إدارة بايدن تترك الأزمة الإثيوبية للوساطة الأفريقية

إدارة بايدن تترك الأزمة الإثيوبية للوساطة الأفريقية

27 نوفمبر 2021
الساحة الإثيوبية مرشحة للتشقق والتفكيك بحكم تركيبتها المتنافرة (فرانس برس)
+ الخط -

قبل أيام، حذّر المبعوث الأميركي للقرن الأفريقي، جيفري فيلتمان، من أن التطورات الميدانية للأزمة الإثيوبية قد تسبق المساعي الدبلوماسية لحل النزاع بين حكومة أبي أحمد وقوات إقليم تيغراي. وبالفعل سبقتها، وبدا أن كلامه كان بمثابة قراءة لما آل إليه الوضع أكثر منه تحذيرا، وأن الأوان قد فات لتجنب الخيار العسكري.

رافق ذلك ما يشبه التسليم بمثل هذا الواقع. وزارة الخارجية انتقلت من حث الأميركيين على مغادرة إثيوبيا، إلى التشديد على ضرورة خروجهم "الآن"؛ لأنه "لن تكون هناك عملية إخلاء من إثيوبيا كما جرى في أفغانستان"، مع أنها لم تقفل السفارة بعد، على أساس أن "قوات تيغراي ليست مثل طالبان". الرسالة واضحة، إن القتال قد يصل إلى العاصمة أديس أبابا مع كل ما يترتب على ذلك من مخاطر وتداعيات. وفي هذا السياق، أجرى وزير الخارجية أنتوني بلينكن، الأربعاء، اتصالاً مع الرئيس الكيني، أوهورو كينياتا، بشأن الأزمة في إثيوبيا، مشدداً على وجوب "الانتقال السريع إلى التفاوض"، مع التأكيد على "أهمية تمرير المساعدات الإنسانية إلى كافة الأطراف المتأثرة بالعمليات العسكرية". ويأتي ذلك في امتداد الحديث عن تفاؤل ولو حذر، بالوساطة التي يقوم بها مبعوث الاتحاد الأفريقي، علّها تقوى على "فتح كوة" في جدار الأزمة، وبما يوحي بأن كل الآمال باتت معلقة عليها.

وفي اعتقاد فريق من المحللين أن المشكلة وصلت إلى سكة المواجهة العسكرية، لأكثر من سبب؛ أبرزها أن الدبلوماسية الغربية والدولية "لم تكن جدية" عموماً في التعامل مع الأزمة. فبدلاً من المبادرة؛ اكتفت بممارسة دورها من موقع "رد الفعل". ومعظم الجهود انصبّت على تمرير المساعدات الإنسانية المهمة، لكن غير الكافية؛ لأنها نأت عن التصدي لأصل المشكلة، وتدبير المخارج لها.

يتكشف بذلك مرة أخرى "ضعف النظام الدولي"، وفي القلب منه الأمم المتحدة، الذي فشل أو تراخى في حل المشكلة. يُضاف إلى ذلك ما يضعه البعض في خانة الانحياز، أو التفضيل لقوات تيغراي، لأسباب منها ما يتصل بإريتريا التي حذرتها واشنطن في الربيع الماضي من التدخل في الإقليم. وتجلّى ذلك في امتناع إدارة بايدن عن ممارسة "ضغوط فعالة" على قوات تيغراي، فيما قام فيلتمان خلال زيارته إلى أديس أبابا، في الرابع الشهر من الجاري "بتوجيه ما بدا أنه إنذار إلى الحكومة التي أوقفت إدارة بايدن تزويدها بالسلاح منذ الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني، ثم فرضت عليها عقوبات في 12 منه". وما يزيد من مسؤولية الغرب الأميركي والأوروبي؛ أنه في غياب ضغوطه "ستبقى الحرب مشتعلة".

وحسب جون أبّينك، الباحث بمركز الدراسات الأفريقية في جامعة ليدن في هولندا والمتخصص في الشأن الإثيوبي، فإن الساحة الإثيوبية مرشحة أصلاً للتشقق والتفكيك بحكم تركيبتها المتنافرة، التي تركته الأنظمة المتعاقبة على حالها للاستقواء بانقساماتها، والتي لم يقوَ الزمن على تلطيف تناقضاتها. والتخوف من أن الانهيار الإثيوبي لو حصل، لن تقتصر تداعياته على إثيوبيا وحدها، فضلاً عن ما قد يتسبب به من خلل في المعادلة الإقليمية، سواء من باب أنها البلد الثاني بحجمه في القارة السوداء، أو من باب الدور الذي كانت تلعبه إثيوبيا خاصة في محاربة الإرهاب في القرن الأفريقي.

رغم ذلك، لم تغادر الإدارة موقفها الذي اكتفى، ولا يزال، بدعوة الطرفين إلى "خفض التوتر" والقبول بـ"وقف إطلاق النار" والتوجه فوراً إلى "طاولة الحوار والخيار الدبلوماسي". الخطاب الهوائي نفسه الذي تتعامل به واشنطن مع النزاعات التي تنفض يدها منها، أو التي تخفي من خلاله انحيازها لأحد أطرافها.

رئيس الحكومة أبي أحمد يقول إن قواته الحكومية ستخوض بقيادته "القتال الأخير لإنقاذ إثيوبيا". كلامه يطرح تساؤلات عما إذا كانت المواجهة الجارية هي الأخيرة فعلاً، وما إذا كانت ستنتهي بالإنقاذ أو بنقيضه، كذلك تطرح نبرة الحسم في القتال الذي صار على مسافة أقل من 200 كم من العاصمة، على ما يتردد؛ تساؤلاً آخر حول ما إذا كانت الأطراف المتناحرة تستقوي بقوى خارجية مقتدرة لحساباتها الإثيوبية والأقليمية.