الأيام وإماطة اللثام

الأيام وإماطة اللثام

27 يوليو 2019
+ الخط -
منذ عام 2015، والأيام كالحة بوجه اليمنيين، بسبب الحرب التي لا تزال رحاها دائرة. أيام متخمة بالكوارث التي نسمع بها كل يوم، بل وتلك التي نعايشها كل يوم في كل دقائق حياتنا. أقول حياتنا التي لم تعد إلا مجازا مقارنة بمسمى "حياة" على حقيقتها! فأي حياة تلك التي تكون مقوماتها رَجْع الطلقات وهول الموت المحلّق فوق الرؤوس وغيب المستقبل المجهول؟
إنها لا تملك من لفظة "الحياة" إلا ما نغالط به أنفسنا أننا لا نزال على ما يرام. ولكن على قدر سوء هذه الأيام، فلها وجه حسن ما كنا لندركه لولا كارثة الحرب.
أماطت هذه الأيام الكالحة اللثام عن الناس؛ فعرّتهم وأخرجت ما في القلوب من ضغائن، وأبدتْ من النيات، قبل الأفعال، ما تنفطر لها السماوات وتهد لها الجبال هدا. ساعد على ذلك وجود وسائل التواصل الاجتماعي في هذا العصر (فيسبوك وتويتر..) التي جعلت كل واحد منا "شهيدا" على نفسه، وعلى مكنون صدره، يبوح بذلك، من دون ضغط ولا اضطرار، بقلمه، أو بالأصح بلوحة مفاتيحه على حائطه الشخصي، فهذه تياراتنا السياسية، على سبيل المثال، تزايد في العلن على بعضها بعضا باسم الوطنية، لكن الشاعر الرصافي قالها كلمة صدق: لا يَخدعَنكَ هُتاف القومِ بالوَطَنِ/ القومُ في السرَّ غيرُ القومِ في العلنِ.
لله درها من أيام. على الرغم من أنها أيام نحِسات، إلا أنها من جانب آخر كاشفة لما في الصدور، وفاضحة لتركيبة مجتمعنا اليمني المتدثرة بالشعارات البرّاقة التي أطلقها الجميع؛ فجاءت هذه الأيام لتسحب الأغطية عن أصنامنا المعتّقة، فبان عيبها، وجلا زورها، فتبيّن منْ بكى ممنْ تباكى.
إنه زمان التمحيص الذي يمتاز فيه كل حي، وقد انقسم الناس بين أطرافها، في أتون الحرب القائمة، مثل ضرب القمار؛ إمّا لهذا وإمّا لذا.
تحركهم المصلحة الآنية التي لم تراعِ وطنا ولا شعبا ولا ذمة، المهم أن يفوز كل طرف ومطبلوه بالمكسب السريع، وليذهب الآخرون إلى الجحيم، من دون أن يعرفوا أن الجحيم هو "سقر" المصالح التي تحركهم جميعا، بل وتحرقهم جميعا.
أما سمعوا مولانا عبد الله البردوني يقول: الأرضُ نفسِ الأرضِ لكن الجحيمَ الآخرون؟.
لا أظنهم سمعوا، ولو سمعوا لما وعوا؛ لأنهم لو كانوا يعون، ما كان هذا حالنا، ولا وصلنا إلى هذه الورطة التاريخية، ويا لها من ورطة.
عبد الحفيظ العمري
عبد الحفيظ العمري
عبد الحفيظ العمري
كاتب ومهندس من اليمن، مهتم بالعلوم ونشر الثقافة العلمية. لديه عدّة كتب منشورة إلكترونيا. الحكمة التي يؤمن بها: "قيمة الانسان هي ما يضيفه للحياة ما بين حياته ومماته" للدكتور مصطفى محمود.
عبد الحفيظ العمري