سجناء التسعينيات في الجزائر: ملف مفتوح منذ أزمة 1992

سجناء التسعينات في الجزائر: ملف مفتوح منذ أزمة 1992

06 يونيو 2018
قضية هؤلاء المساجين من الملفات العالقة لأزمة1992(عبدالحق سنا/فرانس برس)
+ الخط -
عادت قضية ما يُعرف في الجزائر بقضية "المساجين السياسيين" إلى الواجهة، بعدما أطلق ناشطون وحقوقيون في البلاد حملة وطنية ودولية للمطالبة بالإفراج عن 160 سجيناً محكوماً عليهم بالإعدام والمؤبد، بينهم عسكريون ومدنيون اعتُقلوا بداية الأزمة السياسية والأمنية في البلاد عام 1992، بسبب انتمائهم لـ"الجبهة الإسلامية للإنقاذ" بعد حظرها في مارس/آذار 1992، أو التعاطف معها. واتُهم هؤلاء بتخطيط وتنفيذ عمليات إرهابية، من قِبل محاكم عسكرية ومحاكم خاصة واستثنائية أنشأتها السلطات بعد انقلاب يناير/كانون الثاني 1992، ويشكك الحقوقيون في دستوريتها وعدالتها وفي الأحكام التي أصدرتها، ويطالبون بإعادة المحاكمات، فيما ترفض السلطات توصيفهم بمساجين سياسيين، لتبقى أسئلة معلّقة عن عدم استفادتهم من تدابير العفو التي ينصّ عليها قانون المصالحة الوطنية الصادر عام 2005.

ويعيد الاعتصام الذي نظّمه ناشطون في الجزائر للمطالبة بالإفراج عن 160 سجيناً منذ بداية التسعينيات، فتح ملف آخر من ضمن الملفات العالقة في أزمة التسعينيات والعشرية السوداء التي مرت بها الجزائر في تلك الفترة، التي شهدت فوضى أمنية وسياسية بعد استقالة الرئيس الشاذلي بن جديد في 12 يناير 1992، وتولي الجيش زمام الأمور عبر مجلس أعلى للدولة وتوقيف المسار الانتخابي مباشرة بعد فوز "جبهة الإنقاذ" في الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية التي جرت في 26 ديسمبر/كانون الأول 1991، وكان مقرراً أن تجري الجولة الثانية في 16 يناير 1992. وأقدمت السلطات لاحقاً على اعتقال العشرات من كوادر "جبهة الإنقاذ" والزج بهم في السجون والمعتقلات، ووجّهت إلى عدد منهم تهماً تتعلق بأمن الدولة والتخطيط لعمليات إرهابية، كما تم "تطهير" صفوف الجيش والأمن من المتعاطفين مع الإسلاميين وإحالتهم إلى محاكم عسكرية.

وعلى الرغم من الإفراج لاحقاً عن غالبية المعتقلين والمساجين والمتورطين في قضايا الإرهاب بعد إقرار قانون المصالحة الوطنية عام 2005، فإن 160 سجيناً بينهم عسكريون صدرت في حقهم أحكام بالمؤبد والإعدام بتهم لها صلة بانتمائهم بالنسبة للمدنيين أو تعاطفهم بالنسبة للعسكريين مع الإسلاميين، ما زالوا في السجون وترفض السلطات الجزائرية أن يشملهم قانون المصالحة.

ويؤكد المتحدث باسم تنسيقية عائلات المساجين السياسيين مصطفى غزال، الذي قضى فترة في السجن بسبب انتمائه إلى "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" في التسعينيات، أن عائلات هؤلاء المساجين "استنجدت بالرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، وسلّمنا رسائل إلى الرئاسة باسم التنسيقية بشكل مباشر وعن طريق شخصيات وطنية، والتقى ممثلون على علاقة بقضية هؤلاء المساجين برئيس الحكومة السابق عبدالمالك سلال ورئيس الحكومة الحالي أحمد أويحيى للمطالبة بشمولهم بالعفو واعتبار قضيتهم قضية سياسية تتصل بانتمائهم ومواقفهم". ويضيف "لكن رئاسة الجمهورية لم ترد علينا وباقي المسؤولين يطلقون تصريحات تنفي الطابع السياسي عن هؤلاء المساجين ويقولون إن الجزائر ليس فيها مساجين سياسيون، وأن هؤلاء المعنيين بمطالباتنا ليسوا مساجين سياسيين، وإن قانون المصالحة الصادر عام 2005 الذي يتيح العفو يستثنيهم، وهذا ليس صحيحاً ويمكن تقديم قرارات إحالتهم كدليل"، معتبراً أن "الزعم بعدم وجود سجناء سياسيين مغالطة للرأي العام الدولي، لأنهم سجناء بسبب أزمة سياسية عاشتها البلاد بعد الانقلاب العسكري".

