الهدنة اليمنية بعد شهر: اختبار ناجح رغم الخروقات

الهدنة اليمنية بعد شهر: اختبار ناجح رغم الخروقات

02 مايو 2022
الهدنة أنعشت آمال اليمنيين تجاه السلام (محمد حويس/فرانس برس)
+ الخط -

بعد مرور شهر على إعلان المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ عن موافقة أطراف الصراع اليمني على هدنة لمدة شهرين بدأت في 2 إبريل/ نيسان الماضي، وصمود هذه الهدنة على الرغم من الانتهاكات اليومية لها، شهد اليمن تحولات بارزة، على رأسها سعي أطراف إقليمية ودولية إلى إحراز تقدّم في مسار السلام عبر الحوارات الجارية في العاصمة العمانية مسقط. كما برز سعي للتركيز على الملفات الاقتصادية وشكل الدولة التي تدور النقاشات فيها حول خيارات عدة.

لكن تلك الحوارات تبقى مرتبطة بمدى استمرار الهدنة وصمودها، وجدية الأطراف السياسية المتصارعة ودول الإقليم، خصوصاً في ظل الآمال التي يعلقها اليمنيون على ذلك لانتهاء الحرب والدخول في السلام.

ولا يمكن إغفال التحول السياسي داخل السلطة اليمنية المعترف بها دولياً، والذي أفضى إلى تخلي الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي عن منصبه لمجلس قيادي مكون من ثمانية أشخاص؛ رئيس وسبعة أعضاء، يمثلون أغلب القوى السياسية المعادية للحوثيين، وتحديداً تلك التي تملك قوة على الأرض، وتلك التي دعيت إلى مشاورات الرياض الأخيرة.

وتعد عودة الحكومة ومجلسي النواب والشورى، وكذلك مجلس القيادة الرئاسي، للعمل من عدن مفتاحاً لمرحلة جديدة، يحاول اليمنيون الحديث عنها بتفاؤل بعد سبع سنوات من تعثر العودة إلى العاصمة المؤقتة وبناء المؤسسات الحكومية.

مدين مقباس: الهدنة كانت اختباراً لحسن النوايا، استطاعت الأطراف المتصارعة تجاوزه

انعكاسات إيجابية للهدنة على اليمنيين

وشعر اليمنيون خلال شهر رمضان "بحالة من السلام الهش خلال شهر من الهدنة التي لم يكونوا يتوقعون صمودها، على الرغم من الخروقات التي تحدث"، وفق الكاتب الصحافي مدين مقباس.

وقال مقباس، في حديث مع "العربي الجديد"، إن الهدنة "كانت اختباراً لحسن النوايا، استطاعت الأطراف المتصارعة تجاوزه، مما يجعلها تشكل فرصة ثمينة لتقديم تنازلات أكبر من أجل السلام، وإطلاق أسرى الحرب، وفي مقدمتهم اللواء محمود الصبيحي، واللواء ناصر منصور هادي، واللواء فيصل رجب وبقية الأسرى، لتنطلق بعد ذلك عملية السلام واستئناف المفاوضات لإنهاء الحرب في اليمن".

ولفت مقباس إلى أن "الهدنة أنعشت آمال اليمنيين تجاه السلام وكان لها وقعها الإنساني على الشعب اليمني في الجنوب والشمال، لا سيما أنها تزامنت مع شهر رمضان". واعتبر أن "التحولات الأبرز التي حدثت خلال الشهر الأول من الهدنة هي إنسانية، وإن كانت لا ترقى إلى مستوى الطموحات التي يتطلع إليها عامة الناس".

ورأى أنه "لا يمكن الحديث عن هذه التحولات بمعزل عن الإشارة إلى التحول السياسي الذي حدث مطلع إبريل/ نيسان الماضي، والذي تمثل بإعلان الرئيس هادي نقل صلاحياته إلى مجلس القيادة الرئاسي الذي أعلن عن تشكيله".

وأوضح مقباس أن "التحولات الإنسانية، تمثلت بإطلاق مليشيا الحوثيين سراح عدد من الأسرى الأجانب، وتبادل أعداد أخرى من الأسرى مع الأطراف المحلية، وكذلك فتح ميناء الحديدة والسماح للسفن المحملة بالمشتقات النفطية بدخول الميناء. وهذا كان له أثر لناحية توفير البنزين والديزل في المناطق التي تقع تحت سيطرة الحوثيين، بعد أن تجاوز سعر العشرين لتراً من البنزين الثلاثين ألف ريال (119 دولار أميركي) في بعض المناطق".

