فرصة أخيرة لإنقاذ "النداء": إبعاد السبسي الابن وقيادة مؤقتة

فرصة أخيرة لإنقاذ "النداء": إبعاد السبسي الابن وقيادة مؤقتة

17 يناير 2016
السبسي يردد دائماً أنه لا يسعى للتوريث(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
وجد الرئيس التونسي والرئيس المؤسس لحزب "نداء تونس" الباجي قائد السبسي، نفسه أمام أزمة متفاقمة في الحزب، مع موجة الاحتجاجات على مخرجات مؤتمر سوسة، والتي تراوحت بين الاستقالة الكاملة وتجميد العضوية من الحزب، ورفض الانضمام إلى الهيئة التأسيسية التي أقرها المؤتمر، ووصلت إلى حد الإعلان عن تيار جديد داخل الحزب.

 أمام هذه الأزمة، لم يجد السبسي بداً من التضحية، مرة أخرى، بنجله حافظ، فجاءت المبادرة التي قدّمها الرئيس المؤسس لـ"النداء"، أول من أمس الجمعة، لتُبعد من جديد حافظ السبسي وبعض القيادات الأخرى من إدارة الحزب، وتكلّف مجموعة أخرى بالإعداد لمؤتمر الصيف المقبل، الذي سيصله الحزب مُجرّداً من قيادات بارزة فيه، كانت تُشكّل مصدر قوته، في مقابل منافسين تتزايد قوتهم، فيما تهيمن المبادرة الجديدة على "الندائيين" بانتظار خروج مواقف علنية ستكون كفيلة بتحديد مصير المبادرة، وما إذا كانت ستؤدي إلى إنقاذ "النداء" من أزمته. ووفق معلومات "العربي الجديد"، فإن مقترح السبسي الأب، يتمثّل في إعفاء حافظ قائد السبسي من مهامه في الهيئة السياسية المتمثلة في الإدارة التنفيذية لـ"نداء تونس" على أن يقود كل من بوجمعة الرميلي ورضا بلحاج وسلمى اللومي، الحزب لغاية عقد المؤتمر. وبحسب معلومات "العربي الجديد"، من الممكن أن تنضم شخصية رابعة لهذه القيادة، ومن المرجح أن تكون ناصر الشويخ، في حين يبقى بلحاج متردداً لأن هذا المنصب الجديد، في حال موافقته عليه، سيكلفه الخروج من قصر قرطاج، إذ يشغل مهمة مدير الديوان الرئاسي.
وكان الرميلي، قد دعا الهيئة السياسية المنبثقة من مؤتمر سوسة إلى "تقديم استقالتها على أن يتم تكليف هيئة سياسية جديدة لا يشوبها الانحياز أو الإقصاء أو الاحتكار، لتنظيم مؤتمر انتخابي في أربعة أشهر".

وتؤكد معلومات "العربي الجديد"، أن حافظ السبسي كان معترضاً في البداية على أن يكون كبش الفداء من جديد، إلا أنه أصبح أكثر ليونة وتفهّماً لمبررات إبعاده، ولكنه يريد أن تكون القيادة الجديدة المقترحة متوازنة.

ويكشف قياديون من الحزب لـ"العربي الجديد"، أن الباجي قائد السبسي يكثّف الاجتماعات بغية الوصول إلى توافق حول القيادة المقترحة، والتي يُفترض أن يحسم فيها اجتماع اليوم الأحد الذي تأخر عقده مرتين، ولكنها ستشكّل أيضاً مصدر خلافات أكيدة، في حزب أصبح نشاطه الوحيد كما يبدو إدارة الأزمات.

وتعمّقت أزمة "النداء" مع سلسلة استقالات ضربته، تداول عليها وزراء في الحكومة ونواب في البرلمان وقياديون بارزون ومؤسسون في الحزب، ولم تقتصر على يساري أو نقابي، وإنما شملت أيضاً "دستوريين" و"تجمعيين" معروفين (نسبة لحزب التجمّع المنحل)، ووصلت إلى مستقلين معروفين فكرياً، على غرار وزير الصحة سعيد العايدي، الهادئ جداً عادة، والمعروف بولائه للسبسي.

اقرأ أيضاً: كتلة نيابية واستقالات جديدة داخل "نداء تونس"

وتحدّث الجميع من دون استثناء عن "انقلاب على تفاهمات ما قبل مؤتمر سوسة" الذي كان يُفترض أن يكون توافقياً، خصوصاً حول القيادة الواسعة جداً التي أقرها لإرضاء أكبر عدد ممكن من شخصيات الحزب الكبيرة. غير أن التوافق الذي برز يوم الأحد الماضي، سقط بسرعة كبيرة، ما شكّل ضربة للحزب تتجاوز بكثير انسلاخ الأمين العام السابق محسن مرزوق وتأسيس حزب جديد.

