الشعر في حضرة العيد

الشعر في حضرة العيد

11 يونيو 2019
+ الخط -
جاء العيد، وله رونقه المعهود به، لكن من أين جاءت لفظة العيد؟ 
لفظة العيد مشتقّة من العود، لأنه يعود كلَّ سنة، والنحويّون يقولون: يوم العيد؛ لأنَّه يعود بالفرح والسُّرورِ فهو يوم سرورِ الخَلْقِ كلهم. وقيل: هو عيد، لأنَّ كلَّ إنسان يعود إلى قَدْرِ مَنْزلته؛ ألا ترى إلى اختلافِ ملابسهم وهيْئاتهم ومآكلهم، فمنهم من يُضيف ومنهم من يُضاف، ومنهم من يَرْحَم ومنهم من يُرْحَم.
وقيل: سُمِّي بذلك لأنَّهُ يوم شريف، تَشْبيهاً بالعيدِ وهو فحل كريم مشهور عند العربِ ويَنْسِبُون إليه، فيقالُ: إبل عيدية.
قال الخليل: العيد كل يومٍ يَجْمَعُ، كأنَّهم عَادُوا إلَيْه عند العرب، لأنه يعود بالفَرَح والحزن، وكلُّ ما عاد إليك في وقت، فهو عيد؛ حتَّى قالوا لِلطَّيْف عيد؛ قال الأعشى:
فَوَاكَبِدِي مِنْ لاعِجِ الحبِّ والهَوَى/ إذَا اعْتَادَ قَلْبِي مِنْ أمَيْمَةَ عِيدُهَا
أيْ: طَيْفها.
وقال تأبَّطَ شَرًّا:
يَا عيدُ مَا لَكَ مِنْ شَوْقٍ وَإيِراقِ/ وَمَرِّ طَيْفٍ عَلَى الأَهْوَالِ طَرَّاقِ
وقال الراغبُ: والعيد حالة تُعاود الإنسانَ، والعائدَة: كلُّ نفع يرجع إلى الإنسان بشيء، ومنه "العَوْدُ" للبعير المُسِنِّ: إمَّا لمعاوَدَتِهِ السير والعمل فهو بمعنى فاعل، وإمَّا لمعاوَدَةِ السنين إياه ومَرِّهَا عليه، فهو بمعنى مفعول، قال امْرُؤُ القَيْس:
عَلَى لاحِـب لا يُهْتَدَى بِمَنَارِهِ/ إذا سَافَهُ العَوْدُ النَّبَاطِيُّ جَرْجَرَا
وجاء ذكر العيد في القرآن في قوله تعالى: {قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [المائدة:114]، والمقصود بالعيد هنا يوم فَرَح وسرور أَو يوم يعَظِّمونه.
وللشعراء في يوم العيد أحوال عديدة، فهم المهنئون وهم الشاكون لأحوالهم أو لأحوال الأمة من حولهم، وكلما جاء عيد لا يكاد الناس ينسون بيت المتنبي الشهير عن العيد الذي يقول:
عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ/ بمَا مَضَى أمْ لأمْرٍ فيكَ تجْديدُ
أمّا الأحِبّةُ فالبَيْداءُ دونَهُمُ/ فَلَيتَ دونَكَ بِيداً دونَهَا بِيدُ
على الرغم من أن تلك القصيدة ليس فيها عن العيد إلا هذين البيتين في حين بقية القصيدة تدور حول الشكوى وهجاء كافور، لكن المطلع بديع ووافق لسان الحال، برغم أن المتنبي هنّأ ممدوحه الأثير سيف الدولة الحمداني بعيد الأضحى في قصيدة أخرى يقول فيها:
