تغير في تغطية صحف الدنمارك لحرب غزة.. عودة عن هستيريا الأيام الأولى

تغير في تغطية صحف الدنمارك لحرب غزة.. عودة عن هستيريا الأيام الأولى

27 نوفمبر 2023
أوقعت الحرب على غزة دماراً هائلاً في المساكن فضلاً عن عدد الضحايا غير المسبوق (Getty)
+ الخط -

بدأت صحف دنماركية، خصوصاً كبرياتها مثل "بوليتيكن" و"إنفورماسيون" و"بيرلنغسكا"، تشهد تغيراً في تغطية الحرب على غزة ما يعكس بعض ما يدور في كواليس السياسة، خلافاً لموقف رئيسة حكومة البلاد، ميتا فريدركسن، التي تقود ائتلاف يسار ويمين الوسط، واتخذت موقفاً كمن تسلق شجرة عالية في دعم دولة الاحتلال الإسرائيلي بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

مشاهد الدمار في غزة بدأت تنتشر، والإفراج عن نساء فلسطينيات وفتية قصر من سجون الاحتلال تساهم اليوم في تغيير الطرح، بل بدأت بعض الصحف، كما فعلت "بوليتيكن" في نبش تاريخي دقيق للقضية الفلسطينية ووضع خرائط غير مسبوقة، وطرح سيناريوهات لحلّ القضية من جذورها بعد أن تضع الحرب أوزارها.

فيما بدأت الصحافة الليبرالية أيضاً، مثل "بيرلنغسكا" بموازنة تغطيتها بطرح بعض من عناصر السردية الفلسطينية التاريخية. بينما ساهمت صور خروج قصر ونساء من سجون الاحتلال ببداية طرح قضايا آلاف المعتقلين الفلسطينيين، خصوصاً مع عفو المحاكم الإسرائيلية - التي يطغى عليها التيار الصهيوني الديني - عن عربدة وجرائم المستوطنين في الأراضي المحتلة.

وتساهم التغطيات الإعلامية المتصاعدة بشأن "البربرية" التي يمارسها الاحتلال، كما وصفت صحيفة "إنفورماسيون"، وبدء الحديث عن "الجماعات الإرهابية" بين مستوطني الضفة الغربية، في تعاظم رأي عام ضاغط على الحكومات الغربية، ومن بينها حكومة كوبنهاغن.

ففي افتتاحيتها، عنونت صحيفة "إنفورماسيون" التي تتابعها نخبة السياسة والثقافة: "علينا أن نرفع صوتنا ضد بربرية نتنياهو". وتحت هذا العنوان طرحت سؤالاً على الغرب "لكي يفهم نفسه" يقول: "إلى متى يمكن لقادتنا أن يتعايشوا مع حقيقة مفادها أننا كحلفاء لإسرائيل، مسؤولون بشكل مشترك عن استمرار الصراع؟ نزوح تاريخي وكارثة إنسانية؟". واعتبرت الصحيفة أنّ "وقف إطلاق النار بعد ستة أسابيع من الدمار الشامل يشكل مناسبة لنا في الغرب لطرح ذلك السؤال".

كما عرجت الصحيفة على انتقاد حركة حماس بجملة قالت فيها "لا شك في أن حماس خرقت قوانين الحرب وتستخدم المدنيين دروعاً بشرية" ثم أضافت أنّ هذا "لا يبرر التفوق العسكري الساحق لإسرائيل وقدرتها الهائلة على التدمير، التي تنتهك أيضاً قوانين الحرب".

بدورها، خلصت صحيفة إنفورماسيون إلى أن "القادة والزعماء (في الغرب) الذين يدعمون دون قيد أو شرط الحرب التي يشنها (رئيس حكومة الاحتلال) بنيامين نتنياهو في غزة، والتي وفقاً لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين (أونروا) وخلال ستة أسابيع شردت نصف مليون إنسان وقتلت آلاف الأطفال ودمرت مساحات سكنية بأكملها، عليهم مسؤولية كبيرة اليوم".

وعادت الصحيفة للتذكير بسيرة نتنياهو وصراعه في مسألة الإصلاح القضائي مع جزء من الطبقة السياسية في تل أبيب، وبأنّ نهاية مشروعه السياسي تحرك الخوف لديه من الذهاب في نهاية المطاف إلى السجن. وأردفت بعد ذلك قائلة إنه لأجل تجنب ذلك المصير "جلب إلى حكومته سياسيين من اليمين المتطرف مثل إيتمار بن غفير، الذي أدين بدعم منظمة إرهابية والتحريض على العنصرية، وبتسلئيل سموتريتش، الذي قال إن الفلسطينيين يمكنهم اختيار الخضوع كمواطنين من الدرجة الثانية، أو الهجرة". وأشارت الصحيفة إلى أن نتنياهو "قام بنزع الشرعية عن المسارات السياسية المؤدية إلى حل الدولتين، وبدلاً من ذلك أضفى الشرعية على الهجمات المسلحة لحركة المستوطنين وتوسعاتها في الضفة الغربية".

