الأزمة الليبية ودبلوماسية المؤتمرات

الأزمة الليبية ودبلوماسية المؤتمرات

15 سبتمبر 2017

من وزراء حضور مؤتمر لندن بشأن ليبيا (14/9/2017/Getty)

+ الخط -
تشهد لندن اجتماعاً لوزراء خارجية فرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة الأميركية والإمارات ومصر لمناقشة تطورات الأزمة الليبية، والعمل على إيجاد حل لها، أو على أقل تقدير خريطة طريق جديدة تخرج البلاد من الفوضى والاضطراب الناجم عن الاقتتال الداخلي بين الفرقاء الليبيين. ويأتي المؤتمر تتويجاً لدبلوماسية المؤتمرات التي رافقت الأزمة الليبية من فيينا إلى روما، مرورًا بتونس والمغرب، ولم تأت بحل ينقذ البلاد من أتون الحرب الأهلية.
وينعقد مؤتمر لندن في ظروف غاية في التعقيد، حيث حالة من الانقسام الداخلي الليبي بين شرق وغرب، وواقع اقتصادي مرير يدفع كلفته اليومية المواطن الليبي، وفوضى سلاح في عموم البلاد، وتناقض في إرادات القوى الإقليمية الفاعلة في مسار الأزمة، خصوصاً فرنسا وإيطاليا، اللتين دعمتا الاتقاق السياسي الليبي (الصخيرات) الذي جاء بحكومة الوفاق الوطني التي يترأسها فايز السراج، لكن باريس لم تستطع أن تخفي دعمها السياسي والعسكري للجنرال خليفة حفتر المعارض للاتفاق السياسي، خصوصاً بعد مقتل جنود لها في سقوط مروحية غرب بنغازي العام الفائت. الأمر الذي أثار إرباكاً لدى الساسة الطليان، بشأن تنامي النفوذ العسكري الفرنسي شرق البلاد، وكيفية التعاطي معه ضمن البيت الأوروبي الواحد.
بات التعارض والتناقض أكثر وضوحًا، بعد اللقاء الذي جمع السراج وحفتر في باريس، والذي جاء بمباركة إماراتية، فقد عبرت صحف إيطالية عن خيبة أملها، ورأت فيه محاولة فرنسية لتقليص دورها في ليبيا. واعترض وزير الخارجية الإيطالي، أنجيلينو ألفانو، على السلوك الفرنسي، عندما طالب بحصر مهمة التحضير للاجتماعات الخاصة بالملف الليبي بمبعوث الأمم المتحدة الجديد، غسّان سلامة، وضرورة العمل على إيجاد آلية لتبسيط نظام التفاوض بين القوى السياسية الليبية وتوحيده، في إشارةٍ غير مباشرة للخطوة الفرنسية، بجمع كل من حفتر والسراج في باريس، ما يعني اعتراضاً إيطالياً على مخرجات حوار باريس، وأن روما قادرة على تعطيل تلك المخرجات، ما لم تكن طرفاً أساسيًا فيها تضمن مصالحها، وهو ما يفسّر ربما موقف الخارجية الإيطالية من الأزمة الخليجية، في رسالةٍ مباشرةٍ إلى أبوظبي أن ما تقوم به في ليبيا سلوك غير مقبول، ويفوق الحجم المرسوم لها في الإقليم، وأن أسلوب المقامرة الذي تتبعه مع باريس، من خلال تقديم ملف الأزمة الليبية للرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، على طبقٍ من ذهب في مقابل موقف فرنسي منحاز لدول الحصار ضد الدوحة، لا تقبله روما التي حدّدت خطابها الخارجي تجاه الأزمة الخليجية بدعم الوساطة الكويتية، وحل الأزمة بالحوار الدبلوسي، ورفض إيطاليا التصعيد العسكري في الخليج، ودعم إيطاليا ما سماه الوزير ألفانو الاستقلال العسكري لقطر، بعد توقيع اتفاقٍ مع الدوحة لشراء سبع قطع بحرية بقيمة خمسة مليارات يورو خلال زيارة ألفانو الدوحة في أغسطس/ آب الماضي.
لا يخفى على أحد غياب سياسة خارجية أوروبية موحدة تجاه أزمات المنطقة المتعدّدة، ومنها الأزمة الليبية، حيث تتعامل بروكسل معها على أنها أزمة مهاجرين، والعمل على إيجاد حلول لما يرتبط بتلك الأزمة من تهديدات أمنية، كما يعتبر التناقض بين إرادات الدول الأوروبية، وخصوصاً الفاعلة في الأزمة الليبية (فرنسا، إيطاليا) عاملاً محورياً في استمرار الأزمة وتعقيدها. لذا يأتي مؤتمر لندن على قاعدة التناقض بين باريس وروما، ما يقلل من احتمالات إحراز تقدم في طريق حل الأزمة الليبية المعقدة.
05C60754-3195-4BA1-8C61-5E78E41A4B63
أحمد قاسم حسين

كاتب وباحث فلسطيني في مركز الأبحاث ودراسة السياسات، مقيم في الدوحة