الأردن والعشرية الثانية للملك

الأردن والعشرية الثانية للملك

05 يوليو 2019
+ الخط -
تكتمل هذه الأيام عشرون عاما على تولّي الملك عبد الله الثاني سلطاته الدستورية، رابع الملوك الأردنيين. وتأتي المناسبة مع تعاظم الضغوط الداخلية والخارجية على البلاد التي ترزح، منذ نحو قرن، تحت وقع التبدلات والتحولات التي تضغط على عصبها، أهمها وجود إسرائيل وتباين المشاريع العربية وتعارضها. وقد ورث الملك مملكة محاطة بحزام من المشكلات المتفجرة، لعل أهمها القضية الفلسطينية والتسوية العالقة، وحصار العراق ومن ثم احتلاله، والنفوذ السعودي والخليجي، إضافة إلى تباين الموقف من إسرائيل والتسوية بين الأردن والجارة الأقرب سورية. وكان تحدي لجوء العراقيين بعد احتلال بلدهم، وتعاظم خطر الإرهاب، ومن ثم الثورة السورية التي حملت أعباء أمنية واقتصادية خانقة، ساهمت في تعميق أزمة البلاد. وترافقت تلك التحولات والتبدلات في البنية الجيوسياسية للإقليم مع تفاقم أزمة داخلية كانت تفعل فعلها في البنية الاجتماعية والاقتصادية للدولة التي دخلت، منذ منتصف العشرية الأولى للملك، في حالة من التململ والاعتراض، ساحبة فئات اجتماعية من موقعها التاريخي، بوصفها قاعدة الحكم، إلى موقع المعترض والمحتج.
والسلطة المطلقة التي يمتلكها الملك، وكونه المسؤول الأول، تضعه أمام تحدّي تحمّل المسؤولية كاملة عن الأزمة في البلاد، ما يستدعي إعادة قراءة تلك التحديات الداخلية في سياقها الوطني. وكان الملك الراحل الحسين قد حكم البلاد نحو 47 عاما، تأسست خلالها جملة تسويات داخلية بين مراكز القوى، المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية والعشائر والكتل الاقتصادية والاجتماعية، تحت عنوان الولاء والانتماء للعرش الهاشمي الذي كان يؤمّن على الدوام لتلك الأطراف مصالحها الاقتصادية والاجتماعية، استنادا إلى دعم خارجي تتلقاه البلاد، بينما كانت تلك الأطراف تدين بالولاء للعرش.
وإضافة إلى تلك الأعباء الداخلية، في ما يتعلق بمصالح الشرائح الاجتماعية التي تمثل قاعدة 
الحكم وعموده الفقري، ظلت القضية الفلسطينية شأنا أردنيا داخليا، لما تثيره من حساسياتٍ داخلية في ما يتعلق بالقضية الوطنية المركزية (هوية الدولة) السياسية، وهي أحد أبرز التحديات التي كانت تضغط على عصب الدولة، تحت تهديد تحويل الأردن إلى وطن بديل وتوطين اللاجئين. وقد شكلت تلك القضية، على الدوام، هاجسا أردنيا وورقة مهمة عطلت الإصلاح السياسي. وأحدثت، في الوقت نفسه، واقعا من الصعب تجاوزه في ظل تشكّل جملة من الامتيازات، أساسها (محاصصة) للسلطة والنفوذ، مكّنت القوى البيروقراطية اليمينية المحافظة من الهيمنة على قواعدها التاريخية، عبر تخويفها من مصير هوية الدولة، وعبر اتخاذ مؤسسات الدولة الاقتصادية والخدمية والسياسية سلاحا لضمان قدرتها على شراء ولاء قواعدها لهذه النخب أولا وللنظام السياسي ثانيا.
مرّت العشرية الأولى للملك عبد الله الثاني، وهو يحاول إحداث تحول نوعي في بنية الدولة التي استعان بنخبةٍ من خارجها، فرضت شروطها في خصخصة مؤسسات الدولة، الذراع المالية والسياسية للنخبة القديمة، والتي مرّرت هذه الإجراءات، وشاغبت عليها، في الوقت نفسه، أملا في أن تجد لها مكانا في العهد الجديد، لتنتهي تلك الحقبة بتحول عملية الخصخصة إلى عملية نهب وفساد كبير، هدم البنية القديمة من دون التمكّن من بناء البنية الجديدة.
عمليا، كانت مؤسسات الدولة الاقتصادية تواجه تحدّي قدرتها على البقاء، عبر استمرار النخبة القديمة في تكديس الموظفين، بغية ضمان ولاء قواعدها الاجتماعية لها، وهي معادلةٌ يمكن قياسها على عشرات المؤسسات التي أصبحت موازنات الرواتب فيها أكثر من 90% من إيراداتها.
خارجيا، تمكّن الملك من توظيف الحرب الكونية على الإرهاب، والتي ضمنت له حضورا فاعلا على المستوى الدولي، في وقت كان رموز النظام الرسمي العربي القديم (عبدالله بن عبد العزيز، زايد بن سلطان، حسني مبارك) في حالة من العجز بفعل الشيخوخة، والتي مكّنت الملك من أن يقدّم نفسه ممثل العرب الشاب الذي يفهم لغة الغرب، بينما كانت اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية، بحسب الخطاب الرسمي، عنوانا لحفاظ الأردن على مصالح الشعب الفلسطيني، وكذا إسناد الفلسطينيين في الأرض المحتلة وقطاع غزة إغاثيا وطبيا عبر المستشفيات الميدانية وقوافل المساعدات الإنسانية.
رحل رموز النظام الرسمي العربي القديم (صدام حسين، حافظ الأسد، ياسر عرفات، مبارك،
عبدالله بن عبد العزيز)، وجاءت ثورات الربيع العربي التي انتهت إلى إعادة إنتاج هذا النظام وفق رؤية تقديم الاستقرار والتنمية على الديمقراطية والتنمية وتصدر الخطر الإيراني أولويات الحكام الجدد في الخليج، ما شكل قلقا للأردن الرسمي الذي وجد في ذلك تجاوزا للقضية الفلسطينية، وما يعنيه من تهديد ثوابت الدولة الأردنية، إضافة إلى أن انفتاح تلك الأطراف على إسرائيل أضعف دور الأردن، وجعل البلاد في حالة انكشاف، من دون أي ظهير عربي.
يدخل الأردن العشرية الثالثة من حكم الملك عبد الله الثاني، وهو يواجه جملة من التحدّيات، أهمها أزمة الثقة بين مؤسسات الدولة والأردنيين، ومشكلات الفقر والبطالة التي بلغت أرقاما قياسية ناهزت 18%، وتجديد النخبة السياسية وخطابها، ومواجهة التحديات الخارجية، وفي مقدمتها تسوية القضية الفلسطينية بما يضمن مصالح الدولة الأردنية والشعب الفلسطيني، إضافة إلى مواجهة حقائق التسويات الكبرى، في إطار الصراع الدولي في منطقة الشرق الأوسط وصراع المحاور الإقليمية.
78D57413-9DA6-427B-B957-612337B4E39B
78D57413-9DA6-427B-B957-612337B4E39B
منصور المعلا

كاتب ومحلل سياسي اردني، بكالوريوس في العلوم السياسية

منصور المعلا