ما وراء سياسة الرفض الإسرائيلي لوقف الحرب على غزة

ما وراء سياسة الرفض الإسرائيلي لوقف الحرب على غزة

19 فبراير 2024
لم تؤثر تظاهرات أهالي الأسرى على الحكومة الإسرائيلية (أحمد غرابلي/فرانس برس)
+ الخط -

الحالة الاقتصادية لم تتحول لعامل ضغط لوقف الحرب على غزة

المجتمع الإسرائيلي يتحمل خسائر الجيش

إسرائيل تبادر للتسخين في الضفة الغربية

تتزايد المؤشرات على أن الحكومة الإسرائيلية تتجه نحو استمرار الحرب على غزة وتعطيل مسار التفاوض حول تحرير الأسرى والمخطوفين الإسرائيليين ووقف النار، ولو بشكل مؤقت.

يأتي هذا على الرغم من وجود عوامل ضغط جدية، كان يتوقع أن تدفع باتجاه وقف الحرب على غزة بعد دخولها الشهر الخامس، من جهة، واستخدام أدوات الترغيب، خصوصاً من قبل الإدارة الأميركية وشركائها العرب، من جهة أخرى.

ولغاية الآن تتبنى الحكومة الإسرائيلية سياسات الرفض من دون أن يؤدي ذلك إلى إسقاطات سياسية جدية، أو إلى تفكيك التحالف مع حزب "المعسكر الرسمي" بقيادة بيني غانتس، أو إلى حركات احتجاج جدية في المجتمع الإسرائيلي.

من أدوات الضغط التي كان يتوقع أن تؤثر على الحكومة والمجتمع في إسرائيل باتجاه وقف إطلاق النار والتوصل الى صفقة تبادل، نجد الخسائر البشرية للجيش الإسرائيلي، والتي بلغت، وفقاً لموقع الجيش، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قرابة 570 قتيلاً، منهم نحو 240 منذ بداية الاجتياح البري في 27 أكتوبر الماضي.

هذه أرقام ليست كبيرة كما توقع الجيش الإسرائيلي قبيل انطلاق الحرب، لكنها ليست أرقاما قليلة بالمفاهيم الإسرائيلية. بالإضافة إلى آلاف الجرحى، ومنهم قسم كبير مع إصابات صعبة وإعاقات دائمة.

المجتمع الإسرائيلي يتحمل خسائر الجيش

كان من المتوقع أن تشكل هذه الأرقام ضغطاً جدياً على الحكومة الإسرائيلية باتجاه وقف الحرب على غزة والتوجه إلى عملية تبادل أسرى ومخطوفين.

رفع نتنياهو وغالانت سقف تصريحاتهما حول استمرار الحرب على غزة

إلا أن المجتمع الإسرائيلي ما زال يتحمل هذه الخسائر، ولا يوجد أي مطلب أو حركات احتجاج تطالب بوقف الحرب بسبب الخسائر البشرية للجيش. صدمة السابع من أكتوبر الماضي ما زالت تؤثر على المجتمع الإسرائيلي باتجاه دعم الحرب والانتقام من "حماس" وسكان غزة وترميم هيبة الردع الإسرائيلية.

فقد أوضح استطلاع للرأي العام، نشره مركز أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب في 14 يناير/كانون الثاني الماضي أن قرابة 61 في المائة من المستطلعين يتفقون مع مقولة "إنه على الجيش الاستمرار بالحرب، ما دامت لم تدمر قدرات حماس العسكرية، حتى لو كان ذلك يعني أنه لا يمكن إعادة المخطوفين".

كما عارض 60 في المائة من المستطلعين تحرير كافة المخطوفين مقابل وقف إسرائيل النار والانسحاب من غزة. هذه المواقف جاءت على الرغم من أن قرابة 62 في المائة من المستطلعين قالوا إن وضعهم الاقتصادي ساء منذ بداية الحرب.

في استطلاع آخر أجراه "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" نهاية يناير الماضي، قال 88 في المائة من المستطلعين اليهود إنهم يُقيّمون بشكل إيجابي أداء الجيش في غزة وأداء مجلس إدارة الحرب. كما وجد الاستطلاع أغلبية من المجتمع اليهودي (60 في المائة) تعتقد أنه "من الخطأ أن توافق إسرائيل على صفقة لإطلاق سراح جميع المختطفين مقابل إطلاق سراح كافة الأسرى الفلسطينيين ووقف القتال في غزة".

الحالة الاقتصادية لم تتحول لعامل ضغط لوقف الحرب على غزة

عامل ضغط إضافي كان يتوقع أن يدفع باتجاه تقليص أمد الحرب على غزة هو الخسائر الاقتصادية والتكلفة المالية المرتفعة للحرب.

