وهو ما أثار ضجة كبرى في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، استغلها مناصرو المرزوقي بشكل كبير في الهجوم على حزب "نداء تونس" ومرشحه. الأمر نفسه يتكرر في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، بعد رفض السبسي للمناظرة التي دعاه إليها المرزوقي.

كما يشير بعض المتابعين إلى تداعيات يوم 15 نوفمبر في إحداث هذا التحول في شعبية المرزوقي، إذ سجّل يومها نقاش حاد جمع أحد قياديّي "نداء تونس" خميس قسيلة وداعية إسلامي يدعى البشير بن حسن، يدعم المرزوقي في أحد البرامج التلفزيونية ذائعة الصيت.

ودعا قسيلة خلال الحوار إلى التفريق بين السياسة والإمامة، ملمحاً إلى تطبيق القانون في ذلك. وهو ما اعتبره بن حسن انقلاباً على الدستور ومسّاً بالحريات الشخصية. وهدد "بالبحث عن مكان حرّ إذا سلبت الحرية الشخصية في تونس"، وهو ما تم تداوله بقوة في صفحات داعمي المرزوقي والعديد من الإسلاميين الذين اعتبروا هذا التصريح "بداية التضييق عليهم".

وتُفيد معلومات حصلت عليها "العربي الجديد" أن هناك ساعات حاسمة أيضاً تؤثر على اتجاهات الناخبين، تتكثف يوم الانتخاب بين منتصف النهار وبداية المساء. كما تتركز بشكل كبير بداية من الرابعة عصراً إلى غاية إقفال المكاتب. ووفقاً لمدير معهد "امرود للاستشارات"، فإن الساعتين الأخيرتين في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية سجلتا إقبالاً كبيراً مفاجئاً من الناخبين الذين صوتوا للمرزوقي بشكل أساسي، مشيراً إلى أنه ربما يكون هناك من تولى التشجيع للقيام بذلك، في تلميح واضح إلى حركة النهضة.

وفي السياق، يقول القيادي في التيار الوطني الحر النائب محسن حسن، لـ "العربي الجديد" إن حركة النهضة أرسلت رسائل قصيرة على الهواتف الجوالة لأنصارها، تدعوهم فيها إلى النزول إلى مكاتب الاقتراع والتصويت للمرزوقي بداية من منتصف نهار يوم الاقتراع، الأمر الذي رجّح كفّة الأخير بشكل كبير.

إلا أنّ القيادي في حركة النهضة، عبد اللطيف المكي، ينفي لـ "العربي الجديد" صحة هذا الأمر، معتبراً إياها "تصريحات معيبة في حق حسن". ويؤكد عبد اللطيف أنها "اتهامات من دون دليل، وبالإمكان العودة إلى مشغلي الهاتف الجوال للتثبت من ذلك". ويضيف "لو أردنا أن نعطي تعليمات بذلك لفعلناه على مرأى ومسمع من الجميع، وعمليات سبر الآراء قبل الانتخابات كانت تشير إلى أن نسبة التصويت لفائدة المرزوقي من قواعد النهضة كانت تُقدر بـ70 في المائة. وهو ما أكدته نتائج الانتخابات".
ويخلص إلى القول "بالتالي نحن لم نسهم في أي شكل في يوم الانتخاب، ولم نتدخل بتاتاً. وتركنا إمكانية مخاطبة قواعد النهضة بشكل مباشر لجميع المرشحين. ولم نتدخل في قرار القواعد لأننا تركنا لها حرية القرار منذ البداية، حين أعلنا حيادنا".