النسوية ضرورة فلسطينية

النسوية ضرورة فلسطينية

27 مارس 2022
مسيرة في غزة في ذكرى يوم المرأة العالمي 2022 (علي جاد الله/ الأناضول)
+ الخط -

كالكثير من المجتمعات في العالم، وتحديداً المجتمعات القابعة تحت ظلم الاستعمار أو أي شكل من أشكال الاضطهاد يحتفل الشعب الفلسطيني أو على الأقل طيف لا بأس به من أطياف المجتمع، كل عام في الثامن من مارس/آذار بعيد المرأة العالمي سواء عن طريق المظاهرات أو المهرجانات الخطابية التي اعتاد اليسار الفلسطيني التقليدي على إحيائها بكلمات من الصف القيادي الأعلى لهذا اليسار وبشكل حماسي يعلنون بها أن المرأة هي أم الشهيد وأخت الأسير وزوجة المناضل و.. في اليوم الذي ينبرون به لتكريم المرأة يهينونها بقصد عن لا وعي حيث يقومون بتجاهل المرأة ككيان مستقل عن الرجل ويربطون وجودها بوجوده فهي الأم أو الزوجة أو الابنة.

تسعى سياسات الاحتلال إلى مواجهة النمو السكاني الفلسطيني ففي مقابل تشجيع المرأة اليهودية على الإنجاب يسعى الاحتلال إلى الحد من القدرة الإنجابية للمرأة الفلسطينية

هذا الانحدار بالخطاب والرؤية ليس بجديد، إلا أنه أخذ يتعمق أكثر ويصبح أوضح بعد اتفاقية أوسلو، التي خلقت سلطة تقوم بمهمة الاحتلال في قمع واضطهاد الشعب الفلسطيني، مما يعني في الضرورة أنها أخذت عن الاحتلال الدور الذكوري الاستعماري، هذا الدور العنيف الموجه ضد المرأة والرجل على سواء، إلا أنه وفي حالة الاحتلال الصهيوني يظهر أكثر وضوحاً ضد المرأة، وذلك نتيجة الحالة الهستيرية لدى الاحتلال في مواجهة الديموغرافية الفلسطينية، ولكون المرأة هي الرحم المسؤول عن الزيادة والاستمرار السكاني الفلسطيني.
ولذلك تسعى النسوية الفلسطينية إلى الخروج من ثنائية (المرأة / الرجل) الشائعة لدى النسوية التقليدية أو النسوية البيضاء، إلى تحليل سياسي ومجتمعي شامل، قادر على توصيف الاحتلال كسلطة ذكورية تسعى إلى إنهاء وإبادة شعب بأكمله، مما يجعل نضال النسوية الفلسطينية (نساء ورجالا) ذا شقين مترابطين يسيران جنباً إلى جنب، لا يمكن أن ينفصل أحدهما عن الآخر فمن جهة تكون النسوية بحالة نضال سياسي تحرري ضد الاحتلال الصهيوني، ومن جهة أخرى نضال مجتمعي تحرري ضد القمع الذكوري من قبل المجتمع الفلسطيني (مجتمع أنثوي كونه يرزح تحت نير الاستعمار)، الذي لا يمكن فهمه وتحليله بمعزل عن الاحتلال المهيمن على معظم تفاصيل حياته.
إن النضال النسوي ليس بحالة طارئة وجديدة في المجتمع الفلسطيني، ففي عشرينيات القرن المنصرم بدأت تتشكل ملامح نضال نسوي منظم ونتيجة لثورة 1929 عقد المؤتمر النسائي الفلسطيني في القدس، اشتركت فيه أكثر من 300 امرأة من مختلف أنحاء فلسطين، واتخذت فيه عدة قرارات، ووضعت قدرات الحركة النسائية الفلسطينية ضمن دائرة الحركة الوطنية النضالية العامة. وقد أيدت قرارات المؤتمر النسائي القرارات التي تبنتها الحركة الوطنية في مؤتمراتها السابقة (المؤتمر العربي الفلسطيني)، وقرر المؤتمر، على الصعيد النسائي، أن تسعى المرأة الفلسطينية جاهدة لقيام نهضة نسائية وطنية عربية في فلسطين تكون على اتصال بالحركات النسائية القائمة في الأقطار العربية المجاورة.