إلا أن الحالة الاقتصادية لم تتحول لعامل ضغط جدي لغاية الآن، حتى بعد إعلان وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني تخفيض التصنيف السيادي لإسرائيل، وذلك على الرغم من أن القرار يعني، فيما يعني، تراجع الحالة الاقتصادية في إسرائيل، ورفع الفوائد البنكية للقروض الدولية المفروض أن تمول الحرب على غزة واحتمال تراجع الاستثمارات الخارجية، ورفع الفائدة البنكية داخل إسرائيل.

وكان يتوقع أن يشكل الاقتصاد عامل ضغط جدي على متخذي القرار في إسرائيل باتجاه تقليص أمد الحرب، إلا أنه لغاية الآن، إسرائيل، حكومة ومجتمعا وقطاع أعمال، تعلن أنها مستعدة لدفع الثمن الاقتصادي بغية تحقيق الأهداف الإستراتيجية للحرب.

عامل ضغط إضافي كان يتوقع أن يؤثر على متخذي القرار في إسرائيل، هو الخطر من توسع جبهات القتال إلى الضفة الغربية ولبنان.

إسرائيل تبادر للتسخين في الضفة الغربية

في جبهة الضفة الغربية، نرى أنه منذ بداية الحرب على غزة فإن إسرائيل هي التي تبادر إلى تسخين الحالة الأمنية، وتقوم باجتياحات يومية للبلدات والمدن الفلسطينية، وقتلت المئات من الفلسطينيين واعتقلت الآلاف. لغاية الآن لم تتوسع جبهة الضفة، ولم تتحول إلى عامل ضغط جدي على صناع القرار في إسرائيل.

في جبهة الشمال، وبرغم التصعيد الدائم وتوسع الضربات العسكرية المتبادلة بين إسرائيل و"حزب الله"، وتفريغ البلدات الحدودية من السكان وتبعات ذلك الاقتصادية والمس بقدرات الردع الإسرائيلية، وعلى الرغم من الخسائر البشرية، والاحتمالات الجدية لإمكانية توسيع الجبهة، المضبوطة لغاية الآن، لم تؤثر جبهة لبنان على صناعة القرار بما يتعلق بالحرب على غزة.

في المقابل فإن إسرائيل لا تلغي احتمال توسع الجبهة، وتحولها إلى حرب جدية، وتبادر إلى توسيع الهجمات، وتهدد بشكل يومي "حزب الله" ولبنان، وتوجه ضربات إلى قوات الحزب وإيران في سورية.

كذلك تدفع إسرائيل ثمناً بصيغة تراجع مكانتها الدولية، مع تنظيم تظاهرات أسبوعية ضخمة ضد الحرب على غزة في عواصم أوروبية مركزية وفي أميركا، وموافقة محكمة العدل الدولية على دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل واتهامها بارتكاب جريمة إبادة الشعب الفلسطيني، وما تعنيه هذه الدعوى على مكانة إسرائيل الدولية والمس بالتعاطف الدولي التقليدي معها. العامل الدولي وتراجع مكانة إسرائيل الدولية لم يشكلا لغاية الآن عوامل ضغط حقيقية على إسرائيل لإنهاء الحرب وإبادة الشعب في غزة.

خلاف مع الإدارة الأميركية

يضاف إلى هذا التوتر والخلافات مع الإدارة الأميركية المتعلقة بتكتيكات إدارة الحرب وإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، حيث تحاول الإدارة الأميركية الضغط على إسرائيل في جوانب إدخال المساعدات الإنسانية لغزة، وتقليل قتل المدنيين والعمل على وضع تصور لليوم التالي للحرب.

عسكرة المجتمع الإسرائيلي، والرغبة في الانتقام من الشعب الفلسطيني تعكسان إجماعاً على مواصلة الحرب

إلا أن ضغط واشنطن خجول، ولم يؤثر بشكل حقيقي على الحكومة الإسرائيلية. وبالتوازي تستمر الإدارة الأميركية بتزويد إسرائيل بالمعدات الحربية وتوفر غطاء دبلوماسياً لها، وتمنع أي قرار في مجلس الأمن يطالب بوقف الحرب، وتوفر دعما اقتصاديا وجوديا لإسرائيل.

داخلياً، تحاول عائلات الأسرى الضغط على حكومة بنيامين نتنياهو للتوصل إلى صفقة تبادل أسرى مع "حماس" قبل فوات الأوان، وخسارة كافة الأسرى لدى الحركة. وتقوم العائلات باحتجاجات أسبوعية، تطورت في الأسابيع الأخيرة إلى إغلاق شوارع مركزية في تل أبيب، ووقفات احتجاج أمام الكنيست ومكتب رئيس الحكومة وغيره من الوزارات. لغاية الآن لم يؤثر ذلك بشكل جدي على مواقف الحكومة ولا على مواقف المجتمع الإسرائيلي.

مقابل هذه الضغوط التي كان يتوقع أن تؤثر باتجاه تقليص أمد الحرب على غزة وربما التوصل إلى وقف إطلاق نار وصفقة تبادل، هناك محاولات لإغراء إسرائيل للوصول إلى نفس الهدف، خاصة من قبل الإدارة الأميركية وشركائها من بعض الدول العربية.

