اختار البرلمان اللبناني، اليوم السبت، بعد جلسة "نارية" لمناقشة رسالة رئيس الجمهورية، ميشال عون، بخصوص التأخير الحاصل بتشكيل الحكومة برئاسة سعد الحريري، عدم الدخول في معركة ثنائية بين الأخيرين، فيما ألقى الحريري كلمة حادة النبرة، حسم فيها أنه لن يشكل حكومة كما يريدها عون وفريقه، ولا نية له في الاعتذار.
واكتفى البرلمان، بعد الجلسة التي عقدها في قصر الأونيسكو في بيروت، بإصدار كلمة شدد فيها على "ضرورة مضي المعنيَيْن رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء المكلف سعد الحريري قدماً وفق الأصول في تشكيل حكومة جديدة بالاتفاق بينهما"، مفضلاً بذلك عدم الانحياز إلى أي طرفٍ بناء على الدستور الذي لا يخوله سحب التكليف أو اتخاذ قرار إجرائي.
ولم يرضخ الحريري لنصائح أفرقاء سياسيين يعارضون "العهد الحاكم" ،كما علم "العربي الجديد"، باستخدام خطاب هادئ منعاً لملاقاة عون في هدم كل فرص التقارب والإصلاح. وأصرّ رئيس الحكومة المكلف على الردّ بما يستحقه فريق رئيس الجمهورية وعلناً أمام الرأي العام باعتبار أن الرسالة التي وجهها رئيس الجمهورية إلى البرلمان كانت محاولة لسحب التكليف منه، وهو ما يضعه مراقبون في خانة دخول الملف الحكومي في نفق مظلم.
واستخدم الحريري في كلمته نعوتاً وأوصافاً كـ "الأزلام" لفريق رئيس الجمهورية ومستشاريه، وضعها حكمت ديب، النائب في "التيار الوطني الحر"، الذي يرأسه جبران باسيل صهر رئيس الجمهورية، في خانة المهينة، طالباً سحبها من محضر الجلسة.
كما حرص على بدء كلمته بطريقة هجومية، مشدداً على أنّ رسالة عون في الشكل دستورية، ولكن في الحقيقة، كما قال، "نحن أمام رئيس للجمهورية يقول للنواب سميتم رئيساً للحكومة، أنا لا أريده، ولن أسمح له بتشكيل حكومة، تفضلوا خلصوني منه".
وشدد على أنه "ما على الرئيس عون إلا الإفراج عن التشكيلة، لتذهب الحكومة إلى المجلس النيابي، فإذا فشلت في نيل الثقة، يكون قد تحقق له ما يريد، وتخلص من رئيس الحكومة، وأعطى المجلس النيابي الفرصة الوحيدة التي يتيحها الدستور لإلغاء مفاعيل تسمية رئيس مكلف بتشكيل الحكومة".
ودعا الحريري "رئيس الجمهورية، وفريقه السياسي، أن يكفوا في هذه السنة الأخيرة المتبقية من عهده عن محاربة طواحين الهواء، والخروج من الأزقة الضيقة، التي علقوا فيها طوال خمسة أعوام، فأوصلتنا وأوصلتهم إلى هنا"، مشدداً على أن "لبنان يستحق محاولة جديدة، ويستحق طريقة أخرى، ويستحق نتيجة غير الفشل".
وتخللت كلمة الحريري اتهاماً صريحاً للرئيس اللبناني بأنه يملك باعاً طويلاً في التعطيل، سارداً المسار التاريخي على الصعيد الحكومات المتعاقبة ومحاباته لصهره باسيل والفراغ الرئاسي، وطريقة إدارة فريقه للبلاد، إلى حدّ قوله إن "وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال شربل وهبة (مستشار عون السابق) ذكرنا قبل أيام قليلة أياً من الأخطاء الكبيرة لا بل المميتة يمكن للأزلام أن يرتكبوها".
واتهم الحريري عون بطريقة مبطنة بأنه لا يعمل لمصلحة المسيحيين أو الموارنة أو يحرص على تثبيتهم في لبنان، مذكراً بالفراغ الرئاسي الطويل في موقع الطائفة، ليشدد على أنه هو من حمى الموقع ودافع عنه.
وقال الحريري: "أطال الله بعمر البطريرك الماروني بشارة الراعي والبابا فرنسيس ليشهدا من هو المتمسّك الحقيقي بالمناصفة والشراكة الكاملة وبحقوق المسيحيين وبقائهم في وطنهم وأرضهم في لبنان".
وأضاف "قرأنا جميعاً أن هذه الرسالة تهدف إلى تبرئة ذمة الرئيس من تهمة عرقلة التشكيل شأنها شأن الرسائل الموجهة إلى عواصم أجنبية لحماية بعض الحاشية والمحيطين والفريق السياسي من عقوبات يلوح بها الاتحاد الأوروبي أو الدول، الحقيقة أبعد من ذلك التفصيل وهي ليست بالشكل بل بالأساس".