هَنيئاً لكَ العيدُ الذي أنتَ عيدُهُ/ وَعِيدٌ لمَنْ سَمّى وَضَحّى وَعَيّدَا
وَلا زَالَتِ الأعْيادُ لُبْسَكَ بَعْدَهُ/ تُسَلِّمُ مَخرُوقاً وَتُعْطَى مُجدَّدَا
فَذا اليَوْمُ في الأيّامِ مثلُكَ في الوَرَى/ كمَا كنتَ فيهِمْ أوْحداً كانَ أوْحَدَا
كما هنأه بقصيدة ثالثة يقول فيها:
الصّوْمُ وَالفِطْرُ وَالأعْيادُ وَالعُصُرُ/ مُنيرَةٌ بكَ حتى الشّمسُ والقَمَرُ
تُرِي الأهِلّةَ وَجْهاً عَمَّ نَائِلُهُ/ فَما يُخَصُّ بهِ من دُونِها البَشَرُ
ما الدّهرُ عندَكَ إلّا رَوْضَةٌ أُنُفٌ/ يا مَنْ شَمَائِلُهُ في دَهْرِهِ زَهَرُ
مَا يَنتَهي لكَ في أيّامِهِ كَرَمٌ/ فَلا انْتَهَى لكَ في أعْوامِهِ عُمُرُ
فإنّ حَظّكَ من تَكرارِها شَرَفٌ/ وَحَظَّ غَيرِكَ منها الشّيبُ والكِبَرُ
ولكن مطلع قصيدة هجاء كافور سار به الركبان أكثر من غيره.
وعلى غرارها كتب آخرون قصائدهم (العيدية)؛ فها هو عمر أبو ريشة ينشد:
يا عيـدُ ما افْتَرَّ ثَغْرُ المجدِ يا عيد/ فكيـف تلقاكَ بالبِشْـرِ الزغاريدُ؟
يا عيدُ كم في روابي القدسِ من كَبِدٍ/ لها على الرَّفْـرَفِ العُلْوِيِّ تَعْييدُ؟
سينجلـي لَيْلُنا عـن فَجْـرِ مُعْتَرَكٍ/ ونحنُ في فمه المشْبوبِ تَغْريدُ
ويتماهى الشاعر أمل دنقل مع قصيدة المتنبي السالفة الذكر في قصيدته (مذكرات المتنبي في مصر) فيقول:
(عيدٌ بأية حال عدت يا عيدُ؟)/ بما مضى؟ أم لأرضي فيك تهويدُ؟
(نامت نواطيرُ مصرٍ) عن عساكرها/ وحاربت بدلاً منها الأناشيدُ
ناديت: يا نيــلُ هل تجري المياه دماً/ لكي تفيض.. ويصحو الأهل إن نودوا؟
(عيدٌ بأية حال عدت يا عيدُ؟)
وللشاعر الكبير عبد الله البردوني مواضع في دواوينه ذكر فيها العيد، منها قصيدة (ثكلى بلا زائر) التي يصف فيها مشاعر أيتام في صباح العيد فيقول:
بنات (عيسى) وابنه (المغربِ)/ لبسن ألوان الربيع الصبي
رجعن بعد (النقش) من بابنا/ يركضن، يضحكن، بلا موجب
فكيف ألقى العيد يا والدي؟/ أقوى من النسيان ذكرى أبي
وهدأتني أمس (وهاسةٌ)/ يا ابنتي/ ارتاحي غداً واطربي
لا تحرمي طفليك، عيديهما/ لاقيهما فرحى، ولو، جرّبي
ما أنت أولى امرأة فارقت/ أباً، جرى هذا لبنت النبي
وأصبح العيد فماح الصبا/ من ملعب داوٍ، إلى ملعبِ.
عبد الحفيظ العمري
عبد الحفيظ العمري
عبد الحفيظ العمري
كاتب ومهندس من اليمن، مهتم بالعلوم ونشر الثقافة العلمية. لديه عدّة كتب منشورة إلكترونيا. الحكمة التي يؤمن بها: "قيمة الانسان هي ما يضيفه للحياة ما بين حياته ومماته" للدكتور مصطفى محمود.
عبد الحفيظ العمري