انتفاضة العراق: دعم النجف يحرج بغداد وطهران

انتفاضة العراق: دعم النجف يحرج بغداد وطهران

05 أكتوبر 2019
استمرّت مواجهة المتظاهرين بإطلاق النار عليهم(أحمد الربيعي/ فرانس برس)
+ الخط -
بعد أربعة أيام على انطلاق انتفاضة العراق، وعلى الرغم من أن السلطات حاولت كل شيء لإنهاء الاحتجاجات، أكان بالقمع المفرط والذي تسبّب بسقوط ما لا يقل عن 56 قتيلاً وأكثر من 1300 جريح من المتظاهرين حتى عصر أمس السبت، أو حتى بالوعود التي أطلقها رئيس الحكومة عادل عبد المهدي، إلا أنه بدا أن الحراك الاحتجاجي في طريقه إلى الاستمرار، خصوصاً بعد دعم النجف مطالب المتظاهرين، من دون أن تعلن دعم الانتفاضة بشكل مباشر، وهو ما شكّل إحراجاً جديداً للحكومة العراقية، والتي كان رئيسها يفكر في الاستقالة مساء الخميس، وفق مصادر لـ"العربي الجديد"، إضافة إلى إحراج إيران التي لم تتوانَ عن اتهام الولايات المتحدة وإسرائيل بالوقوف وراء التظاهرات.

ومع استمرار الانتفاضة، يتصاعد القمع ضد المتظاهرين، ووصل إلى حدّ ملاحقة ناشطين في منازلهم وتصفية بعضهم وتهديد آخرين، إضافة إلى اعتقال مصابين من المستشفيات، بالتوازي مع زيادة أعداد القوات الأمنية في الشوارع واستمرار حظر التجول وقطع الإنترنت. وبقيت وعود السلطة بلا استجابة من الشارع، حتى إن مسعى عقد جلسة للبرلمان اليوم السبت لمناقشة مطالب المتظاهرين بدا مهدداً، مع دعوة زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر أعضاء كتلة "سائرون"، البالغ عددهم 54 نائباً، إلى تعليق عضويتهم في البرلمان، مع أنباء عن توجّه كتل أخرى لتعليق مشاركتها في مجلس النواب، بما يعطّل بالتالي أي دور للأخير.

وجاءت خطبة المرجع الديني علي السيستاني كما توقّعها مراقبون، بين تأييد مطالب المتظاهرين والدعوة إلى التعجيل بخطوات الإصلاح، وبين الدفاع عن موقف المرجعية الدينية من خلال إيراد أدلة على دعوات سابقة لها حول محاربة الفساد والإصلاح الحكومي في الدولة، وذلك في ما اعتُبر رداً على دعوات وشعارات أطلقها متظاهرون حملت انتقادات مباشرة للمراجع الدينية بصورة عامة على ما اعتبروه صمتاً من هؤلاء على الوضع المزري في البلاد، من تفاقم معدلات الفقر والبطالة إلى تردي الخدمات وتغوّل الفساد.
وألقى ممثل السيستاني، أحمد الصافي، خطبة المرجعية في العتبة الحسينية في مدينة كربلاء، أيّد فيها مطالب المتظاهرين من دون أن يشير إلى أحقيتهم في التظاهر، وهو ما اعتُبر من مختصين بشؤون المرجعية إشارة مهمة، فلو أيّد التظاهرات لكان شكّل ذلك ضوءاً أخضر لاتساعها ومشاركة شرائح أخرى. وطالب الصافي الحكومة العراقية بالاستماع إلى المتظاهرين، معتبراً أن الاعتداءات عليهم مرفوضة ومدانة، وكذلك التي وقعت على القوات الأمنية والممتلكات العامة والخاصة في بغداد وعدد من المحافظات، داعياً "الحكومة لأن تغير نهجها في التعامل مع مشاكل البلد وتدارك الأمور قبل فوات الأوان".

