- البيت الأبيض يسعى للحد من التوترات عبر الضغط الاقتصادي الدولي والتعاون مع دول أخرى، بينما إسرائيل تستعد لضربة محتملة ضد إيران، مؤكدة على عدم قبولها بمعادلة تسمح لإيران بالهجوم المباشر.
- بايدن يؤكد على عدم مشاركة الولايات المتحدة في عملية عسكرية ضد إيران، مع رغبته في تجنب الحرب، ولكن تظهر إشارات متضاربة حول دعم إسرائيل، مما يعكس التحديات في إدارة الصراع وضرورة موازنة العلاقات.
اعتمدت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن سياسة المناشدة والتحذير للحيلولة دون توسيع رقعة الحرب بين إسرائيل وإيران، لكن لا المناشدة أدت إلى لجم حكومة بنيامين نتنياهو التي أطلقت شرارة التوسيع مع قصف مقر القنصلية الإيرانية في دمشق، ولا التحذير منع طهران من الردّ بهجوم جوي على إسرائيل. والآن، تتحرك الإدارة الأميركية بنفس التوجه، لاستباق رد الأخيرة على الهجوم الإيراني، بما ينذر بمواجهة جديدة قد تفلت من السيطرة، وتفرض المواجهة المفتوحة على تورط، أو بالأحرى توريط بايدن، الذي لا يريد الصدام مع طهران.
وفي الوقت نفسه، لا يناسب البيت الأبيض احتضان نتنياهو في هذا التمدد، بعدما اكتوى انتخابياً من انفلات هذا الأخير في غزة، والذي تسبب فيه سكوت بايدن على انتهاكاته وتمريرها بدون ثمن. لكن حتى الآن، لم يقوَ الرئيس على ضمان قطع الطريق على دخول الوضع في دوامة الرد والرد المضاد. استعان بمجموعة السبع لتوظيف العامل الاقتصادي الدولي كورقة ضغط، وكذلك بالأوروبيين والصين وتركيا، لكن إسرائيل وبعض قنواتها في واشنطن، تشدد على أنها "لا ترضى بأن تكون لإيران الكلمة الأخيرة" في هذه المنازلة.
كذلك، شدد وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت في اتصاله مع نظيره الأميركي لويد أوستن، على أن إسرائيل "لا تقبل بمعادلة تكون فيها طهران قادرة على القيام بهجوم مباشر على إسرائيل بعد كل مرة تقوم فيها هذه الأخيرة باستهداف مواقع في سورية". خلاصة كلامه أن حكومة نتنياهو عازمة على القيام بضربة لإيران، بانتظار تحديد الموعد والمكان. وفي هذا الصدد، تدور التكهنات حول أكثر من سيناريو، كما يتردد أن هناك خلافات داخل الحكومة الاسرائيلية حول صيغة الرد، بين أن يتناول مواقع وأهدافا في إيران، وبين أن يستهدف "امتداداتها" وأصولها العسكرية خارج حدودها، مع ترجيح الأولى، على أساس أن يكون "الرد بالمثل"، لكن هذا الخيار يتطلب الاستعانة بالناقلات الأميركية الجوية لتزويد الطائرات الحربية بالوقود جواً خلال رحلتها الطويلة بين إسرائيل وإيران.
الرئيس بايدن استبق الأمر، وقال إن واشنطن "لن تشارك" في عملية من هذا النوع. جون كيربي المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، شدد على أن الرئيس بايدن "بالتأكيد لا يتطلع إلى الحرب"، وعليه فمن المفترض أن تكون الإدارة قد طلبت من تل أبيب صرف النظر عن هذا الخيار، على اعتبار أن الأخيرة بحاجة في مهاجمتها لإيران، إلى دعم أميركي أكبر من الذي احتاجته ليل السبت الماضي. لكن إشاراتها متضاربة، وفي أحسن الأحوال ملتبسة. الناطق باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر، وفي رده على سؤال خلال إيجازه الصحافي الاثنين، لم يؤكد ما إذا كانت الإدارة قد طلبت من إسرائيل التخلي عن الرد ضد إيران، قائلاً إن هذا شأن "تتم مناقشته بيننا"، وكأن الأمر متروك حسمه بما يتناسب ومقتضيات اللحظة.
ولمثل هذه الممارسة سوابق. فعلى الرغم من إعلان البيت الأبيض ومنذ البداية، عن معارضته لأي محاولة لتمديد ساحة الحرب، تعامل مع عملية القنصلية الإيرانية وكأنها حدث عادي، مع أنها، وباعتراف جهات عديدة، كانت وخُطط لها عمداً لتكون شرارة لتوسيع الحرب. وبدلاً من التعامل معها على هذا الأساس، اكتفت الإدارة بالإعراب عن رفضها المبدئي لاستهداف الأمكنة والمنشآت الدبلوماسية، من باب أنها تشكل انتهاكاً للقوانين والأعراف الدولية.
وبموازاة التهاون مع مثل هذه المحاولات، انتعش خطاب الحرب لدى المحافظين بوتيرة عالية. السفير والمستشار الرئاسي السابق جون بولتون، الذي يُعتبر عميد المتشددين، يحض إسرائيل على الرد "بضرب منشآت المشروع النووي الإيراني"، وذلك كخطوة لا بد منها "لاستعادة الردع الإسرائيلي الأميركي الذي أصيب بفشل ذريع" ليلة الهجوم الجوي الإيراني على اسرائيل. بنفس النبرة تحدثت جهات أخرى نافذة ومؤثرة، مثل "وول ستريت جورنال" التي خصصت افتتاحية لحث إسرائيل على الرد بالمثل على إيران. هذه الدوائر وأمثالها في الكونغرس، ولو أنها لا تمثل الأكثرية، إلا أنها تزيد من الضغوط على الإدارة للتراجع عن رفضها دعم إسرائيل في ردها المرتقب على إيران، ولو أن الأكثرية في الكونغرس ومختلف الأوساط المعنية، تقف في الخندق المقابل الذي يدعو إلى خفض التصعيد وتجنّب الحرب في المنطقة. لكن القرار بيد إسرائيل.
الرئيس بايدن تخلى منذ حرب غزة عن أوراقه القادرة على التحكم بهذه الحرب واحتمالات توسيعها. ونتنياهو الذي أنهك بايدن، يتقن لعبة جر الإدارة إلى ساحة النزاع، وقد دخلتها السبت الماضي "دفاعاً" عن إسرائيل، وفي ذات الوقت بقيت عينها على الخصم الإيراني الذي تحرص على ألا تحوّله إلى عدو، وهذا ما يفاقم النفور بين نتنياهو وبايدن، رغم وحدة الرابط الصهيوني.