مجلس الرئاسة اليمني وتجربة هادي

مجلس الرئاسة اليمني وتجربة هادي

22 ابريل 2022
+ الخط -

لو أن عبد ربه منصور هادي قد فوّض صلاحيات لمجلس القيادة الرئاسي اليمني الجديد من تلقاء نفسه لكان يُمكن الحديث عن نقلة نوعية قامت بها "الشرعية"، فأي مراجعة موضوعية لمسار عمل هادي وفريقه طوال عقد كامل منذ نقل السلطة إليه بموجب المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية كانت لتخلص إلى حجم الكارثة التي طبعت السنوات العشر الماضية. وبعيداً عن مسؤولية الحوثيين في إشعال الحرب، وما آلت إليه أوضاع اليمن، وهي حقيقة ثابتة، لم تكن الشرعية يوماً على قدر التحدّي، لا بشقه السياسي ولا العسكري.

كان أداء الشرعية عامل ضعف لها، أحسنت جماعة الحوثيين استغلاله في السياسة والميدان. تركيبة الشرعية وتناقضاتها وإرادتها المسلوبة لم تكن تسمح إلا بنتائج سيئة وكارثية. ولذلك لم يكن فرض السعودية والإمارات على هادي الخروج من المشهد بهذه الطريقة مفاجئاً، وإن كانت ستحمل الأيام المقبلة مزيداً من التفاصيل بشأن ليلة "الانقلاب"، وكيف أديرت العملية تحت غطاء المشاورات اليمنية التي دعا إليها مجلس التعاون الخليجي.

لم يكن هادي يملك أي ورقة ضغط يمكن أن تُعينه على الرفض. خياره الوحيد هو الاستسلام وتنفيذ ما يطلب منه، فلا هو صاحب كلمة سياسية ولا عسكرية. غيابه عن المشهد اليمني كان أكثر من حضوره. وعندما تطلّبت المرحلة الجديدة التي تعدّ لها الرياض وأبوظبي رئيساً فاعلاً، أقله مرحلياً، جرى إبعاد هادي الذي لا يملك أي يمني إجابة حاسمة عما إذا كان لا يزال رئيساً وفوّض صلاحياته أو رئيساً سابقاً كما وصفه رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي غير المستجد على السياسة اليمنية، ويمكن وصفه بأنه من أركان الدولة العميقة. يعرف العليمي جيداً ما هو مطلوب منه ممن اختاره. ولذلك لم تكن الكلمة التي ألقاها عقب أدائه مع باقي أعضاء المجلس الرئاسي اليمين الدستورية في العاصمة المؤقتة عدن هامشية. عندما حدّد أولويات المرحلة، قال نصاً إنها تتلخص بـ"إنهاء الانقلاب والحرب واستعادة الدولة والسلام والاستقرار ومعالجة الوضع الاقتصادي والمعيشي، وإعادة بناء المؤسّسات واستقرارها في العاصمة المؤقتة عدن، وعلى امتداد التراب الوطني كله". يدرك العليمي أن إحلال السلام لن يجري بين ليلة وضحاها، رغم القناعة السعودية، على وجه التحديد، بأنه ما من جدوى اليوم لاستمرار حرب استنزفتها عسكرياً ولم تحقق لها أي انتصار. ويعي أيضاً أنه بغض النظر عن مسار المفاوضات مع الحوثيين في الفترة المقبلة، هناك تغييرات تفرض نفسها، وأولها القطيعة مع كل ما طبع عهد هادي، لكي لا تتكرّر تجربته. لكن التحدّي سيكون في القدرة على تحقيق ذلك، وليس فقط الرغبة.

السؤال الأول والأهم: كم سيصمد العليمي وباقي أعضاء المجلس الرئاسي ممن لا يصنفون أنهم مِن تيار المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن؟ وإلى متى ستدوم مهادنة رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزبيدي، خصوصاً أن حفل أداء القسم الرئاسي لم يكن مبشّراً بعدما اختار الأخير أداء اليمين مجتزءا، رافضاً ذكر كل ما له علاقة بحفظ الوحدة اليمنية والحفاظ على الجمهورية؟ وطوال السنوات الماضية، كان تيار الزبيدي مسؤولاً، بدعم إماراتي، عن منع "الشرعية" من الاستقرار في العاصمة المؤقتة. أما اليوم فالواضح أن المطلوب منه التخلي عن دور المعرقل، لو إلى حين.

بقدر ما يحافظ مجلس القيادة الرئاسي على تماسكه، ويضبط إيقاع التباينات الكبيرة داخله، بسبب تركيبته، بقدر ما سيكون قادراً على تشكيل ندٍّ للحوثيين، ومجلسهم الرئاسي. وما دون ذلك سيتحول إلى مجرّد نسخة مكرّرة عن هادي، لكن عوضاً عن أن يُلام العليمي وحده ستكون المسؤولية موزّعة على ثمانية.

جمانة فرحات
جمانة فرحات
جمانة فرحات
صحافية لبنانية. رئيسة القسم السياسي في "العربي الجديد". عملت في عدة صحف ومواقع ودوريات لبنانية وعربية تعنى بالعلاقات الدولية وشؤون اللاجئين في المنطقة العربية.
جمانة فرحات