ودافع عن موقف المرجعية بالقول إن "المرجعية سبق أن طالبت بتغيير الكتل السياسية والقوى التي تمسك بزمام السلطة من منهجها في التعامل مع مشاكل البلاد، وأن تقوم بخطوات جادة للإصلاح ومكافحة الفساد، وتجاوز المحاصصة والمحسوبيات في إدارة الدولة وتشكيل لجنة من الأسماء المعروفة في الاختصاصات ذات العلاقة من خارج قوى السلطة، ممن يحظون بالمصداقية والكفاءة والنزاهة لتحديد الخطوات المطلوب اتخاذها في سبيل مكافحة الفساد وتحقيق الإصلاح المنشود، ولكن لم يتم الأخذ بهذا المقترح في حينه، والأخذ به في هذا الوقت ربما يكون مدخلاً مناسباً لتجاوز المحنة الراهنة". واعتبر أن مسؤولية الإصلاح تقع على البرلمان والقضاء اللذين يتحملان مسؤولية كاملة في مكافحة الفساد وملاحقة الفاسدين واسترجاع أموال الشعب منهم.

وعلى الرغم من عدم التأييد العلني للانتفاضة، إلا أن الدعم المبطّن يزيد من مأزق السلطات العراقية، وحتى إيران، التي كانت قد انتقدت الحراك، إذ اتهم خطيب جمعة طهران، محمد إمامي كاشاني، الولايات المتحدة وإسرائيل بالوقوف وراء تظاهرات العراق، لعرقلة إحياء مراسم أربعينية الحسين في أكتوبر/ تشرين الأول الحالي. وقال كاشاني في خطبة الجمعة أمس، إن "العدو عقد العزم على (مواجهة) الأمة الإسلامية، أميركا والصهيونية... تستهدفان الأربعينية والعراق، وتثيران أزمة لأنه من الصعب عليهما قبول وجود ملايين (الزوار الشيعة) في كربلاء". وأوضح أن "المشاكل والمعضلات القائمة ستتم تسويتها، وأن جموع الزوار ستشارك بقوة أكبر في مراسم الأربعين".


كذلك فإن الحكومة التي سعت إلى إنهاء التظاهرات في بغداد والجنوب العراقي بأي صورة، قبل بدء توافد ملايين العراقيين والأجانب على مدينة كربلاء لإحياء أربعينية الإمام الحسين، التي تصادف الأسبوع المقبل، بدا أن كل حراكها لم ينجح، فالوعود التي أطلقها عبد المهدي في ساعة مبكرة من فجر أمس الأول الجمعة، ليست بجديدة، وسمعها العراقيون في مناسبات انتخابية وبرامج حكومية من خمسة رؤساء حكومات سابقين، مثل وعوده بمرتبات شهرية لكل أسرة عراقية ليس لها دخل ثابت، ومحاربة الفساد وتقديم المتورطين بسرقة المال العام إلى القضاء ووعود أخرى تعتبر مكررة.

ويبدو أن الواقع الصعب الذي وجد عبد المهدي نفسه فيه، دفعه إلى التفكير في الاستقالة، إذ كشفت مصادر من داخل المنطقة الخضراء لـ"العربي الجديد" أن عبد المهدي عرض استقالته على عدد من القيادات السياسية، لكنها طالبته بالتريث كون الاستقالة في الوقت الحالي لا تُعتبر حلاً، وقد تُدخل البلاد في فوضى جديدة، من قبيل البحث عن بديل أو الذهاب لحكومة طوارئ أو حتى انتخابات مبكرة. وبحسب المصادر، فإن عبد المهدي حتى التاسعة والنصف من ليلة الخميس كان متجهاً لإعلان الاستقالة، غير أن قيادات سياسية، بعضها مقربة من فصائل "الحشد الشعبي"، طالبته بتأجيل الفكرة إن لم يرغب في إلغائها من الأساس.

في هذا الوقت، أُعلن أن البرلمان سيعقد جلسة اليوم السبت للنظر في طلبات المتظاهرين. ونقلت وكالة الأنباء العراقية عن النائب الأول لرئيس البرلمان حسن كريم الكعبي قوله "سنعمل على تشريع قانون المحرومية عبر تخصيص 5 في المائة من رواتب الرئاسات (البرلمان والجمهورية والوزراء) للمحرومين والمتعففين". ودعا الكعبي الحكومة إلى تخصيص 25 ألف فرصة عمل لحملة الشهادات العليا.