وتوجه الحريري إلى رئيس البرلمان نبيه بري بالقول "نحن أمام رئيس للجمهورية يريد منا تعديل الدستور. فإذا لم نفعل، يريد تغيير الدستور بالممارسة من دون تعديل، وبانتظار أن يكون له ما يريد، يعطل الدستور، ويعطل الحياة السياسية في البلاد، والأخطر من ذلك، يعطل أي أمل أمام اللبنانيين بوقف الانهيار المريع".
وأكد الحريري أنه لن يشكل الحكومة كما يريدها فريق عون، ولا كما يريدها أي فريق سياسي بعينه. ولن يشكل الحكومة إلا كما يريدها وقف الانهيار ومنع الارتطام الكبير الذي يتهدد اللبنانيين في مأكلهم وصحتهم وحياتهم ودولتهم.
واتهم الحريري من جديد فريق رئيس الجمهورية بسعيه إلى الثلث المعطل، وقال، "النص الدستوري يؤكد بوضوح أن الحكومة تعتبر مستقيلة في حال استقال رئيسها أو استقال أكثر من ثلث أعضائها. وبالتالي، فإن اكتساب رئيس الجمهورية الثلث المعطل يعطيه القدرة على إقالة الحكومة في تعديل دستوري مقنّع".
ورد الحريري كرة الرسالة التي طلب فيها رئيس الجمهورية من مجلس النواب اتخاذ موقف أو قرار من التأخير في تشكيل الحكومة، بأن المجلس نفسه الذي سماه رئيساً للحكومة وهو من انتخب أيضاً رئيساً للجمهورية. واعتبر أن "ذلك بارقة أمل بأن الرئيس عون يعترف بمجلس النواب، علّ هذا الاعتراف يشكل حافزاً للرئيس بأن يتفادى الإخلال بواجبه الدستوري، عبر الإفراج عن دعوة الهيئات الناخبة للانتخابات الفرعية لملء المقاعد الشاغرة في هذا المجلس، والقابعة في أدراجه منذ أكثر من شهرين".
أما باسيل، الذي تحدث قبل الحريري، فحرص في بداية كلمته على التأكيد بأن رسالة عون لا تهدف إلى طلب سحب التكليف، مشدداً على أنه يريد تشكيل حكومة يرأسها الحريري، نائياً بنفسه عن التفسيرات اللاحقة لكلمته التي استبقها بالقول إنها ستكون مجرد "افتراء".
وأكد باسيل أن الهدف من الرسالة حضّ الرئيس المكلف على تشكيل حكومة، مقدماً في السياق جملة اقتراحات، منها دعوة عون لجلسة حوار يكون بندها الأول تشكيل حكومة وبندها الثاني الإصلاحات والثالث تعديل النظام، إضافة الى إجراء تعديل دستوري يحدد المهل في تشكيل الحكومة.
وحاول باسيل، عبر كلمته "الهادئة" التي حازت بدايةً على إعجاب ورضى بري، الرد على كل الاتهامات التي تطاول عون و"التيار الوطني الحر" بعرقلة التشكيل أو التعطيل، مشدداً على أنه لا يريد الثلث المعطل، وأن الحريري إن كان جدياً في التأليف عليه أن يقدم لائحة مفصلة إلى رئيس الجمهورية بالتشكيلة الوزارية. وخلال إدلاء باسيل بكلمته خرج الحريري لبعض الوقت من القاعة وعاد ليستكمل الاستماع إليه ويعيد قراءة الكلمة التي يحملها في يديه.
واكتفى عدد من نواب "تيار المستقبل" بالقول لـ"العربي الجديد" لدى خروجهم من الجلسة: "الحريري قال كلمته ومشى، ولن نزيد شيئاً والكرة باتت في ملعب الرئيس عون"، في حين فضّل بعض نواب "التيار الوطني الحر" التأكيد لـ"العربي الجديد" أن "الحريري اليوم أهان الرئيس عون وموقع الرئاسة الأولى وأراد أن يخرج بخطاب شعبوي بطولي لم ولن نبادله إياه".
وتخلّلت الجلسة مواقف بدأها نائب "حزب الله" محمد رعد في حث الرئيسين على تشكيل الحكومة بأسرع وقتٍ ممكن وعدم إهدار الفرص وتقديم التنازلات لمصلحة البلد واللبنانيين، قبل أن يطلب عدد من النواب الكلام ويكرروا الحديث ذاته تقريباً حول حاجة البلاد إلى حكومة اختصاصيين تقوم بالإصلاحات المطلوبة، وأهمية قيام تسوية.