العراق: أحداث الناصرية تسقط شعار حصر السلاح بيد الدولة

العراق: أحداث الناصرية تسقط شعار حصر السلاح بيد الدولة

03 ديسمبر 2020
شهادات: أتباع الصدر استخدموا أسلحة متنوعة في الهجوم على الساحة (أسعد نيازي/فرانس برس)
+ الخط -

تسبب اقتحام أنصار زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر ساحة اعتصام الحبوبي في مدينة الناصرية (مركز محافظة ذي قار)، جنوب العراق، في السابع والعشرين من الشهر الماضي، والذي أسفر عن مقتل ثمانية محتجين وجرح عشرات آخرين، بحرج كبير للحكومة العراقية برئاسة مصطفى الكاظمي، التي وجدت نفسها عاجزة أمام حقيقة سطوة الجماعات المسلحة التي هاجمت المواطنين على مرأى ومسمع القوات الأمنية، التي لم تحرك ساكنا، ما دفع بساسة وناشطين إلى اعتبار الحادث الأخير بمثابة إعلان فشل حملات حصر السلاح بيد الدولة التي أطلقتها حكومة الكاظمي عند تشكيلها قبل نحو 7 أشهر. 

وأظهرت مقاطع فديو تم تداولها على نطاق واسع في العراق أنصار الصدر وهم يحملون أسلحة في ساحة الحبوبي، بينما أكدت شهادات محتجين أن أتباع الصدر استخدموا أسلحة متنوعة في الهجوم على الساحة. 

وقال مسؤول بارز في محافظة ذي قار لـ"العربي الجديد" إن الجميع شاهد أو سمع عن اقتحام الصدريين المسلح لساحة الحبوبي، موضحا أن أنصار الصدر انتشروا في شوارع الناصرية بأسلحتهم المتوسطة والخفيفة في مظهر يتنافى مع التوجه الحكومي لفرض القانون وحصر السلاح بيد الدولة. 

وبيّن أن أحداث الناصرية بعثت برسالة خطيرة مفادها أن السلاح المنفلت في ذي قار بدأ يعمل على زعزعة الأوضاع، مشيرا إلى وجود قلق لدى السلطات المحلية بالمحافظة من احتمال تكرار هذا المشهد الذي يمثل تحديا واضحا لدولة القانون والمؤسسات. 

وأشار عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان، النائب عن محافظة ذي قار، كاطع الركابي، إلى وجود أياد من الداخل تريد للمحافظة أن تبقى مشتعلة، مبينا، في إيجاز صحافي، أن هذه الأيادي تسير بها باتجاه الفتنة. 

مسؤول بارز في محافظة ذي قار لـ"العربي الجديد": أنصار الصدر انتشروا في شوارع الناصرية بأسلحتهم المتوسطة والخفيفة في مظهر يتنافى مع التوجه الحكومي لفرض القانون وحصر السلاح بيد الدولة.

وذكر أن "الحكومة المحلية غير قادرة على تقديم أي شيء ينفع المحافظة في الوقت الحاضر"، معبرا عن خشيته من احتمال انفلات الأمور ووصولها إلى مرحلة لا يمكن السيطرة عليها.

بدوره، لفت عضو ائتلاف "دولة القانون"، سعد المطلبي، إلى عجز الحكومة العراقية عن حصر السلاح بيد الدولة، موضحا، لـ"العربي الجديد"، أنها "غير قادرة على ضبط الأوضاع، سواء كان في ذي قار أو غيرها".

وقال إن الوعود السابقة للحكومة بحصر السلاح "كانت مجرد أحاديث لم تطبق"، متوقعا عدم قدرة حكومة الكاظمي على حسم هذا الملف في الفترة المقبلة. وشدد على ضرورة وجود إرادة سياسية تفرض ما تريد على الجماعات المسلحة. 

وهذا ما أكد عليه عضو لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب العراقي، بدر الزيادي، الذي أوضح أن قضية حصر السلاح بيد الدولة "تتطلب وجود إرادة وطنية من قبل الكتل السياسية، بالاضافة إلى همّة حقيقية من قبل الدولة"، مشيرا، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الأمر يتطلب وجود تخطيط يتضمن الوصول إلى العشائر التي تمتلك سلاحا متوسطا وثقيلا من أجل التفاوض معها، واتخاذ قرارات ملزمة من قبل الحكومة". 

وتابع: "أما الحديث في الإعلام فقط، ففي هذه الحالة لا يمكن حصر السلاح بيد الدولة"، مبينا أن الوضع الأمني في البلاد "غير مستقر وصعب، ويحتاج وقفة وطنية إلى جانب الحكومة". 

وأوضح أن "الجميع لم يكن يتمنى حدوث خسائر في الناصرية"، مشددا على ضرورة التوصل إلى المقصرين وإحالتهم إلى القضاء من أي طرف كانوا، مضيفا: "وبالتالي فإن القائد العام للقوات المسلحة (رئيس الوزراء) مصطفى الكاظمي، عندما أرسل لجنة مشكلة من قبل قيادات أمنية عليا إلى محافظة ذي قار، كان يريد بسط الأمن والسيطرة على الأوضاع، وبالتالي يمكن كشف الذين فتحوا النار على المتظاهرين، وأدى إلى مقتل مجموعة منهم وإصابة آخرين".

وأكد رئيس الوزراء العراقي، منذ نيل حكومته الثقة في السابع من مايو/ أيار الماضي، ضرورة حصر السلاح وفرض هيبة الدولة، إلا أن عمليات الاغتيال والتهديد وانتشار السلاح بأيدي جماعات لا يزالان موجودين، فضلاً عن الاستهداف المتكرر خلال الفترة الماضية لمواقع توجد فيها مصالح أجنبية، كما أطلقت القوات العراقية حملات أمنية متكررة لضبط السلاح المنفلت وحصره بيد الدولة في بغداد والجنوب والمنافذ الحدودية، إلا أنها فشلت في ذلك. 

وسبق لعضو البرلمان العراقي رعد الدهلكي أن دعا رئيس الوزراء إلى اطلاق "صولة فرسان" جديدة ضد "المليشيات السائبة التي عاثت في الأرض فسادا"، متهما جماعات مسلحة منفلتة بالاعتداء على المدنيين. 

و"صولة الفرسان" هو الاسم الذي أطلق على الحملة العسكرية الواسعة التي نفذتها حكومة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي في محافظة البصرة جنوب العراق عام 2008 ضد مليشيا "جيش المهدي"، التي شكلها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بعد احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الأميركية تحت شعار مقاومة الاحتلال، إلا أنها اتهمت بعد ذلك بارتكاب جرائم طائفية على نطاق واسع في بغداد ومحافظات جنوبية، بعد التدهور الأمني في البلاد على خلفية تفجير سامراء عام 2006. 

وأسفرت "صولة الفرسان" عن مئات القتلى والجرحى في صفوف جيش المهدي وقوات الأمن، قبل أن تنتهي الأزمة التي كادت أن تمتد لمدن وسط العراق وبغداد.