لكن الإعلان عن جلسة للبرلمان بدا غريباً، فحتى عصر أمس لم يعلن المتظاهرون عن طلبات مكتوبة ولم يصل أي ممثل منهم إلى مبنى البرلمان في اليومين الماضيين، على الرغم من الإعلان عن فتح البرلمان مكتبه لاستقبال أي طلب منهم. كما أنه من غير المعروف ما إذا سيحضر إلى البرلمان أعضاء كتلة "سائرون"، البالغ عددهم 54 نائباً، أو النواب الموجودون في المحافظات الجنوبية البعيدة كالبصرة والقادسية، خصوصاً مع استمرار حظر التجوال في بغداد و6 محافظات جنوبية.

وكان زعيم "التيار الصدري"، مقتدى الصدر، قد أصدر بياناً أمس طالب فيه أعضاء "سائرون" بتعليق عضويتهم في البرلمان. وأضاف في وثيقة موقّعة باسمه "سارعوا فوراً إلى تعليق عضويتكم وبلا توانٍ، فهذا أملي بكم، وعدم الحضور إلى مجلس النواب إلى حين صدور برنامج حكومي يرتضيه الشعب والمرجعية سيحتاج فيه إلى أصواتكم الحرة"، متابعاً "كما وأنصح باقي الكتل إلى التأسي بهذا القرار إرضاء لله تعالى والشعب والمرجعية". واختتم رسالته بالقول "كفاكم ظلماً للشعب العراقي". وكان الصدر قد دعا في وقت سابق من يوم الأربعاء إلى الإضراب العام "دعماً لمطالب المتظاهرين المشروعة".
في غضون ذلك، دعا محافظ كربلاء نصيف الخطابي، في حديث لمحطة تلفزيون محلية، إلى تأجيل التظاهرات إلى ما بعد زيارة أربعينية الإمام الحسين للسماح بخدمة الزوار والوافدين إلى المدينة.

على الأرض، شهد يوم أمس تظاهرات عدة اتسمت بسرعة فضّها وكذلك سرعة إعادة تجمّعها مرة أخرى، خصوصاً في شارع النضال وساحة الخلاني وساحة الطيران وكراج النهضة في بغداد، بينما شهدت مناطق بغداد الشعبية، مثل الفضل والحسينية والزعفرانية وسبع البور وحي أور والصدر والعبيدي والأمين وفلكة صباح الخياط، تظاهرات داخل تلك المناطق أقرب إلى كونها تجمّعات بسبب إغلاق المناطق وفرض إجراءات مشددة.

كذلك شهد الجنوب تظاهرات في مناطق عدة، في القادسية وذي قار والنجف والبصرة وواسط وميسان على وجه التحديد، وفي مدن عدة من تلك المحافظات، بدا فيها أن قوات الأمن أكثر بأضعاف من عدد المتظاهرين الموجودين. كذلك تمت إعادة الكتل الإسمنتية في مناطق عدة، بينما تنّوعت شعارات ويافطات التظاهرات اليوم من قبيل "لا نريد واحد ملتحي نريد واحد يستحي"، و"كافي ملينه"، و"ساعة السودة الي شفناكم".

وكان لافتاً أمس أن قسماً من المتظاهرين كانوا ملثمين، بسبب الاعتقالات التي طاولت حتى الآن أكثر من 300 متظاهر وناشط في العاصمة وحدها، كما طاولت نحو 20 جريحاً اعتُقلوا من مستشفى الكندي والشيخ زايد في بغداد ومدينة الطب. كذلك شهدت بغداد اغتيال ناشط ومخرج تلفزيوني يدعى هشام فارس قاسم، خلال وجوده في منطقة الباب الشرقي، في وقت سُجل فيه اختفاء ناشط آخر يرجح اعتقاله يدعى علي المعموري، بعد يوم من اغتيال الناشط حسين عادل وزوجته يوم الخميس بعد اقتحام منزلهما في البصرة في رسالة اعتبرت تهديداً للناشطين في المحافظة. كذلك أكدت مصادر وصول رسائل تهديد على هواتف ناشطين آخرين في الناصرية والديوانية والنجف جنوبي العراق من أرقام هواتف مجهولة.


(شارك في التغطية: عادل النواب، زيد سالم، محمد علي)