جمعة الناصرية: حبس أنفاس خشية عنف الصدريين

جمعة الناصرية: حبس أنفاس خشية عنف الصدريين

04 ديسمبر 2020
سيكون التجمع بالقرب من ساحة الحبوبي (أسعد نيازي/فرانس برس)
+ الخط -

من المرتقب أن تنطلق اليوم الجمعة، موجة جديدة من الاحتجاجات في ساحة الحبوبي بمدينة الناصرية، مركز محافظة ذي قار، وذلك بعد أسبوع من هجوم دامٍ استهدف الساحة، راح ضحيته 8 متظاهرين وعشرات الجرحى، نفذه أنصار زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر.
وحشد ناشطون ومتظاهرون، طوال اليومين الماضيين، لتظاهرات أطلق عليها "جمعة الناصرية"، تنديداً بعمليات قمع المتظاهرين وحملة الدهم والاعتقالات التي نفذتها الحكومة بالمدينة، وأسفرت عن اعتقال عدد غير قليل من الناشطين والفاعلين في الحراك الشعبي، في خطوة اعتبرها المتظاهرون غدراً من حكومة مصطفى الكاظمي وانصياعاً لرغبات الصدر.
ويواصل الصدر هجومه الإعلامي على المتظاهرين. ووصفهم، في أحدث موقف له، بأنهم "صبيان يتجاوزون على الله"، في محاولة لتحريض مراجع النجف الأربعة الرئيسيين، وأبرزهم علي السيستاني الذي يقف الى جانب الحراك منذ انطلاقته العام الماضي، وفقاً لمراقبين، فضلاً عن شحن جمهوره المتدين ضدهم. وذكر، في تغريدة أمس الأول، أنهم "صبيان لا وعي لهم، يعتدون على الله ويسيئون إلى المذهب الشيعي". كما طالب القوى السياسية الشيعية بأن تعمل على كتابة ميثاقين، "عقائدي وسياسي" وترميم "البيت الشيعي"، وهي محاولة أخرى لاستعادة دوره على الساحة العراقية بعد تراجعه وتياره السياسي شعبياً.

وصف الصدر المتظاهرين بأنهم صبيان يتجاوزون على الله

يحدث هذا، في ظل صمت حكومي. ولم يُصدر رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي سوى تعليق واحد عن "جريمة الصدريين" في الناصرية، التي حذر عقبها من وجود محاولات لإشعال الفتنة في ذي قار. وقال، في اتصال هاتفي مع شيوخ عشائر ذي قار نقل مضمونه مستشار الأمن الوطني قاسم الأعرجي، الأسبوع الماضي، إنّ "الناصرية تمرّ بأزمة، وهناك من يحاول إشعال الفتنة فيها". وأكد على "الحاجة إلى فتح صفحة جديدة وتهدئة المتظاهرين، لأن الانتخابات على الأبواب"، مشيراً إلى أنّ حكومته "عازمة على إجراء الانتخابات المبكرة، وقد حددت موعداً لها بناء على الرغبة الوطنية والجماهيرية".
وبحسب معلومات "العربي الجديد" فإن "متظاهري الناصرية يحشدون للانطلاق باحتجاج جديد تحت عنوان جمعة الناصرية، بعد اتفاقات جرت بينهم خلال الأيام الماضية. وسيكون التجمع بالقرب من ساحة الحبوبي، التي يخشى بعض المتظاهرين من أن تتحول إلى ساحة عنفية ودموية، ولا سيما أن عناصر من التيار الصدري يراقبون عن كثب كل تحركات الناشطين، بالإضافة إلى ضعف قوات الشرطة المحلية. كما أن أكثر ما يثير القلق، هو تواجد بعض الأفواج، المدعومة حزبياً، من قوات سوات والشرطة الاتحادية".

تقارير عربية
التحديثات الحية

وفي السياق، أكد المتظاهر البارز حسين الغرابي أن "مقتدى الصدر ومليشياته الداعمة لحكومة الكاظمي على موعد مع تجدد الاحتجاجات الرافضة للفاسدين والقتلة". وأضاف "ليس لدى أهالي الناصرية، وكل العراقيين، غير الاحتجاج السلمي للتعبير عن مطالبهم، لكن الحكومة استهترت بهذه المطالب، وردت على الشعب بالرصاص والدماء، ولذلك نجد من الأسلم التوجه نحو عودة الاحتجاجات". وأوضح، لـ"العربي الجديد"، أن "جميع الاحتمالات مفتوحة، فقد تتواصل الاحتجاجات جرّاء الغضب الشعبي في المدينة بعد قتل أكثر من 10 ناشطين، وترويع العشرات. ونأمل أن يخرج أهالي بغداد وبقية المحافظات المنتفضة لمساندة محتجي الناصرية". وتابع إن "الصدر لا يخشى من المتظاهرين في الناصرية بسبب احتجاجاتهم فقط، بل لأن غالبية المتظاهرين يشكلون حالة عامة وتعبيرا شعبيا كبيرا. وهو لا يريد أن يستمر تأثير المتظاهرين على الأهالي، الذين كان بعضهم في السابق يوالي الصدر، أو ينتخب القوائم الانتخابية التابعة له. لذلك فإن خسارة جمهور الصدر هو ما يزعج رجل الدين المتورط بالفساد وقتل المحتجين، وليس الأهازيج والهتافات وبعض السلوكيات كما يدعي في تغريداته"، وفقاً لقوله.

