الشباب والأحزاب في الجزائر... قطيعة وأبواب موصدة

الشباب والأحزاب في الجزائر... قطيعة وأبواب موصدة

01 يونيو 2018
1 % من الشباب منخرطون في الأحزاب(رياض قرامدي/فرانس برس)
+ الخط -


أظهرت نتائج مؤتمرات عامة عقدت في الجزائر أخيراً لثلاثة أحزاب سياسية، وهي جبهة القوى الاشتراكية والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وحركة مجتمع السلم، نقصاً لافتاً في حضور الكوادر الشبابية في الهيئات القيادية المنبثقة عن هذه المؤتمرات، ما يعني أن أغلب الأبواب موصدة أمام إمكانية وصولهم إلى مراكز القيادة.

وما زالت أحزاب سياسية في الجزائر تحتفظ في الصف الأول بقيادات تجاوزت الـ70 سنة، وقيادات أخرى تقود هذه الأحزاب منذ أكثر من عقدين، برغم وجود زخم شبابي كبير في الجزائر. ويأتي حزب جبهة التحرير الوطني في مقدمتها، إذ تجاوز عمر أمينه العام جمال ولد عباس الـ78 سنة، ويلاحقه في العمر عدد كبير من قيادات الصف الأول في الحزب. كما ظلت الأمينة العامة لحزب العمال، لويزة حنون، تمسك بزمام الحزب منذ 20 سنة، وبقي القيادي الإسلامي، عبد الله جاب الله، على رأس ثلاثة أحزاب سياسية، أسسها منذ العام 1989، في مقابل عدد قليل من الأحزاب السياسية التي أمسك بزمامها شباب من جيل سياسي جديد تختلف اهتماماته وتصوراته وأدوات نضاله السياسي.

ولا يطمح جمال بلخضيري، المناضل في "جبهة التحرير الوطني"، في بلوغ مناصب قيادية في الحزب. ويعتقد جمال، البالغ من العمر 32 سنة، والتحق بالحزب منذ ما يقرب الأربع سنوات، أنه من الصعب تجاوز السلم القيادي في "جبهة التحرير"، بسبب وجود قيادات على مستويات متعددة تتمسك بمنصبها، رغم كبر سنها أو إخفاقها السياسي وترفض ترك مكان للشباب. ويقول جمال، لـ"العربي الجديد"، إنه "من الصعب إقناع القيادات بضرورة التجديد ومنح الشباب فرصتهم من جهة، ومن جهة ثانية لأن الشباب في حد ذاته لا يملك آليات افتكاك المواقع المتقدمة بسبب غموض آليات الترقية السياسية في الحزب". ويضيف "لا دمقرطة في الحزب، وجل القياديين فيه من الشيوخ، الذين يعتبرون أنهم فقط من يمثلون الفكر السياسي، وأنهم الأجدر بالمناصب القيادية، وأن الشباب غير ناضج سياسياً لتسلم المسؤولية بعد"، وهو ما يردده بوضوح الأمين العام للحزب جمال ولد عباس.

وعلى صورة جمال أيضاً، يمثل خالد حالة متفردة في النشاط الشبابي في حركة مجتمع السلم. قد لا يبدو الشاب خالد مسروراً بسبب عدم حصوله على عضوية هيئة قيادية في الحركة خلال المؤتمر الذي عقد أخيراً. وهو يعتقد أنه يتعين بذل مزيد من التركيز على دفع الشباب لاكتساب صفات قيادية عبر إدماجهم في المؤسسة السياسية والهيئات القيادية، لكنه يقول إن الحزب الذي ينتمي إليه "نسبياً، ومقارنة بأحزاب أخرى، أكثر إدماجاً للشباب في العمل السياسي". ويعبر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، عن اعتقاده أن "ثمة مسألة تتعلق بالقناعات، لأنه يوجد فرق بين شباب يقتنع بالمشروع السياسي ويناضل لأجله، وهذا يمثل عددا قليلا من الشباب، وبين شباب يتطلع إلى مغانم أو مناصب في هذا الحزب أو ذاك".



وعندما يقارن الشاب الجزائري نفسه بشباب تمكنوا من الوصول إلى مواقع متقدمة في سلم السلطة، في دول غربية وعربية، وسنهم لم تتجاوز الأربعين سنة، بينهم الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، ورئيس وزراء بلجيكا، شارل ميشال، ورئيس الحكومة في تونس، يوسف الشاهد، فإنه يجد نفسه بعيداً جداً عن هذا الوضع، في مجتمع تبلغ نسبة الشباب فيه 75 في المائة. ويفسر هذا المشهد السياسي المتناقض كلياً، بين ضعف تمثيل سياسي وبين حيوية اجتماعية متجددة، العزوف اللافت للشباب عن الانخراط في العمل السياسي في الجزائر. وترتبط أسباب هذا العزوف بجملة من الأسباب، فإضافة إلى ضعف التمثيل الشبابي داخل الهياكل القيادية للأحزاب، واستغلال هذه الأخيرة للشباب كورقة في الانتخابات دون تمكينهم فعلياً من تسلم مواقع متقدمة، يأتي انحراف دور المؤسسة الحزبية في الجزائر من مؤسسة تنشئة سياسية ومدنية إلى سلم اجتماعي للمغانم المادية والسلطة والنفوذ، وكذلك التراجع الرهيب لدور التنظيمات الشبابية والطلابية والكشفية وغيرها في تأطير الشباب، بالإضافة إلى الإحباطات الاجتماعية والسياسية المتلاحقة في البلاد.
ويكشف استطلاع لـ"تجمع عمل شبيبة" أجري في 41 ولاية، نفوراً مبالغاً فيه لدى الشباب من الفعل السياسي، وعزوفاً لافتًا للشباب الجزائري عن العمل المدني والنقابي، إذ إن واحداً في المائة من الشباب الجزائري منخرط في الأحزاب السياسية، وثلاثة في المائة شاركوا في نشاط حزبي في فترات عابرة، كالانتخابات مثلاً، فيما يكاد الانخراط في النقابات يكون معدوماً، فهو لا يتجاوز نسبة 0.2 في المائة، فيما 81 في المائة لم يسبق لهم ممارسة عمل مع جمعيات.

