العراق: ترحيل ملف المدن "منزوعة السكان" للحكومة المقبلة

العراق: ترحيل ملف المدن "منزوعة السكان" للحكومة المقبلة

03 يونيو 2022
معركة جرف الصخر ضد "داعش"، خريف 2014 (الأناضول)
+ الخط -

كشف مسؤول عراقي بارز في بغداد، أمس الخميس، عن ترحيل مشكلة المدن منزوعة السكان التي يسيطر عليها خليط من المليشيات المسلحة الحليفة لطهران، إلى الحكومة المقبلة، بعد تعثّر حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في حسم الملف الذي كانت قد وعدت بحسمه في البرنامج الحكومي الذي أقرّته في يونيو/ حزيران 2020.

ولا يزال أكثر من 400 ألف عراقي ممنوعون من العودة إلى مدنهم بقرار من الفصائل المسلحة التي تستولي عليها، وأبرزها منطقة جرف الصخر (شمالي بابل)، التي تضم قرى وأريافاً منزوعة السكان، مثل الفارسية وصنيديج والقراغول وغيرها، يتحدر منها نحو 140 ألف نسمة.

وتسيطر على المنطقة مليشيات "كتائب حزب الله" و"النجباء" و"عصائب أهل الحق" و"جند الإمام"، منذ نهاية عام 2014. كما منعت تلك المليشيات سكان بلدات أخرى، أبرزها العوجة ويثرب وعزيز بلد وقرى الطوز وقرى مكحول في محافظة صلاح الدين، والعويسات وذراع دجلة وجزء من منطقة الثرثار ومجمع الفوسفات في محافظة الأنبار، وقرى المقدادية وحوض العظيم، شمال شرقي محافظة ديالى، من العودة إليها.

وطاول الأمر أيضاً قرى ومناطق عديدة في محافظة نينوى، واقعة على مقربة من الحدود مع سورية، أبرزها ربيعة وقرى سنجار. ولا يقتصر المنع من دخول تلك المناطق على أهلها، بل تمنع المليشيات أيضاً دخول القوات العراقية النظامية، وهو ما يعزز التسريبات حول وجود معسكرات ومخازن خاصة بها، خارج سيطرة الدولة العراقية.

أسباب ترحيل ملف المدن "منزوعة السكان" للحكومة المقبلة

وتحدث مسؤول عراقي رفيع في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، عن ترحيل ملف المناطق التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة إلى الحكومة المقبلة، عازياً ذلك إلى تعذر إقناع الجماعات بالانسحاب من المدن وإعادة السكان إليها على غرار باقي المدن المحررة الأخرى.

واعتبر في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن التوجه بترحيل الملف للحكومة المقبلة "تعامل مع الأمر الواقع. الفصائل تعتبر أن الانسحاب من تلك المدن سيُحسب إنجازاً لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي".

وأكد أن الحكومة قادت خلال العامين الماضيين جهوداً واسعة بدفع وتشجيع من بعثة الأمم المتحدة وكتلة سياسية من العرب السنة، لحل الأزمة، لكنها لم تسفر عن أي نتائج ملموسة، بسبب رفض قادة الفصائل الانسحاب أو حتى السماح للمواطنين بالعودة إلى منازلهم، والتمسك بوجودهم داخل المدن.


ملف المناطق المُفرّغة من سكانها تتحكم به قوى مدعومة إقليمياً لا تخضع للقوانين العراقية

وتحدث المسؤول عن "لف ودوران من قبل قادة الفصائل في هذا الملف، وبعضهم طلب مناقشة الموضوع مع قائد فيلق القدس الإيراني الجنرال إسماعيل قاآني"، معتبراً أن "الملف رُحّل عملياً للحكومة المقبلة، والبرلمان الجديد يقع على عاتقه حل هذا الملف الإنساني".

وختم بالقول إن "تكتلاً سياسياً من العرب السنة قاد حراكاً ومفاوضات واسعة خلال العام الماضي، من أجل حسم الملف وإعادة أهالي جرف الصخر إليها، وحقق تقدماً في المفاوضات، إلا أن الجهات التي تسيطر على تلك المناطق تعتمد أسلوب التحايل والمماطلة مع أي جهد يهدف لإنهاء احتلالها".

