BBC والعدوان على غزة: أسئلة حول المهنية والترجمة والموظفين

BBC والعدوان على غزة: أسئلة حول المهنية والترجمة والموظفين

27 نوفمبر 2023
من تظاهرة في لندن (غَي سمولمان/Getty)
+ الخط -

لم تنجح هيئة الإذاعة البريطانية منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في الابتعاد عن دائرة الانتقادات والاتهامات بالانحياز. وبينما واجهت في الأسبوعين الأولين من العدوان هجوماً واسعاً بسبب تغطيتها التي تبنت الرواية الإسرائيلية، سرعان ما بدأ التململ يظهر على عشرات من موظفيها، وخصوصاً العاملين في الخدمة العربية، أو الموظفين العرب العاملين في الخدمة الدولية، والموجودين في لندن ومكاتب أخرى.

وبين الاتهامات بالانحياز والتضليل، وبين غضب الموظفين، تطرح أسئلة كثيرة حول إعادة تقييم مهنية الهيئة وانحيازاتها السياسية الطاغية في ظل حرب إبادة واضحة ومباشرة ومنقولة على الهواء كتلك التي يرتكبها الاحتلال في قطاع غزة.

وتصاعدت الانتقادات على أداء "بي بي سي" التحريري والصحافي منذ اليوم الأول للعدوان، ووصل إلى قمّته في منتصف هذا الشهر مع دخول مراسلة الهيئة لوسي ويليامسون مع جيش الاحتلال إلى داخل مستشفى الشفاء في غزة، غداة اقتحامه "لمشاهدة ما تقول إسرائيل إنها عثرت عليه حتى الآن خلال عمليات تفتيش تجريها داخل مجمع الشفاء الطبي في غزة"، وفق "بي بي سي". لكن قبل دخول "الشفاء" غرقت الهيئة البريطانية تارة في التحريض (كالتساؤل عن بناء "حماس" أنفاق أسفل المستشفيات والمدارس واستخدامها عسكرياً)، وتارة أخرى في التضليل.

وآخر فصول هذا التضليل حصل قبل مع إطلاق الدفعة الأولى من الأسرى الفلسطينيين المحررين، يوم الجمعة الماضي. إذ نشرت ضمن تغطيتها المباشرة مقابلة مع الأسيرة المحررة سارة عبد الله من مدينة نابلس. في المقابلة تتحدّث عبد الله عن إذلال الاحتلال للأسيرات وتركهن في البرد وبلا كهرباء أو تدفئة، ورشهن برذاذ حارق، إلا أن "بي بي سي" اختارت ترجمة كلام الأسيرة المحررة بما يناسب الصورة التي تحاول رسمها عن الفلسطينيين الخارجين من معتقلات الاحتلال. فتحوّل كلام سارة عبد الله إلى ما يلي في الترجمة "لم يهتمّ بنا أحد، وحدها حماس اهتمّت لحالنا، وشعرت بمعاناتنا، أشكرهم كثيراً، وأحبهم كثيراً".

هكذا، بهذه البساطة حوّرت الهيئة كلام أسيرة محررة، وبثته على الهواء وعلى موقعها الإلكتروني.

وبعد هجوم كبير على الهيئة على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب التضليل الذي تمارسه، عادت وحذفت الفيديو، وكتبت ملاحظة على موقعها تشير فيها إلى أنها حذفت الفيديو بسبب "خطأ في عملية المونتاج والتحرير".

أزمات BBC امتدّت من التغطية إلى صالات التحرير. فيوم السبت الماضي أعلنت مديرة البرامج في الخدمة العربية، الصحافية اللبنانية ندى عبد الصمد، عبر حسابها على منصة إكس أنها ادّعت "على (بي بي سي) للإساءة المهنية بحقي، والضرر الذي لحق بسمعتي، وعدم اهتمامها بحمايتي من خلال السماح لـ(الصحيفة البريطانية) ذا تليغراف بنشر صورتي واسمي".
منشور عبد الصمد جاء بعد يوم من إبلاغ هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) 5 من موظفيها الذين أوقفوا مؤقتاً عن العمل، وخضعوا لتحقيق داخلي، إعادتهم إلى عملهم، وعدم اتخاذ أي إجراءات تأديبية بحقهم، بعد نشرهم أو تفاعلهم مع "تغريدات ومنشورات بدا كأنها تحتفي بالهجوم الذي أسفر عن مقتل حوالى 1300 إسرائيلي".
وكانت BBC قد علّقت عمل كل من عبد الصمد ومراسلة الشؤون الدينية اللبنانية سناء الخوري، والمراسلة المصرية سالي نبيل، والصحافي والمنتج المصري محمود شليب، والصحافية في مكتب القاهرة المصرية سلمى خطاب، والمراسل الرياضي عمرو فكري، بعد أيام من عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وذلك بعد اتهامهم بنشر تغريدات أو التفاعل مع منشورات متعاطفة مع عملية طوفان الأقصى، التي نفذها مقاومو كتائب القسام في 7 أكتوبر الماضي.
وأمام هذا الواقع اختار في الأيام الأولى للعدوان كل من الصحافي اللبناني إبراهيم شمص ومراسل شمال أفريقيا  التونسي بسام بونني الاستقالة.
لكن التململ لم يكن مرتبطاً فقط بالعاملين في الخدمة العربية، بل إن ثمانية صحافيين يعملون في المملكة المتحدة اتهموا مؤسستهم بالانحياز إلى جانب الاحتلال الإسرائيلي في تغطيتها العدوان المتواصل على غزة وبتجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم. ومن ضمن الاتهامات التي وجهها الصحافيون الذين أبقيت هوياتهم طيّ الكتمان "خوفاً من الانتقام" لـ"بي بي سي": "الفشل في سرد قصة الصراع بين إسرائيل وحماس بدقة"، و"بذل جهد أكبر في إضفاء طابع إنساني على الضحايا الإسرائيليين مقارنة بالفلسطينيين"، و"حذف السياق التاريخي الأساسي في التغطية"، و"اعتماد معايير مزدوجة في الحديث عن المدنيين"، في حين "لا تتردد" عند تغطيتها جرائم الحرب الروسية في أوكرانيا.
وفي الرسالة قال الصحافيون الثمانية إن BBC "فشلت في سرد هذه القصة بدقة، من خلال الإغفال وعدم التعامل النقدي مع ادعاءات إسرائيل، وبالتالي فشلت في مساعدة الجمهور على التعامل مع انتهاكات حقوق الإنسان التي تتكشف في غزة وفهمها... لقد قُتل آلاف الفلسطينيين منذ 7 أكتوبر. متى سيكون العدد مرتفعاً بما يكفي لتغيير موقفنا التحريري؟".

المساهمون