انتفاضة العراق: السلطات تصعّد القتل

انتفاضة العراق: السلطات تصعّد القتل

06 أكتوبر 2019
اتسعت رقعة عمليات إطلاق النار على المتظاهرين(أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
تدخل التظاهرات في العراق يومها السادس، مسجلة رقماً قياسياً في عديد ضحاياها الذين تخطوا حاجز المائة قتيل، وقرابة الأربعة آلاف جريح، في وقت تبدو فيه قوات الأمن العراقية، خصوصاً الشرطة الاتحادية، وجهاز فض الشغب، وما يعرف بـ"أمنية الحشد" التي دخلت منذ مساء الجمعة على خط قمع المتظاهرين وتولت أيضاً الانتشار في محيط المنطقة الخضراء، الجهات الأكثر قمعاً وتنكيلاً بالمتظاهرين، الذين رفعوا شعارات جديدة، أمس السبت، تطالب المرجعية بفتوى تحرم إطلاق النار على المتظاهرين السلميين.

وجاءت عمليات القتل المستمرة للمتظاهرين في وقت برزت فيه زحمة مبادرات تسعى إلى احتواء الاحتجاجات، بما في ذلك محاولة الإيحاء بوجود تفاوض مع المحتجين في البرلمان، وذلك في وقت يعكف فيه مسؤولون في مكتب رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي على تقديم خطة عمل، اعتبر مسؤول حكومي أنها كل ما تمتلكه الحكومة الآن.  وترافق ذلك مع تصاعد دعوات كتل وقوى وسياسية مختلفة ضمن تحالف "الإصلاح"، أبرزها "سائرون" التابعة لمقتدى الصدر و"النصر" بزعامة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي وتحالف القوى العراقية بزعامة أسامة النجيفي، إلى استقالة الحكومة، وإجراء انتخابات مبكرة، ومقاضاة رئيس الوزراء بتهمة قتل المتظاهرين، فيما تتفاوت مواقف قوى تحالف "الفتح"، الذي يعتبر نوري المالكي وهادي العامري وقيس الخزعلي وقيادات "الحشد" أبرز رموزه، بين الدعوة لمنح الحكومة فرصة من أجل إكمال الإصلاحات، وأخرى تشكك بالتظاهرات وتعتبرها مؤامرة خارجية.

وأخفق البرلمان العراقي في عقد جلسة خاصة له صباح أمس السبت، دعا إليها في بيان رسمي لمناقشة الأحداث الأخيرة، وذلك بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني، حيث لم يحضر إلى البرلمان أكثر من 70 نائباً من أصل 328 نائباً، لتتحول الجلسة إلى تشاورية، قبل أن يتم استقدام نحو 50 شخصاً إلى داخل مبنى البرلمان، تم تقديمهم على أنهم ممثلون عن المتظاهرين في بغداد وجنوب العراق. لكن سرعان ما صدرت تأكيدات من نواب في البرلمان، بينهم عضو في تحالف "سائرون"، أنهم لا يمثلون المتظاهرين، وتم جمعهم بواسطة مساعدين ومستشارين لدى رئيس البرلمان محمد الحلبوسي وتقديمهم على أنهم ممثلون عن المتظاهرين، بحسب النائب الذي وصفهم بأنهم وفد (56)، في إشارة إلى الفقرة الخاصة بجرائم النصب والاحتيال في قانون العقوبات العراقي.

وأكد النائب أن المتظاهرين أطلقوا شعارات في بغداد تشير إلى أن إعادة الإنترنت من قبل الحكومة، ووقف القتل والتنكيل، ستكون بادرة لقبول طرحهم مطالبهم بشكل رسمي. غير أن مصادر أخرى من داخل صفوف المتظاهرين أكدت، لـ"العربي الجديد"، أن هناك فعلاً من أصبح يتحدث باسم المتظاهرين دون تخويل، ويحاول ركوب الموجة والشهرة على حسابهم. من جهته، قال المحلل السياسي والخبير الأمني هشام الهاشمي إن "طبيعة الاحتجاجات عفوية شبابية، وبلا هوية محددة، وهي لا تمتلك القدرة على المراقبة وانتظار النتائج التي تفضي إليها، والمباحثات السياسية واللقاءات الحوارية، وهم لا يمتلكون سوى مطالب شخصية فردية، ولا تعنيهم كثيراً استقالة رئيس الحكومة عادل عبد المهدي من عدمها أو تغيير النظام السياسي أو النظام الديمقراطي". وبين الهاشمي، لـ"العربي الجديد"، أن "ما يعني المتظاهرين هو تحقيق مطالبهم، التي تحتاج إلى استجابة فردية وبالتالي وجودهم في ساحات الاحتجاج هو ملف تشاركي. ولكن بطبيعة الحال ليست لديهم قضية تشاركية ذات أهمية". وتابع أن "الحكومة غامرت بخطاب عبد المهدي الذي لم يكن للتهدئة، حتى إن خطاب الحلبوسي غير منتج، على اعتبار أنه لا يمتلك القدرة على تنفيذ الوعود للمتظاهرين".