فقد سربت صحيفة "واشنطن بوست"، قبل أيام، مقترح خطة أميركية بالتعاون مع خمس دول عربية لطرح حل ما لليوم التالي للحرب على غزة، تشمل تصوراً لمسار سلام طويل الأمد بين إسرائيل والفلسطينيين، تبدأ بالإعلان عن وقف إطلاق نار في غزة لمدة ستة أسابيع وتبادل للأسرى، وتتضمن جدولاً زمنياً لإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية وإخلاء مستوطنات في الضفة الغربية. في المقابل تحصل إسرائيل على ضمانات أمنية محددة، بالإضافة للتطبيع مع السعودية ودول عربية أخرى.

نتنياهو بادر إلى رفض هذا الاقتراح. وقال مكتبه إن الوقت غير مناسب "لمنح الفلسطينيين هدايا مقابل ما قاموا به". بذلك يرمي نتنياهو إلى وأد هذه المبادرة من بدايتها. وبعد محادثة هاتفية مع الرئيس الأميركي جو بايدن، الخميس الماضي، أعلن نتنياهو مرة أخرى رفضه "الإملاءات بشأن التسوية الدائمة مع الفلسطينيين".

أمام هذه الضغوط والإغراءات، وبالرغم من التباين والاختلاف في مواقف مركبات الحكومة، خصوصاً بين اليمين المتطرف الاستيطاني وبين الشركاء الجدد، حزب "المعسكر الرسمي "بقيادة غانتس، وتوتر علاقة الأخير مع نتنياهو، واستفراد نتنياهو ببعض القرارات، خصوصاً في ما يتعلق بالتفاوض حول صفقة تبادل، فإن الحكومة الإسرائيلية متماسكة لغاية الآن.

رفع نتنياهو وغالانت سقف تصريحاتهما

بل إن نتنياهو ووزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت رفعا، في الأسابيع الأخيرة، سقف تصريحاتهما حول استمرار الحرب على غزة والسعي إلى تحقيق إنجاز، سمّاه نتنياهو "النصر المطلق". وطرحا بقوة احتمال توسيع الهجوم البري إلى رفح وما يعنيه من تصعيد خطير قد يؤدي إلى دفن صفقة الرهائن. كما منع نتنياهو، أخيراً، عودة طاقم المفاوضات الإسرائيلية إلى القاهرة لاستمرار المفاوضات.

كذلك عبّر غانتس، في فيديو قصير نشر على حسابه في موقع "إكس" الجمعة الماضي، عن مواقف شبيهة بمواقف نتنياهو، من حيث تهديده بتوسيع الهجوم البري إلى رفح حتى في شهر رمضان (الذي يتوقع أن يبدأ في العاشر من مارس/ آذار المقبل) إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق تبادل أسرى، ورفضه مطالب "حماس" في عملية المفاوضات، وإصراره على تحقيق أهداف الحرب على غزة.

لا خلافات جدية داخل الحكومة الإسرائيلية

بالمجمل نجد أنه لا يوجد خلافات جدية داخل الحكومة ولا المجتمع الإسرائيلي، حول شروط التفاوض مع "حماس"، ورفض الإغراءات الأميركية، ولو كانت بحدة متفاوتة. كما أن كافة مركبات الحكومة تهدد بتوسيع الحرب إلى رفح، وتصر على تغيير الحالة على الحدود الشمالية، وسط دعم قرابة 70 في المائة من المجتمع الإسرائيلي لحملة عسكرية لتغيير الأوضاع على الحدود الشمالية، وفقاً لاستطلاع نشرته صحيفة "معاريف" الجمعة الماضي.

هذا الإجماع يشكل عاملاً مركزياً في الدفع نحو استمرار الحرب، وربما توسيعها إلى رفح جنوب قطاع غزة و"حزب الله" شمال إسرائيل.
الخلافات القائمة تتمحور حول استغلال نتنياهو للحرب لتحقيق مصالح شخصية، وتهربه من إقامة لجنة تحقيق وتحمل المسؤولية عن الإخفاق الكبير في السابع من أكتوبر، وتراجع الثقة بنتنياهو، والحاجة إلى إجراء انتخابات بشكل سريع بعد انتهاء الحرب. إلا أن هذه الخلافات لا تشكل لغاية الآن عامل ضغط جدي لإيقاف الحرب أو لتفكك التحالف الحكومي.

عسكرة المجتمع الإسرائيلي، والرغبة في الانتقام من الشعب الفلسطيني، وترميم قدرة الردع، وقناعة المجتمع بأن الحرب على غزة هي حرب وجودية، ومحاولة تغيير شامل للحالة الاستراتيجية لإسرائيل، تعكس وجود إجماع إسرائيلي بشأن مواصلة الحرب على غزة ولو كانت هناك خلافات سياسية داخل التحالف الحكومي، وأثمان باهظة تدفعها إسرائيل.