ويستغرب غزال عدم شمول هؤلاء المساجين بالعفو، "على الأقل أسوة بقادة تنظيمات مسلحة كانت لديهم مسؤولية مباشرة عن مجازر وعمليات دامية، كقائد الجماعة السلفية للدعوة والقتال حسان حطاب الذي استفاد من العفو عام 2007"، قائلاً إن "أصحاب المحاكم العسكرية استثنوا هؤلاء السجناء من قانون المصالحة ولهذا لم يُطلق سراح أحد مهما كانت التهمة الموجهة له، بينما هؤلاء كلهم يشملهم قانون المصالحة لأنهم لم يعيشوا المرحلة التي حصلت فيها جرائم الاغتصاب والمجازر والتفجيرات في الأماكن العامة، وهي التهم الثلاث التي يُستثنى أصحابها من تدابير العفو وفقاً لقانون المصالحة".

لكن السلطات الجزائرية ترفض بشكل كامل الإقرار بوجود مساجين سياسيين في سجونها، وتعتبر أن هؤلاء مدانون في قضايا تتصل بالإرهاب، ولم يكن ممكناً شمولهم بقانون المصالحة الوطنية الصادر عام 2005، بسبب عدم شموله العسكريين الذين رفضوا تطبيق أوامر عسكرية، واستثنائه للمتهمين في قضايا اغتصاب وتفجير أماكن عامة وارتكاب مجازر، وهي التهم الموجّهة لعدد من هؤلاء المساجين. وأكد وزير العدل الطيب لوح، أكثر من مرة، أن السجون الجزائرية خالية من أي سجين سياسي أو معتقل بسبب مواقفه وآرائه السياسية، مشدداً على أن العدالة الجزائرية لا تعاقب أي شخص بسبب مواقفه وآرائه السياسية. واعتبر في آخر تصريح له بشأن الملف قبل فترة، أن "هؤلاء المساجين تم الحكم عليهم بسند قانوني"، وهو الموقف نفسه الذي أعلنه رئيس الحكومة أحمد أويحيى في مؤتمر صحافي سابق.


لكن الناشط الحقوقي الذي أطلق الحملة الجديدة، حسان بوراس، يقول إن ما يجعل هؤلاء مساجين سياسيين، هو الطابع والظروف والخلفيات السياسية التي تم على أساسها اعتقالهم في التسعينيات. ويؤكد بوراس لـ"العربي الجديد" أن "هؤلاء السجناء الـ160 لا يزالون في السجون الجزائرية منذ 26 سنة بسبب آرائهم ومواقفهم السياسية"، مضيفاً "لقد جرت محاكمتهم وعقابهم من قِبل محاكم عسكرية ومحاكم خاصة بعد الانقلاب العسكري عام 1992، ومن قِبل محاكم لم تحظَ بأبسط شروط المحاكمة العادلة، ونحن من خلال هذه الحملة نناشد الضمائر الحية في الجزائر وخارجها من أجل الضغط المكثّف على النظام لإيقاف هذه المأساة التي ما زالت مئات العائلات تعاني من تبعاتها المؤلمة".

ويرى بوراس أن استمرار حبس هؤلاء المساجين غير مقبول على اعتبار أن "قانون المصالحة الوطنية تمّت المصادقة عليه من خلال استفتاء شعبي واسع عام 2005، وهذا يجعل السجناء السياسيين بقوة القانون لهم الحق الدستوري في إطلاق سراحهم، لأنه لم تشملهم الاستثناءات المنصوص عليها في القانون، ولا يوجد أي مبرر لتعطيل القانون في حقهم"، معتبراً أن "احتجازهم حتى اليوم هو بمثابة الخرق الحقيقي لحق الإنسان وفضيحة سياسية لا يمكن السكوت عنها".