وبحسب مسؤول في مكتب عبد المهدي فإن الأخير وافق على المضي بخطة يُشرف عليها عدد من مساعديه، أبرزهم مدير مكتبه أبو جهاد الهاشمي ومستشاره محمد عبد الهادي الحكيم، تتضمن تعديلاً وزارياً واسعاً في الحكومة، وتشكيل محكمة عليا بصلاحيات واسعة متخصصة بقضايا الفساد وإعادة التحقيق بكل قضايا الفساد السابقة الموجودة أو المقدمة إلى مجلس القضاء الأعلى. كما تتضمن الخطة إطلاق برنامج وطني لمحاربة الفقر والبطالة، يتضمن عدة خطوات، من أبرزها تخصيص قطع أراضٍ سكنية وقروض ميسرة متوسطة وصغيرة، وتفعيل سن التقاعد لاستبدال الذين بلغوا السن القانونية بغيرهم من الشباب، واعتماد تشكيل لجنة دائمة من غير القوى السياسية تضم أكاديميين وخبراء وشخصيات اجتماعية وعلمية بارزة في مختلف مدن العراق لإصدار توصيات وملاحظات للحكومة، كما دعت المرجعية لذلك في خطبة الجمعة. وأضاف المسؤول، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "هذا أقصى ما يمكن لرئيس الوزراء تقديمه في الوقت الحالي"، فهو "غير مسؤول عن مخلفات الحكومات الخمس الماضية، ولا يجب تحميلها له من قبل الشارع أو الكتل السياسية"، كاشفاً عن أن التصرف البديل لرئيس الوزراء مع استمرار التظاهرات هو الاستقالة التي صارت أقرب من أي وقت سابق عليه.

وأوضح عضو الحزب الشيوعي العراقي علي فاضل أن "الحكومة والكتل السياسية الحالية ككل مرتبكة، كونها متفاجئة من التظاهرات الحالية، ولم تحسب لها حسابا". وأضاف "لنكن أكثر صدقاً، الجميع لم يتخيل هذا الانفجار في الشارع، والكتل والقوى السياسية تريد تخليص نفسها من المسؤولية، ليس حباً بالشارع بل من أجل الانتخابات المقبلة". وأضاف "الحل ليس بإقالة عبد المهدي ولا حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، إذ إن نفس الوجوه والكتل والقوى السياسية ستترشح وتعود من جديد، والشارع لم يعد يثق كثيراً بما يقوله المسؤولون. وأجد أن إصلاح العملية السياسية ككل، التي شيدت على المحاصصة الطائفية وتعديل الدستور وفقاً لذلك، وسن قانون ينظم عمل الأحزاب ومحاسبة الفاسدين مهما كانت عناوينهم، وحل المليشيات، أولى من الدعوات لحل البرلمان الحالي، خصوصاً أن هناك حسابات إقليمية ودولية قد تقود العراق إلى فوضى مع وضعه الأمني الهش".

ميدانياً، ورغم ليلة الجمعة الساخنة التي شهدت سقوط أكبر عدد من القتلى والجرحى، إذ ارتفع عدد الضحايا إلى أكثر من 100 قتيل وقرابة الأربعة آلاف جريح، بحسب خلية الأزمة في المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، فقد شهدت بغداد ومدن جنوبي البلاد، تظاهرات جديدة أمس السبت، أكبرها في مناطق البلديات والزعفرانية والشعلة، وهي أكثر المناطق فقراً في العاصمة، وتشترك أيضاً أنها أكثر من قدم تضحيات من أبنائها خلال الحرب على تنظيم "داعش"، بالإضافة إلى مناطق شعبية أخرى شهدت تظاهرات مماثلة بأعداد أقل، في أحياء أور، والشعب، والفضل، وحي العامل. وشهدت ساحات التحرير والخلاني والطيران عمليات قمع جديدة، تسببت بسقوط عدة قتلى وجرحى، بالإضافة إلى إطلاق نار استهدف متظاهرين في شارع السعدون والشارع المقابل لمحلة الشيخ عمر السهروردي، بالإضافة إلى شارع "محمد القاسم"، وهو أبرز شرايين النقل في بغداد. كما تم إطلاق النار على متظاهرين كانوا يتجهون إلى ساحة الطيران، وذلك بعد أن تم رصدهم قرب ساحة بيروت الواقعة شرقي العاصمة العراقية.

وقال ناشطون، لـ"العربي الجديد" إن "العنف الذي تعرض له المتظاهرون كان له أثر كبير في تراجع الأعداد في مناطق الحرية والشعلة والثورة، وكذلك الكرادة والجادرية والبياع، لا سيما بعد أن اقتحمت قوات الأمن ساحات الاحتجاج ودهست بالعربات عدداً كبيراً منهم، بالإضافة إلى اتساع رقعة عمليات القنص وإطلاق النار المباشر عليهم من أسطح العمارات والأبنية".  ووفقاً لمسؤول في وزارة الصحة العراقية تحدث، لـ"العربي الجديد" عبر الهاتف، فإن "أغلب إصابات السبت (من الثالثة فجراً وحتى الرابعة عصراً) كانت بإطلاق النار على سيقان المتظاهرين، ووصلت لثلاثين إصابة لمتظاهرين في بغداد وبلدات جنوبي العراق تركزت في ذي قار والقادسية. كما توفي عدد من المتظاهرين أمس، أحدهم فتى بعمر 16 عاماً"، كاشفاً عن أن "هناك توجيهات للدوائر الطبية بعدم التصريح عن عدد الضحايا والجرحى". وفي جنوب العراق شهدت الديوانية والناصرية والكحلاء والرفاعي والمشخاب وعلي الغربي وبنات الحسن وبلدات ومدن مختلفة في القادسية وذي قار وميسان وواسط وكربلاء تظاهرات مماثلة، كانت فيها قوات الأمن أكثر من عدد المتظاهرين وسط تهديد زعامات قبلية بالدخول على خط التظاهر في حال استمرت آلة القتل ضد المتظاهرين.

المساهمون