وتابع "هذا إلى جانب إعادة فتح مطار صنعاء الذي سيحلّ الكثير من المشكلات الإنسانية، وسيخفف عن المواطن عناء السفر من صنعاء إلى عدن أو سيئون، للسفر إلى الخارج، وبالذات الجرحى وكبار السن والأطفال والمرضى. وكذلك فتح بعض المعابر البرية الداخلية، التي لا يزال بعضها بحاجة للمراجعة لفتحها مثل طريق عقبة ثرة البيضاء - لودر (في محافظة أبين)، لما له من أهمية قصوى في تلك المناطق".

كذلك أكد مقباس أن "استعادة التعافي النسبي للريال اليمني، ولو أنه في مستوى متدنٍ خلال هذه الفترة، تعدّ من الانعكاسات الإيجابية غير المباشرة للهدنة على الوضع الاقتصادي والمالي في عموم اليمن، ما يؤكد أن استمرار الحرب هو الخطر الأكبر على الاقتصاد".

بدأ الحوثيون أخيراً بالحديث عن فشل الهدنة الإنسانية

شكوك في إمكانية صمود الهدنة اليمنية

لكن على الرغم من هذه التبعات الإيجابية للهدنة، فإن الشكوك تتزايد في إمكانية صمودها لشهر ثانٍ. وقد بدأ الحوثيون أخيراً بالحديث عن فشل الهدنة الإنسانية، متهمين الحكومة الشرعية والتحالف الذي تقوده السعودية بإفشال كل المشاورات الجارية في عدد من الملفات.

وكتب عضو الوفد الحوثي المفاوض، عبد الملك العجري، في تغريدة على "تويتر" أخيراً، إنه مع "كل يوم يمر من عمر الهدنة، تُغلق نافذة من النوافذ المشرعة للسلام".

وأضاف: "كنا نريد الهدنة فرصة للتقدم وحسم ملفات الحرب والحصار، إلا أن دول العدوان (التحالف) حوّلتها لانتكاسة أعادت السلام إلى مربعات مظلمة". وأردف: "هناك سوء تقدير لموقفنا، وقريباً سيدركون خطأهم بعد فوات الأوان"، من دون تفاصيل إضافية.

كما قال رئيس لجنة الأسرى المكلفة في جماعة الحوثيين عبد القادر المرتضى، في بيان صحافي أخيراً، إن جماعته "قدّمت العديد من المبادرات والعروض والمقترحات، لإحداث انفراجة في ملف الأسرى خلال شهر رمضان، لكن تعنّت الشرعية أفشل اتمام صفقة تبادل"، مطالباً الأمم المتحدة بالضغط على الحكومة الشرعية.

عميد بالجيش اليمني: نرصد يومياً عشرات الخروقات للهدنة من قبل مليشيات الحوثيين في مختلف الجبهات

في المقابل، أكد العميد في الجيش اليمني التابع للحكومة المعترف بها دولياً، محمد الشنيني، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الهدنة صامدة، وصمودها مرتبط بضبط النفس والتزام الجيش الوطني بموضوع الهدنة الإنسانية".

ولفت إلى أن "الجيش الوطني يرصد يومياً عشرات الخروقات للهدنة من قبل مليشيات الحوثيين في مختلف الجبهات؛ سواء في الشرق بمأرب والجوف، مروراً بالبيضاء وشمال الضالع وتعز وسط اليمن، أو غرباً في الحديدة والساحل الغربي، وصولاً إلى الشمال في حجة وصعدة"، مشيراً إلى أن "عدد الخروقات في بعض الأيام يقترب من المائة".

وحول ما إذا كانت الهدنة ستستمر على الرغم من الخروقات، قال الشنيني إن "كل الاحتمالات قائمة مع الحوثيين، وهم يستغلون هذه الهدنة لتقوية أنفسهم وإعادة ترتيب أوضاعهم عسكرياً وبشرياً، من خلال تجنيد مزيد من المقاتلين، وشراء الأسلحة" لافتاً إلى أن "إطلاق الحوثيين للطائرات المسيّرة لا يتوقف يومياً، وتم إسقاط العديد منها في جبهات عدة خلال فترة الهدنة".

من جهته، قال الضابط في الجيش اليمني محمود الحيقي، لـ"العربي الجديد" إنّ "فترة الهدنة هي اختبار لحسن النوايا من جانب الحوثيين" معتبراً أنّ "اليمنيين قلقون من عدم وجود نيّة حقيقية لدى الحوثيين في إنهاء الحرب والذهاب نحو السلام، لأنّ خروقاتهم خلال الهدنة زادت ولم يبدوا تجاوباً أو مرونة تجاه دعوات السلام".

المساهمون