ويعتبر قياديون من "النداء" تحدثوا لـ"العربي الجديد"، أن انسلاخ تيار ما يُعرف باليساريين كان منتظراً، ويبقى معقولاً وقابلاً للتفسير، أما ما حدث في الأيام الأخيرة فقد وصل بالأزمة إلى "العظام"، وأصبح يهدد الحزب من قواعده بما ينذر بالسقوط الكامل.

وعلى الرغم من أن كل المنسحبين والمستقلين والمحتجين الآخرين لم يتحدثوا إلا بطريقة غير مباشرة عن جوهر الموضوع، واكتفوا بالإشارة إلى توصيفات عامة للأزمة، إلا أن دعوة بعض القيادات حافظ قائد السبسي "لأن يتغلّب على نفسه ويقدّم مثالاً في نكران الذات"، حوّلت كل الأنظار إلى حافظ، لتضعه مرة أخرى في مواجهة مساعي الإصلاح وكل التكتيكات التي وضعها والده في محاولة لإنقاذ الحزب.

هذا الأمر يعيد إبراز دور حافظ قائد السبسي، في الحزب الذي يقف اليوم في مواجهة أعتى أزماته التي ستؤثر بتداعياتها في المشهد التونسي بالكامل. فالسبسي الابن كان من المؤسسين الفعليين لـ"نداء تونس"، ولكنه لم يكن بعد تشكيله في الصف الأول، ولم يكن أحد يتوقع أن يقوم بدور رئيسي في الحزب أو في الحياة السياسية بشكل عام. ولا يتوقّع كثيرون، حتى من مقربيه، إلى اليوم أن يكون له دور قيادي في المستقبل لأنه أصلاً لا يحمل مواصفاته، ويؤكدون أيضاً أنه لا يحمل هكذا طموحات، وإنما ألقت به الظروف في قلب المعركة، عندما اندلعت أزمة "النداء".

ولكن حافظ السبسي الذي أكد منذ أشهر أنه لن يترشح لا لرئاسة الحزب ولا لرئاسة الدولة، يرفض في المقابل أن يكون بعيداً عن الحزب الذي شارك في تأسيسه، ويصرّ على القيام بدور ما في الحياة السياسية، وإن كان ثانوياً.

غير أن مخرجات مؤتمر سوسة، أعادت التهم نفسها التي وُجّهت لوالده بالسعي إلى التوريث، فتعيين حافظ مديراً تنفيذياً وممثلاً قانونياً للحزب بعد خروج مرزوق وجماعته، جاء وكأنه يفتح الطريق أمام الابن للقيادة. ولكن السبسي الأب يردد دائماً أنه لا يسعى للتوريث مطلقاً، وهو ما أكده الخميس مرة أخرى في خطابه بمناسبة الذكرى الخامسة للثورة. غير أنه أسرَّ مرات كثيرة في لقاءات خاصة، أنه لا يريد أيضاً أن يظلم ابنه مرة أخرى، بعدما طلب منه أن يسحب ترشحه من الانتخابات التشريعية السابقة، وأنه لا يجوز إقصاؤه لمجرد أنه نجله.

ولكن موافقته، أو على الأقل عدم معارضته، على تعيين ابنه في هذا المنصب بعد المؤتمر، تُعتبر خطأ كبيراً بعد الأزمة التي أحدثها والتي باتت تهدد وجود الحزب أصلاً. وحتى أقرب المقربين من السبسي الأب، الذين دافعوا عنه وعن مساره التصحيحي، أصبحوا اليوم في الشق المقابل، ويرفضون هذه القرارات، من دون أن يعني هذا تلخيص أزمة "النداء" في حافظ قائد السبسي، وإنما يعترضون على كامل التشكيلة التي أفرزها مؤتمر سوسة، بحسب قيادات عديدة تحدثت لـ"العربي الجديد". ولا تخفي هذه القيادات أنها لا ترى في الأفق حلاً لذلك، وأصبحت ترى مستقبل الحزب مخيفاً، ومهدداً بالضربة القاتلة.

لكن الطرح الذي قدّمه الباجي قائد السبسي بتكليف هيئة سياسية جديدة، يعني إسقاط مؤتمر سوسة أيضاً، ما يجعل العديدين يطرحون سؤالاً عما يُنتظر من حزب ينفي بالكامل مؤتمره، بعد أيام من انتهائه؟

اقرأ أيضاً: نواب بـ"الاتحاد الوطني الحر" يرفضون الاندماج وكتلة "نداء تونس"