أعرب حسين الغرابي عن أمله أن يخرج أهالي بغداد وبقية المحافظات المنتفضة لمساندة محتجي الناصرية


من جهته، قال الناشط من المدينة علي الغزي إن "الحكومة العراقية عليها ألا تتورط بقتل متظاهرين من المدينة، لأن نتائج عملية إطلاق الرصاص على المحتجين ومحاولة تخويفهم، ستكون عكسية على كل نظام الحكم". وبين، لـ"العربي الجديد"، أن "نجاح الاحتجاجات في الناصرية يعتمد على مدى المساندة التي قد نحظى بها من متظاهري ساحة التحرير في بغداد، والصدرين في النجف، إضافة إلى احتجاجات البصرة وواسط. وقد فشلت كل محاولات مليشيات الصدر في منع المتظاهرين من مواصلة التحشيد للتظاهرات، لا سيما أنها عملت خلال الأيام الماضية على تفجير سلسلة من العبوات الناسفة بمنازل ناشطين ومتظاهرين".
إلا أن مصادر خاصة بـ"العربي الجديد"، أفادت بأن "معتصمين رفعوا سبع خيام من ساحة الحبوبي، مساء الأربعاء، بطريقة مفاجئة". وأشارت إلى "أنها تعود إلى الناشط المعروف الدكتور علاء الركابي، وأخرى تتبع المستشار في الحكومة كاظم السهلاني". وبينت أن "رفع الخيام حصل في لحظة واحدة، بعد تلقي المعتصمين فيها اتصالات من الحكومة وشخصيات سياسية وتدخل التيار الصدري، من أجل كبح جماح المتظاهرين، الذين أطلقوا حملة إعلامية واسعة من أجل عودة الزخم إلى ساحة الحبوبي".
من جهته، دافع القيادي في التيار الصدري حاكم الزاملي عن موقف زعيمه. وقال إن "التيار الصدري ليس ضد متظاهري أكتوبر/تشرين الأول، بل إن أغلبية المتظاهرين في بغداد وبقية المحافظات هم من بطون المناطق ذات الغالبية الصدرية، بسبب الفقر والإخفاق الخدماتي والمؤسساتي في تلك المناطق. لكن التوجهات الجديدة لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر تعود إلى السلوكيات المنحرفة والظواهر السلبية، ومنها دعم المثليين والتجاوز على الذات الإلهية، ناهيك عن السب والشتم بحق المراجع الدينية ورجال الدين في المدن التي تشهد احتجاجات"، وفقاً لقوله. وأضاف، لـ"العربي الجديد"، أن "التشرينيين قدموا ضحايا من أجل الإصلاح، لكن عليهم ألا يكونوا أدوات بيد قوى الشر في الخارج، أو الداخل، أو حزب البعث الذي يسعى للسلطة، أو الأميركيين الذين يهدفون إلى تخريب العراق".
إلى ذلك، قال المحلل عبدالله الركابي إن "الناصرية باتت تُزعج السلطة. وتسعى حالياً، كل القوى السياسية، إلى تحجيم التظاهرات فيها، أو منعها بشكل كامل، من خلال ترهيب الناشطين والمتظاهرين واعتقالهم وتخويفهم، وتهديد أهلهم والمقربين منهم. لكن الإصرار في الجنوب يزداد يوماً بعد يوم، ولا سيما بعد أن تدخل الصدر وأزعج الناشطين، وباتت مليشيا سرايا السلام تتعامل مع المتظاهرين على أنهم محتلون أو إرهابيون". وتوقع، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "تتراجع أعداد المتظاهرين خلال الأيام المقبلة، بسبب التوتر الأمني وتفلت السلاح. لكن هذا لا يعني أن الاحتجاجات انتهت في العراق، لأن ما لا تعرفه القوى الحاكمة أن جيل تشرين (الأول 2019) بات مؤمناً بأن بناء العراق لا يتم إلا عبر اقتلاع الصدريين وغيرهم من السلطة".