هذه العودة إلى التطرق لسياسات الاحتلال ليست أمراً هيناً وسط حالة هستيريا إعلامية وسياسية سادت بعد عملية طوفان الأقصى في الساحة الأوروبية الشمالية، سوى من بعض الصحف التي غردت خارج السرب.

وفي السياق ذاته المستند إلى قراءة طبيعة نتنياهو في الغرب، قالت الصحيفة: "حان الوقت لكي يبدأ القادة الغربيون في تصديق ما يرونه (من فظائع في حرب غزة). وألا يخلطوا بينه وبين ذكرياتهم عن إسرائيل الديمقراطية، التي احتجت في تظاهرات ضخمة ضد إصلاحاته القضائية والاعتداء على الديمقراطية الإسرائيلية". واعتبرت أن على قادة الغرب اليوم مطالبة نتنياهو باحترام قوانين الحرب ومراعاة المدنيين والامتناع عن إعادة احتلال غزة، بل كذلك مطالبته بالاعتراف بالقانون الإنساني بشأن التناسب في الرد العسكري".

وذهبت صحيفة "إنفورماسيون" في الرد على محاولة نتنياهو تجنب تهم جرائم الحرب المرتكبة للقول إنّ "الرجل أعلن أنّ معركة إسرائيل ضد حماس هي معركة الحضارة ضد البربرية. لكنّ قصف جيشه لغزة يشكل شكلاً من أشكال الهمجية ذات التقنية العالية". وأضافت أن أمين عام الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، قال: "إننا نشهد قتلاً للمدنيين بشكل لا مثيل له وغير مسبوق في فترة عملي" (يتولى هذا المنصب منذ 2017).

وذكرت الصحيفة أنه بالرغم من إدانة غوتيريس لعملية "حماس" العسكرية ومطالبته بالإفراج عن المسجونين في غزة "إلا أنهم راحوا في تل أبيب يطالبون باستقالته".

وخوف نتنياهو من الملاحقة على جرائم الحرب، تعززه الصحيفة بشواهد تتعلق بإلقاء منشورات على سكان غزة في الشمال للتوجه إلى ما يدعي أنها منطقة الأمان في الجنوب "بينما جرى توثيق الهجمات العنيفة في المناطق الآمنة المحددة". ونقلت الصحيفة عن الباحثة الأمنية كايتلين بروكتر في تصريحات إذاعية يوم السبت: "الحقيقة هي أنه لا مكان آمناً للناس للذهاب إليه في غزة".

وأبرزت الصحيفة في هذا السياق أكاذيب موظفي الاتصالات في جيش الاحتلال وتكرارهم أنّهم "الجيش الأكثر أخلاقية" مشددة على أنّ "العقاب الجماعي واستهداف المدنيين أظهرا القدرة التدميرية الهائلة المستخدمة في غزة على نطاق واسع".

ولفتت "إنفورماسيون" إلى أنّ دولة الاحتلال ظلت تضرب بعرض الحائط مناشدات المنظمات الدولية، وأنها "استمرت في حرب نعرف وسائلها وهي هجمات عسكرية واسعة النطاق، ونعرف تكاليفها وهي تهجير تاريخي وكارثة جماعية لشعب غزة. لكننا لا نعرف الخطة لذلك. الهدف المعلن هو تدمير حماس". ومضت تقول: "لا نعرف ما هي خطة حكومة نتنياهو الحربية للسلام. هذا إذا كانت هناك خطة على الإطلاق".

وبصورة مباشرة وجهت الصحيفة حديثاً لساسة بلدها، وبالأخص فريدركسن المثيرة للجدل في مواقفها المتعارضة مع الشارع وقوى سياسية أخرى، وقالت: "إذا كان قادتنا يقصدون ما يقولون عندما يتحدثون عن قوانين الحرب والاعتبارات الإنسانية، فيجب عليهم في النهاية أن يروا نتنياهو على حقيقته. وقد شهد الرأي العام العالمي هذه الحقيقة، كما أن الاحتجاجات ضد الحرب آخذة في التزايد، أسبوعاً بعد أسبوع في المدن الكبرى في الغرب".

في نهاية المطاف، رأت "إنفورماسيون" في عدد نهاية الأسبوع أنه "إذا لم يرفع قادة الغرب أصواتهم، ويستخدموا وسائل القوة المتاحة من أجل إجراءات لازمة خلف المبادئ التي يقولون إنها مهمة عالمياً، فإنهم يتحملون مسؤولية مشتركة عن كارثة إنسانية ومأساة فلسطينية لن تُنسى. وعندها سوف يرانا بقية العالم أيضاً على حقيقتنا، وسيصدقون ما رأوه".

المساهمون