ويشير الاستطلاع إلى أن 43 في المائة من الشباب الجزائري لهم موقف سلبي حيال الأحزاب السياسية، ويعتبرون أنها صواعد اجتماعية لأشخاص معينين من قياداتها، من دون إفساح مجال للشباب، سواء في السلم القيادي أو في الترشح لمواقع المسؤولية بشكل عام. ويعود يأس الشباب من العمل السياسي في الجزائر إلى الإحباط من ضمور سلطة المؤسسات المنتخبة وهيمنة الإدارة وضعف تأثير المؤسسة الحزبية في الشأن العام وفي القرارات الحكومية، إذ يعتبر 78 في المائة من الشباب في الجزائر، بحسب الاستطلاع، أن هذه المؤسسات ليس لها أي معنى، و37 في المائة يعتبرون أنها صورية لا تتمتع بأية سلطة، فيما لا ينتظر 41 في المائة شيئاً من البرلمان والمجالس المنتخبة. وبغض النظر عن مدى صدقية هذا الاستطلاع، فإنه يبدو مطابقاً للواقع السياسي في الجزائر، ويفسر إلى حد بعيد نسبة العزوف الشبابي عن الانتخاب، والتي بلغت 57 في المائة في المجموع، و72 في المائة لدى الشباب. وقد تكون المشاكل الاجتماعية والبطالة وضيق الأفق المعيشي دافعاً لعزوف الشباب عن الأحزاب والانخراط في العمل السياسي والجمعيات.

ويقدر أحمد صادوق، الذي يشرف على أكاديمية "جيل الترجيح" لتكوين القيادات الشبابية، أن الاحباط الاجتماعي هو أكبر دافع وراء عزوف الشباب عن العمل السياسي في الجزائر. ويقول، لـ"العربي الجديد"، "لاحظنا خلال الحملات الانتخابية إحباطاً كبيراً لدى الشباب، ويأساً من إمكانية التغيير في الانتخابات والأحزاب". ويوجه صادوق انتقادات للأحزاب الجزائرية لعدم إشراك الشباب في القيادة، والالتفات إليهم فقط خلال المواعيد الانتخابية والاستحقاقات السياسية. ويقول "سيزداد إحباط الشباب وعزوفه عن الانخراط في الأحزاب السياسية عندما نرى أن بعض الأحزاب مثلاً قياداتها لم تتغير منذ عقدين، مع ضعف تمكين الشباب من الترشح في الانتخابات والتواجد في الهيئات القيادية". لكن مدير أكاديمية "جيل الترجيح" يحمل السلطة جانباً من المسؤولية في عزوف الشباب عن العمل السياسي، معتبراً أن "التضييق على جمعيات المجتمع المدني التي كان يمكن أن تتحول إلى محاضن للتنشئة السياسية، يساهم في صد الشباب عن الانخراط في المجتمع المدني". ويشير إلى أن السلطة قامت، إعلامياً وسياسياً وإدارياً، بتشويه صورة الأحزاب السياسية، بما فيها أحزاب الحكومة وقياداتها وممثلوها لدى الرأي العام، لمنع أي تكتل شبابي حولها، ولكي تبقى السلطة هي المؤشر والمطمح الأول بالنسبة للشباب. يشار إلى أنه لا يوجد هيئات شبابية في كبرى الأحزاب السياسية، كجبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، غير أن أحزاباً سياسية جزائرية، خصوصاً تلك المحسوبة على صف المعارضة، انتبهت لهذه المعضلة، وبادرت إلى إنشاء مدارس للتكوين السياسي للشباب، إذ أنشأت حركة مجتمع السلم أكاديمية "جيل الترجيح"، وأسس حزب العمال اليساري "منظمة شباب الثورة"، وأنشأ التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية "هيئة الشباب الديمقراطي"، فيما تتبع منظمة "راج" الشبابية لجبهة القوى الاشتراكية. غير أن هذه الهيئات ما زالت في طور تكوين كوادر سياسية، ولم يظهر تأثيرها بعد في المشهد القيادي للأحزاب السياسية.

المساهمون