النقد المقدس

النقد المقدس

14 ابريل 2019
+ الخط -
هل تشيع بيننا ثقافة النقد؟ وهل يكون هذا النقد حاضرا كآلة "مشذِبة" لكل ضار في حياتنا الفكرية، القديمة والمعاصرة؟ وإذا قبلنا بهذا النقد، فلمَ لا نتوجه إلى التراث وننقده، مثلما ننقد حاضرنا وثقافته؟ أم نحن مستمرون، فقط، في التمسك بكل قديم لأنه قديم فقط، بغض النظر عن صلاحيته مع هذا العصر، فإذا بنا، لا نحن نقدنا الماضي (بل ما زلنا في الاجترار) ولا توجهنا للمستقبل مثل باقي خلق الله.
ولماذا هذا الخوف من نقد الماضي "المقدس"؟ هذا الماضي، هو إما متين فيصمد أمام النقد، أو "هش" سيسقط مع كل نقد يمارس عليه غير مأسوف عليه، وفي الحالتين، سنخرج بفائدة وأرضية متينة ننطلق منها للمستقبل.
نقرأ من تراثنا "المعصوم" عن النقد (على سبيل المثال) أنّ العلماء هم "الموقعون عن رب العالمين"! وهذا عنوان كتاب لابن القيم الجوزيه "أعلام الموقعين عن رب العالمين". وسواء كانت التسمية حقيقةً أو مجازاً، فكيف هم موقعون "عن رب العالمين"؟ فمنْ ينقد هذا الكلام وأشباهه يدخل تحت طائلة، إما التكفير أو المحاسبة أو ما شابه، فلماذا؟
أقرأ في تفسير الطبري هذه العبارات عن بعض الرواة: "كذّاب لا يُوثق به"، "كذّاب، زنديق، لا يكتب حديثه"، "كذّاب، صاحب سكر، شاطر"، "كذّاب، عدو الله، ليس يسوي فلسًا"، "كذّاب خبيث يضع الأحاديث"، "وأنه كذّاب وضّاع"، "مُجْمَع على تركه"، "وهو رجل سخيف كذّاب، لا يُشتَغل به"، "منكَر الحديث"، "كذّاب، رجل سوء"، "وهو منكَر الحديث. كذّاب، غير ثقة ولا مأمون"…الخ. فماذا تبقّى من الروايات إذاً؟
رحم الله الطبري كان جامعاً ولم يكن محققاً. هذا تراثنا الذي ورثناه من أجدادنا طيلة الـ1400 عام الماضية، أما آن الوقت لغربلته والاستفادة مما يفيد زماننا منه، و"طرح" ما لا يفيد؟ لأن تراثنا التاريخي العريق إذا لم نستفد منه، سيصبح "حِملا" يعيق تحركنا للمستقبل.
عبد الحفيظ العمري
عبد الحفيظ العمري
عبد الحفيظ العمري
كاتب ومهندس من اليمن، مهتم بالعلوم ونشر الثقافة العلمية. لديه عدّة كتب منشورة إلكترونيا. الحكمة التي يؤمن بها: "قيمة الانسان هي ما يضيفه للحياة ما بين حياته ومماته" للدكتور مصطفى محمود.
عبد الحفيظ العمري