عندما يهدد ترامب مستقبل "أونروا"

عندما يهدد ترامب مستقبل "أونروا"

21 يناير 2018
+ الخط -
بعد قرار إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، خفض مساعدات بلاده المالية السنوية لها قبل أيام، من 125 مليون دولار إلى 60 مليون دولار، باتت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين  الفلسطينيين (أونروا) في وضع صعب جدا، خصوصا أنها بصدد تقليص خدماتها الصحية والتعليمية والإغاثية لنحو ستة ملايين لاجئ فلسطيني، يقيمون في خمس مناطق لجوء، هي سورية ولبنان والأردن والضفة الغربية وقطاع غزة، حيث تعاني الوكالة أصلاً من عجز مالي تجاوز مائة مليون دولار. والملاحظ أن القرار الأميركي سياسي بامتياز، بغية الضغط على الفلسطينيين، وإخضاعهم لقبول ما تسمى صفقة القرن التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية بتفاصيلها المتشعبة، وفي المقدمة منها قضيتا اللاجئين الفلسطينيين والقدس.
واللافت أن المسعى الأميركي الجديد الذي يروّجه ترامب يتساوق مع التوجهات الإسرائيلية الرامية إلى تغييب دور "أونروا" عبر تصفيتها، وبالتالي تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، حيث هناك إجماع إسرائيلي بعدم تحمل إسرائيل أي مسؤولية سياسية أو قانونية أو أخلاقية إزاء قضية اللاجئين الفلسطينيين، ووجوب حلها بتوطينهم أو إعادة تهجيرهم إلى دول جاذبة اقتصاديا في أميركا وكندا وأستراليا ودول أوروبية.
واللافت أن وكالة "أونروا" قد أجرت تعديلاً قانونياً يتيح لمفوضها العام منح الموظفين إجازات استثنائية من دون راتب لمواجهة العجز المالي المتفاقم. وبموجب التعديل في حالة إقراره 
بصورة نهائية، ستتوقف الوكالة عن دفع رواتب موظفي برنامج التعليم التابع لها، وعددهم في مناطق عملياتها الخمس أكثر من 22 ألفا، في حال قرّرت تأجيل العام الدراسي في 700 مدرسة في مراحل تعليمية مختلفة، تضم مئات آلاف الطلاب والطالبات.
واللافت أن الأنباء عن تقليص خدمات "أونروا" ترافقت مع صدور تقرير إسرائيلي، طالب بالإسراع في إنهاء عمل الوكالة في الضفة الغربية وقطاع غزة بشكل سريع، معتبراً التوقيت فرصة ذهبية لتنفيذ ذلك، في ظل أزمتها المالية. واعتبر التقرير الذي أعدّه أحد مراكز الأبحاث في إسرائيل، ونشرته وسائل الإعلام هناك، أن إنهاء عمل الوكالة كفيل بالقضاء على حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، وتصفية أي أمل لهم بذلك، وبالتالي إمكانية شطب القرار 194 من أجندة الأمم المتحدة.
وثمّة إجماع بين المتابعين على أن "أونروا" لا تبحث عن حلٍّ لأزمة عجزها المالي، بل تعتبرها عاملاً مساعداً لإيقاف خدماتها للاجئين الفلسطينيين. وبالتالي، إنهاء قضية اللاجئين التي تحاول إسرائيل تصفيتها وفق مشاريع تهجير وتوطين، يتم الإعلان عنها بين فترة وأخرى.
وفي السياق نفسه، يجري الحديث عن أن الوكالة تقوم بالإعداد لفصل حق استحقاق الخدمات عن حق تسجيل اللاجئين، وبذلك يصبح اللاجئون فئتين: لاجئ مسجل وآخر مسجل ومستحق، وهذا يعني أن ليس كل لاجئ مسجل في سجلات "أونروا" يستحق الخدمات التي تقدمها، من تعليم وصحة وإغاثة، ما يؤدي إلى حصر الخدمة بالحالات الصعبة. وبذلك يتم إغلاق نسبة كبيرة من برامج الخدمات، لأن تعريف المستحق سيصبح مرتبطا بالحد الأدنى للأجور في مناطق عمليات "أونروا"، في دول اللجوء الخمس المشار إليها.
الأخطر من ذلك هو تواتر الحديث الإعلامي بشأن وجود ضغوط دولية قوية لإعادة تعريف صفة اللاجئ الفلسطيني، بحيث يصبح اللاجئ هو من خرج من فلسطين سنة 1948، وأن صفة اللجوء لا تورّث. وبالإضافة إلى ذلك سيتضمن التعريف الجديد أن اللاجئ الذي يتمتع بأي جنسية أو إقامة دائمة في أي بلد ستسحب منه صفة اللاجئ، وبذلك تصبح "أونروا" مسؤولة فقط عن حوالي 30 ألف لاجئ فلسطيني، تزيد أعمارهم عن 67 سنة، وتتخلى قانونياً عن الخمسة ملايين وخمسمائة ألف لاجئ المسجلين في سجلاتها خلال العام الحالي.

في مقابل ذلك، تعرّف "أونروا" اللاجئ الفلسطيني منذ انطلاق عملياتها في عام 1950، بأنه كل من كان يقيم في فلسطين ما بين حزيران/ يونيو 1946 وحتى مايو/ أيار 1948، والذي فقد بيته ومورد رزقه نتيجة حرب 1948. ولهذا، يجب أن تكون الخدمات التي تقدمها "أونروا" متاحة للاجئين كافة الذين يقيمون في مناطق عملياتها، وينطبق عليهم هذا التعريف، والمسجلين لديها ويحتاجون إلى المساعدة. كما أن ذرية أولئك اللاجئين الفلسطينيين الأصليين يستحقون أيضاً أن يتم تسجيلهم في سجلات الوكالة.
عندما بدأت الوكالة عملها في عام 1950، كانت تلبي احتياجات نحو 850 ألف لاجئ. واليوم، هناك ما يقارب ستة ملايين لاجئ فلسطيني يستحقون الحصول على خدماتها، أكثر من 50% منهم أطفال، ما يعني أن فئة الأطفال الفلسطينيين ستكون الأكثر تضرراً من تقليصات خدمات الوكالة.
ويبقى القول إن قرار ترامب خفض مساعدات الولايات المتحدة للوكالة الأممية يعتبر فعلا خطيرا لتغييبها وتصفية قضية اللاجئين بضربة واحدة. ولهذا لا بد من اتخاذ منظمة التحرير الفلسطينية موقفا عمليا للضغط من خلال علاقاتها الدولية على الأمم المتحدة، خصوصا في وقت كثر فيه الحديث عن مشاريع تهجير للفلسطينيين باتجاه كندا وأستراليا، وغيرهما من الدول ذات الجذب الاقتصادي الكبير، مقدمة لتصفية قضية اللاجئين.