فانتازيا.. التاريخ بوجه آخر

في عالم الخيال الجامح، يمكنك أن تسرد التاريخ كما تريد؛ فتجعل هتلر والمحور ينتصرون في الحرب العالمية الثانية على الحلفاء، وهم من يشكلون الأمم المتحدة. ولا بأس من مقتل الشاعر والرياضي عمر الخيام على يد صديقه الحسن الصباح زعيم فرقة الحشاشين المشهورة.
وليس التاريخ الإنساني فقط، بل حتى تاريخ المغامرات؛ فيمكنك العيش في عوالم الأبطال الخرافيين الذين قرأت عنهم في سنوات الطفولة والمراهقة، مثل ميكي ماوس وسوبرمان، ولاحقا أدهم صبري ونور وفريقه وضم إلى القائمة من شاهدتهم على الشاشة الكبيرة، كجيمس بوند وطرزان وغيرهما، ولا تنسى عالم الأساطير، فهي غنية بالأحداث الفانتازية الملهمة للكتّاب. لكن من يمثل هذه الفكرة الجامحة؟
إنه الكاتب، أحمد خالد توفيق في سلسلة تحمل اسم فانتازيا، وقد بدأ في إصدارها عام 1995، ضمن سلاسل روايات مصرية للجيب، وما تزال مستمرة.
فكرة السلسلة أن بطلة السلسلة، عبير عبدالرحمن، تستطيع من خلال برنامج خاص على الكمبيوتر ذي الأقطاب المسمى دي جي، وبإصدار ثاني اسمه دي جي 2، أن تنتقل إلى أي عالم قرأت عنه في الكتب أو شاهدته في أحد الأفلام، وهذا البرنامج صمّمه زوجها السابق، شريف إبراهيم. وكما نلاحظ هنا أن السلسلة ترتكز على الثيمة المشهورة في أدب الخيال العلمي، وهي ثيمة السفر عبر الزمن، على الرغم من أنه سفر ذهني، حيث تدخل بطلة السلسلة عبير في الأحداث ذهنيا، وهي في مكانها أمام جهاز الكمبيوتر، فتكون كمن يحلم.
وعبير عبدالرحمن، كما يقدمها المؤلف في كل عدد، مجرد "شخصية عادية بشكل غير مسبوق.. إنها الشخص الذى نتمنى ألا نكونه، الشخص الذى لا يتفوق في الجمال أو القوة أو البراعة أو الذكاء، إلا في نقطة واحدة تفوقت علينا أنها تملك ذلك الخيال الشاسع بحجم المحيط، وتملك فكرة عن أكثر العوالم الخيالية التي أبدعتها قريحة الأدباء والفنانين والسينمائيين ومصممي الألعاب".
ويدفع المؤلف بذلك إلى أن هذه الشخصية قد تكون، أنت عزيزي القارئ، وليس شرطا أن تكون شخصيات الأبطال مبهرة، وفيها من الصفات التي لا يمتلكها الإنسان العادي؛ لأن هؤلاء الأبطال هم من هذا المجتمع، وليس من كوكب خرافي!
وبمجرد أن تضع عبير أقطاب جهاز الكمبيوتر في مقدمتها، حتى تبدأ المغامرة، ليظهر مرشد السلسلة، وهو يتكتك بقلمه الزنبركي الذي يقوم بإرشادها وهما يركبان قطار فانتازيا إلى القصة التي تريد أن تعيش أجواءها، وهو نفسه الذي يظهر في آخر المغامرة ليعلن نهايتها، ولا بأس من ثرثرته، ليعين عبير على معرفة العالَم الذي اخترته ودورها فيه، المرشد في السلسلة يقوم بدور الراوي الحكيم، والذي يحيط بكل المعلومات.
تجمع السلسلة بين المتعة والفائدة؛ فالمتعة في أسلوب أحمد خالد توفيق الساخر في تناول الأحداث، أما الفائدة فتكمن في المعلومات، التاريخية خصوصا، التي تعرضها السلسلة في أغلب أعدادها، والسلسلة تبدي ثقافة المؤلف الواسعة بالذات التاريخية والأدبية معا. وإن كان يعيب السلسلة النقلات التي يقفزها المؤلف في بعض الفقرات متعذرا أنها فانتازيا، مما يبدي العمل الدرامي مفككا وغير مترابط.
الثيمة التي استند عليها المؤلف في السلسلة، وهي ثيمة السفر عبر الزمن، السفر الذهني، ستسمح للمؤلف أن يقدم عوالم كثيرة ما تزال بانتظاره أن يقدمها؛ فأنا أتوقع أن يقدم عوالم الروائي الكبير نجيب محفوظ وكذلك القاص يوسف إدريس، ومثلهما الروائيين العالميين، أمثال ماركيز وتشيخوف وغيرهما.
أما التاريخ فالباب ما يزال مفتوحا على مصراعيه؛ فالتاريخ منجم البشرية الذي لا ينضب.