بدأ النضال النسوي الفلسطيني عقب ثورة 1929 بعقد المؤتمر الأول في القدس

هذا النضال النسوي الفلسطيني ما زال مستمرا الى الآن وكجزء من النضال الفلسطيني والثورة الفلسطينية ودافع لها، لذلك يحاول الاحتلال الصهيوني شن ما يمكن تسميته بالحرب الأنثوية والتي تأخذ شقين الأول بالترويج لنفسه داخليا وعالميا  كداعم لحقوق المرأة والحقوق الجندرية، محاولا خلق ثنائية الصهيوني التقدمي المتحرر بمواجهة الفلسطيني المتخلف، ومظهراً نفسه كداعم للحقوق والحريات للنساء وللهويات الجندرية المختلفة، وفي سعيه لشرخ المجتمع الفلسطيني معتمداً في كثير من الأحيان على بعض المنظمات غير الحكومية المدعومة إما من قبله أو من قبل الحكومات الأوروبية، ليتم التركيز على جزئية واحدة من القضية النسوية (دعم المرأة الفلسطينية للتحرر من السلطة الأبوية الذكورية) دون ربطها بهياكل الهيمنة الاستعمارية الأوسع، متنصلا من دوره الاستعماري العنفي الذي يقودنا للشق الثاني من حربه الأنثوية من خلال القمع العنيف لكل أشكال هوية الفلسطيني المستعمَر، التي تناضل ضد الاحتلال ومن ضمنها الهوية النسوية والهويات الجندرية المختلفة في المجتمع الفلسطيني. 

لذلك تشكك النسوية الفلسطينية بتصرفات الاحتلال التي قد تبدو ظاهرياً أنها داعمة للمرأة إلا أنها تتستر خلف هذا الدعم لتمرير ممارسة سياسات خبيثة. فسياسات الاحتلال الموجهة للفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، تدعي أن الظاهر اهتمامها بمصلحة الفلسطينيين إلا أن الهدف الرئيسي منها مواجهة النمو السكاني الفلسطيني، ومن هذه السياسات تنظيم الأسرة (النسل)، ففي مقابل تشجيع المرأة اليهودية على الإنجاب يسعى الاحتلال إلى الحد من القدرة الإنجابية للمرأة الفلسطينية، وعلى الرغم من دور التعليم في زيادة الوعي بواقع الاستعمار وضرورة النضال ضده، يشجع الاحتلال عليه وذلك بسبب الدراسات التي أظهرت العلاقة العكسية بين التعليم وعدد الولادات، فكلما ارتفعت نسبة التعليم تنخفض نسبة الولادات، ويحاول الاحتلال السيطرة على حالة الوعي الفلسطيني الناتجة عن التعليم قدر الإمكان من خلال تدخله وتحكمه بالبرامج التعليمية. إلا أن دعم الاحتلال المزعوم للمرأة الفلسطينية يختفي سريعاً في الكثير من الظواهر المجتمعية وعلى رأسها جرائم الشرف التي لا يتدخل بها الاحتلال أو يتدخل بشكل خجول كون تأثير هذه الظاهرة سلبيا بالمطلق على المجتمع الفلسطيني.

فنضال النسوية الفلسطينية ضد الاحتلال الصهيوني ضرورة حتمية لتحرير المرأة الفلسطينية كجزء من تحرير كل فلسطين، وممارسة دورها الفاعل في المجتمع الفلسطيني إلا أن التحرر من الاستعمار لا يكفي النسوية الفلسطينية التي عليها خوض نضال مجتمعي ضد القيادات المجتمعية الفلسطينية المعتمدة على بنى ونظم متخلفة تضمن استمرار هيمنتها المجتمعية مدعومة بتحالفات ظاهرة أو مستترة مع السلطة السياسية المسيطرة سواء كانت الاحتلال أو ما يسمى بالسلطة الوطنية الفلسطينية أو سلطة حماس في غزة أو السلطات السياسية في دول الشتات. فالمجتمع الفلسطيني ككل وعلى اختلاف تواجده يعاني بأشكال مختلفة من القيم المجتمعية المتخلفة التي تشكل عائقاً بوجه تحريره، إلا أن معاناة المرأة تبدو أكثر وضوحاً كونها الضحية المباشرة لما يسمى جرائم الشرف إضافة الى التعنيف والتحرش والاغتصاب وحالات الابتزاز وصفقات الزواج التي من ضمنها زواج القاصرات وغيرها من حالات القمع الذكوري المجتمعي. لذلك لا منطق بتأجيل النضال من أجل الحقوق والحريات المجتمعية الأساسية إلى حين إنجاز المطلب الوطني العام بتحرير فلسطين من الاحتلال، الذي يتطلب فعليا تضافر وتكاتف كل الجهود في سبيل تحقيقه دون القدرة على تهميش أي فئة من فئات المجتمع.
لربما تشكل المرأة الفلسطينية نصف المجتمع الفلسطيني، لكن لا يمكن أن تتحرر فلسطين إلا حين يصبح الفكر النسوي التصادمي مع الاستعمار سائدا في المجتمع الفلسطيني.