بدوره، قال عضو البرلمان باسم خشان، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إنه يُفضل استعمال مصطلح "فشل كبير في إعادة النازحين إلى مناطقهم بعد وعود الحكومة الوردية لهم".

وأضاف أن "الكاظمي سعى إلى فتح بلدات جرف الصخر والعوجة، وغيرها من المناطق، لكن هذا لم يتم إلا عبر البيانات الحكومية فقط، لأن الحكومة تفتقد إلى الإرادة في حسم أزمة النزوح على الرغم من إعلان هزيمة تنظيم داعش منذ 6 سنوات".

وعزا خشان سبب فشل الحكومة إلى أنها "عاجزة عن مواجهة الجهات والفصائل المسلحة الممانعة لعودة الأهالي إلى تلك المناطق، إضافة إلى أنها ضعيفة في قراراتها". وأكد أنه "كان متوقعاً فشل الحكومة في ملف النازحين، لأنه صعب، وقد فشلت فيه حكومتا حيدر العبادي وعادل عبد المهدي".

من جهته، أشار عضو تحالف "السيادة"، النائب رعد الدهلكي، إلى أن "ملف المناطق المُفرّغة من سكانها كبير جداً، وتتحكم به قوى مدعومة إقليمياً ومليشيات لا تخضع للقوانين والقرارات العراقية".

وذكر في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "هذه المناطق ما زالت محتلة على الرغم من أنها حُررت من سيطرة تنظيم داعش، ومحتلة من قبل مليشيات توالي أنظمة خارجية، ولا نستحي من أن نقول إنها مليشيات عراقية تعمل في بلادنا بأوامر إيرانية وولاء إيراني منقطع النظير. وبالتالي فإن حل ملفات هذه المناطق يحتاج إلى تواصل وتفاهمات إقليمية".


تمنع المليشيات القوات العراقية النظامية من دخول المدن منزوعة السكان

ولفت الدهلكي إلى أن "أهالي جرف الصخر أو العوجة والعويسات وغيرها، ليسوا إرهابيين، على الرغم من أن هذا الادعاء دائماً ما تصرّح به القوى التي تسيطر على هذه المناطق من دون وجه حق، ولو أن هناك من الأهالي بعض الأشخاص الذين انتموا لجماعة معينة، أو تنظيم مسلح محدد، فإن ذلك لا يعني أن جميع الأهالي إرهابيون، لأن في ذلك اتهام وتجنٍ كبيرين على النازحين الذين يعانون من قساوة الحر والبرد".

تغيير ديمغرافي للمدن "منزوعة السكان"

واعتبر أن "الجهات التي تسيطر على البلدات العراقية المفرّغة من سكانها الأصليين تسعى إلى إكمال مخطط خبيث للتغيير الديمغرافي فيها، تحت ذرائع ليست حقيقية ولا تمت للواقع بصلة. وللأسف فإن حكومات العبادي وعبد المهدي والكاظمي لم تتمكن من إنهاء هذه المعاناة والمأساة التي يقع العراقيون الأبرياء ضحية لها".

بدوره، رأى الباحث في الشأن السياسي العراقي كتاب الميزان أن "ملف المناطق منزوعة السكان في العراق ليس محلياً ولا يخضع للإرادة الداخلية في العراق".

وأضاف في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "حكومة الكاظمي أو التي قبلها أو التي ستأتي بعدها هي جزء من إرادة محلية قد لا تستطيع مواجهة المليشيات التي تعتبر نفسها أقوى من الدولة، لأنها تمتد إلى خارج العراق وتمنع العراقيين من المناطق المحررة من العودة إليها بشكلٍ صريح".

وأشار الميزان إلى أن "عودة هذه المناطق تحتاج إلى تقوية الدولة والمؤسسات الأمنية والعسكرية، وإعطاء مهلة للمليشيات المتنفذة للخروج من هذه المناطق والسماح بعودة الأهالي، لأن بقاء الوضع الحالي على ما هو عليه، يمثل قمة الاستخفاف بالقوانين، سواء العراقية المعمول بها في القضاء، أو القوانين الإنسانية التي تحرم الإنسان من منزله وأراضيه ورزقه".