بالنسبة للكثيرين يبقى السؤال معلّقاً حول عدم استفادة هؤلاء المساجين من قانون العفو، وهم اعتُقلوا مبكراً في السنوات الأولى للأزمة السياسية والأمنية التي شهدتها البلاد، وأغلبهم لم يحمل السلاح ضد الدولة، واعتُقل في فترة لم تكن قد حدثت فيها مجازر أو عمليات اغتصاب أو تفجيرات، وهي التهم الثلاث التي يستثني قانون المصالحة أصحابها من العفو. ويقول الناشط الحقوقي الجزائري البارز، عبد الغني بادي، لـ"العربي الجديد"، إن "هذا هو السؤال الذي ترفض السلطة الإجابة عنه وترفض حتى مناقشته، وتدير ظهرها للمطالبين بحقوق المساجين السياسيين الذين حكمت عليهم المحاكم الخاصة والمحاكم العسكرية بأحكام بين المؤبد والإعدام وقد قضوا ربع قرن من الزمن في السجون"، مضيفاً أن "المفارقة أن جلّهم لم يحملوا السلاح أصلاً ولم يثبت تورطهم في أعمال إرهابية، فالمسجونون بين المؤبد والإعدام أغلبهم من الذين أوقفتهم السلطات حتى قبل بداية الأعمال الإرهابية وحوكموا بالانتماء لجبهة الإنقاذ، فيما المفارقة أننا نجد قادة الجماعات الإرهابية يتحركون كيفما ومتى شاؤوا، بينما يقبع شيوخ كانوا شباباً منذ ربع قرن في السجون".

ويؤكد الناشط الحقوقي أن ما يجب أن يثار في هذه القضية، هو نوعية المحاكمات في تلك الفترة، وهل فعلاً كانت محاكمات تستجيب لمعايير المحاكم العادلة. ويضيف أن "طبيعة تلك المحاكم التي كُلفت بمحاكمة المتهمين في تلك الفترة الحالكة من تاريخ الجزائر، سواء كانت محاكم خاصة أو عسكرية، كانت خارج الإطار الدستوري، وكان من الضروري إعادة المحاكمة على الأقل بعد هدوء الأوضاع واستتباب الأمن والاستقرار"، مقدّماً مثالاً على ذلك قضية تفجير المطار، "فبين تاريخ الوقائع وتاريخ تنفيذ حكم الإعدام 9 أشهر فقط، وهذا جنون سياسي، وكل الأحكام التي كانت تُصدرها تلك المحاكم في تلك الظروف الاستثنائية، كانت في ساعات وفي محاكمات صورية، والأحكام فيها مسبقة وعلى أساس الانتماء السياسي وليس على أساس الوقائع".

ويعتبر بادي أن "السلطات تتعسف في إعادة النظر في الملفات بما يتناسب مع قانون السلم والمصالحة، فهناك انتقائية غير مبررة، عدا عن حالات ظهر فيها نوع من العدائية والخصومة، مثلما يحدث مع أحد المساجين وهو عسكري وابن القيادي في ثورة تحرير الجزائر المتوفى عمارة بوقلاز، المتهم بالتورط في قضية المطار عام 1992، والذي نجا من تنفيذ حكم الإعدام من المجموعة، واستثني حسب قانون المصالحة".

وفي وقت سابق حاولت قيادات سابقة في تنظيم ما كان يعرف بـ"الجيش الإسلامي للإنقاذ" المنحل عام 1999، بعد صدور قانون الوئام المدني، إثارة قضية هؤلاء المساجين مع السلطات، بحسب أحمد بن عائشة أحد قادة هذا التنظيم، في ندوة خُصصت للملف احتضنها مقر "جبهة القوى الاشتراكية" قبل فترة، لكنه أكد أن هذه المساعي ما تزال متواصلة لدفع السلطات إلى حل الملف.

المساهمون