الجنرال يحب صور المنكسرين أكثر

الجنرال يحب صور المنكسرين أكثر

29 يونيو 2017
+ الخط -
ضع صور توفيق عكاشة الأخيرة (بعد الجلطة)، في جلبابه وقد انكسرت روحه قبل عينه، وبدا الخذلان التام عليه كما تقول الصور. انكسرت روحه من الإبعاد عن ضوء الشهرة ونارها، أو فدادينه الألفية من رئاسته جمعية الإعلاميين (رشوة 30/6) في مقابل التطبيل للجنرال. ضع تلك الصور المنكسرة والحزينة أمام صور محمد البلتاجي، وهو في قفص الاتهامات في بدلة الإعدام، وقد رفع كفّ يده بعلامة رابعة مبتسماً. وتأمل روح الفريقين، روح من طبّل بأجر وأُبعد، وروح من يتحدّى مبتسماً. تأمل الفارق بين الاثنين. الجنرال يعشق الأولى بانكسارها الحقيقي أو (المرسوم)، ويكره الثانية، لأنها تغيظه وتعطل آلة قمعه وتربكها، لأنها تواصل التحدّي والصمود، فتعطل عليه المشروعية المبتغاة.
تذكّر ابتسامات الشيخ حازم أبو اسماعيل في القفص، وتخيّل جدلاً لو كانت مثل دمعات تسيل على خدّيه، والكاميرات هناك منصوبة لكل دمعة، وجرائد الجنرال تنشر الدمعات في صفحاتها الأولى، فماذا ستكون ساعتها سعادة الجنرال لو دمعت جدلاً عيون الشيخ حازم؟ بالطبع، سيكون صيد الجنرال وفيراً ساعتها. أما لو تذكّرنا عيون الدكتور محمد بديع القوية والمتحدية، وهو في بدلة الإعدام، فتلك لوحةٌ أخرى، استطاعت أن تعبّر وتقول كل شيء في طلة عينٍ واحدة، بلا مكياج، ولا ديكور، ولا تقطيع، ولا تصوير داخلي، ولا مخرج، ولا خالد يوسف، ولا لميس، ولا عائلة أديب، ولا الجن، استطاعت العين أن تقول الكبرياء بلا وقاحةٍ ولا مذلة.
استطاعت العين أن تعرّي مسرحة القضاء، وهشاشة ديكورات السلطة وجبروتها. أزالت طلة العين كل الطلاء المصنوع، وتصدّرت المشهد وهي في القفص، وحطمت الجبروت. وأظن أن الجنرال لم ينم، ولم يكن سعيداً في ذلك الصباح. حاولت صحافته، في اليوم التالي، أن تكفكف جراحها من "نظرة بديع"، فارتدوا إلى القاموس السافل والوضيع من أضابيرها، فوصفوا نظرة الكبرياء (بالفاجر). وبالطبع، جراب الوضاعة مليء بالسهام. ولكن، كانت رسالة النظرة وتحدّياتها قد وصلت إلى الناس، ولم يعد ينفع الجَبْر بعدما تم الكسر المهول في أقفاص سلطةٍ تحاول أن تبحث عن شرعيةٍ، ولو من خلال قفص لسجين تم كسره بنظرة واحدة، وهذا من جلال العين وقوّتها، أو قل هذا هو جلال الحق، حينما يتجلى في نظرة عينٍ بلا خذلان، بحثاً عن ترميم شرعيةٍ مفقودةٍ، أو استرداد أفدنةٍ منهوبة، كما علقت الصحافة على وضعية توفيق عكاشة، وقالت: ارحموا عزيز قوم ذل. .. بالطبع، لم يكن في أمر ابتسامات الشيخ حازم أو البلتاجي، أو "نظرة" محمد بديع، ما يدعو إلى تلك العبارات التي تثير الشفقة. واضحٌ أن الحق يحمي عيون أصحابه من الابتذال، أو تسوّل الشفقة.
أما لو عدنا إلى عيون الجنرال، ونظراته ودموعه المتسوّلة للشفقة في النكبات أمام الشعب، فسوف تحتاج إلى كتبٍ وأبحاث. ولكن، تكفينا نظرته الشاردة، ونيته وهو ينظر إلى محمد مرسي من الصفوف، أيام إعداده الانقلاب، نظرة قالت كل شيء، لمحة من عين ضبعٍ يخطّط لفاجعة، ولكن مرسي، للأسف، كانت تخونه المعرفة بعيون الناس، فلاحٌ بسيطٌ كانت تحكمه حسن النيات، وتلك طيبةٌ لا أعوّل (أنا شخصياً) عليها للحاكم الذي يحكم رعيةً، ويعرف أن هناك من الضباع من تتربّص به، وتلك مسألة أخرى شائكةٌ أكثر صعوبةً من تفسيرات عيون الجنرال، وتحولاتها ما بين الكرنفالات والملمّات والنكبات والتحدّي الزائف الذي يفتقر إلى اليقين، لأنه هشّ، هشاشة نظام بُني ويبنى على الدموع المفتعلة، أمام الكاميرات، كبضاعة اليتامى الضباع في ليالي الحصاد، أو كما يقال "دموع تماسيح".