جدل الغذاء النباتي

جدل الغذاء النباتي

19 يوليو 2019
+ الخط -
أثار الإعلامي المصري ذائع الصيت، باسم يوسف، عاصفة من الجدل في العالم العربي حول جدوى (وفاعلية) تحول الأفراد في طعامهم إلى نظام الغذاء النباتي، بعد أن أطلق، منذ مطلع شهر رمضان الفائت، برنامجاً جديداً عبر موقع "يوتيوب"، بعنوان "بلانت بي"، يشرح فيه، عبر مشاهد تمثيلية ولقاءات مع أطباء ومختصين، فائدة الامتناع عن أكل المنتجات الحيوانية، من لحوم وألبان ومشتقاتهما، والاكتفاء بالأغذية النباتية، قائلاً إن ذلك ينعكس إيجابياً على نشاط الجسم وطاقته، ويساعد في التخلص من أمراضٍ عديدة، فضلاً عن مساعدته مَن يعانون من السمنة في التخلص من وزنهم الزائد. 
البرنامج، المعزّز بموقع خاص على الإنترنت، بث اثنتي عشرة حلقة، عرضت تجارب لأشخاص تحولوا إلى النظام النباتي، فتمكّن بعضهم من الفوز ببطولاتٍ رياضية، وهم في سن متقدمة نسبياً، وساعد آخرين على تجاوز أمراض خطيرة، كان يفترض أن لا يتجاوزوها، كمرض التصلب العصبي المتعدّد. كما شرحت الحلقات، مستعينة بأطباء أميركيين، ما يؤول إليه النظام الغذائي التقليدي في الشرق الأوسط من التسبب بأمراض مزمنة شائعة، كالسكري وضغط الدم، ليحث جمهور المشاهدين الذين بلغ عددهم مئات آلاف على التوقف ليس فقط عن تناول اللحوم والمنتجات الحيوانية، بل كذلك على خفض استعمال الزيوت، بما فيها زيت الزيتون، والامتناع عن منتجات الكربوهيدرات المعالجة، وفي مقدمتها الخبز الأبيض والأرز الأبيض. ولم ينس البرنامج انتقاد الأنظمة الغذائية الشائعة حديثاً لخفض الوزن، مثل "كيتو" القائم على استهلاك الدهون، و"كارينفور" الذي يعتمد على أكل اللحوم.
في المقابل، انبرى عدد واسع من الأطباء واختصاصيي التغذية للرد، عبر "يوتيوب" أيضاً، على برنامج الإعلامي الطبيب، باسم يوسف. قال بعضهم إنهم جرّبوا تحدي الـ21 يوماً الذي أطلقه يوسف، فكانت النتيجة أنهم شعروا بالنشاط في الأيام الأولى، ثم خارت قواهم أو فقدوا تركيزهم في الأسابيع التالية، منتهين إلى حثّ مشاهديهم على عدم اتباع النظام الغذائي الخالص، والإبقاء على استهلاك اللحوم إلى جانب الطعام النباتي. رفض آخرون توجيه التهمة إلى زيت الزيتون، باعتباره جزءاً من المشكلة، معتبرينه غذاءً صحياً ممتازاً. ورأى آخرون أن جسم الإنسان مصمم لهضم اللحوم، فليس صحيحاً من ثم أن يكون مفيداً له الامتناع عنها. كما حمل آخرون لواء الدفاع عن أنظمة الحمية الغذائية الأخرى، معتبرينها هي الأخرى مفيدة لخفض الوزن والتخلص من الأمراض. هذا بينما نحى آخرون، ربما تطرّفوا في رأيهم، منحى آخر معتبرين أن باسم يوسف يحرّم في برنامجه ما أحله الله!
ما يمكن قوله إزاء هذا الجدل، أن برنامج باسم يوسف عن الغذاء النباتي حقق نجاحاً هائلاً، ولاقى إعجاباً كبيراً، حتى أن تصفح مواقع التواصل الاجتماعي يومياً يكشف عن أشخاص عديدين صرحوا بأنهم باتوا يتبعون النظام الغذائي الذي بشّر به يوسف، مستعرضين وجباتهم الغذائية النباتية، ومستفيدين من حلولٍ يقترحها الموقع الإلكتروني الخاص بالبرنامج، لإعداد وجبات غذائية نباتية مغذية ولذيذة، يساهم في وصفها عشرات المتطوعين ممن يتقنون الطهي.
وبعيداً عن هذا الجدل عن طبيعة الغذاء، فقد كشف البرنامج استمرار شعبية باسم يوسف في العالم العربي، وهو الذي عرفه المشاهدون ببرنامجه السياسي الساخر "البرنامج" الذي كان يصوره ويبثه في مصر إبّان فترة حكم الرئيس الراحل محمد مرسي (2012/2013)، ثم منع من الاستمرار فيه، عقب وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى السلطة، لأنه على الأغلب كان سيحافظ على نهجه في انتقاد الرئيس والسياسة العامة في بلده. وتجنب يوسف تصوير وعرض البرنامج خارج مصر، لينتهي به المطاف مهاجراً في الولايات المتحدة التي درس فيها الطب، وعمل في أحد مرافقها الطبية فيما مضى، وهو اليوم، كما يقول في مقابلاته الصحافية، يساهم في تقديم فقرات "ستاند أب كوميدي" باللغة الإنكليزية في أميركا.
وكذلك، كشف نجاح البرنامج عن تعطش الناس في العالم العربي لاكتشاف أنظمة غذائية صحية، تتصدّى لما بات شائعاً من أمراض في بلادنا، وخصوصا بعد أن تغيّر نمط الغذاء خلال العقدين الأخيرين، فدخلته الوجبات السريعة والجاهزة، وقاد توفر أجهزة الاتصال الحديثة إلى خفض مستوى النشاط اليومي للأفراد، بما في ذلك تحوّل نمط لعب الأطفال من الحركة الدائمة إلى الإكثار من الجلوس.
1E93C99F-3D5E-4031-9B95-1251480454A7
سامر خير أحمد

كاتب أردني من مواليد 1974. صدرت له سبعة كتب، أبرزها: العرب ومستقبل الصين (بالعربية والصينية)، العلمانية المؤمنة، الماضوية: الخلل الحضاري في علاقة المسلمين بالإسلام، الحركة الطلابية الأردنية. رئيس مجموعة العمل الثقافي للمدن العربية.