من أجل تمكين الشباب في تونس

من أجل تمكين الشباب في تونس

27 يونيو 2017

احتجاج في تونس ضد "المصالحة الاقتصادية" والبطالة (13/5/2017/فرانس برس)

+ الخط -
أمل التونسيّون، إبّان الثورة، أن يكون تمكين الشباب أولويّة وطنيّة لدى جميع الأطراف المدنيّة والحكوميّة، وتوقّعوا أن يقدّم أصحاب القرار استراتيجيّة واضحة المعالم لفكّ معضلة البطالة ودمج الشّباب في الحياة المهنيّة والمدنية والسياسية. وعلى الرغم من وعودٍ أعلنتها الدّولة بتشغيل آلاف العاطلين، فإنّ المعطيات المتداولة تُخْبِرُ بتراجع سوق الشّغل بعد الثورة. ويشكو الباحثون عن العمل من قلّة ذات اليد، وعدم قدرتهم على تسديد مصاريف التنقّل، ونفقات معيشتهم اليوميّة، خصوصا أنّهم أصبحوا عبئا يرهق كاهل الأسرة لبطالتهم، واكتفائهم بدور الاستهلاك إبّان مرحلة التعلّم والدّراسة التي امتدّت عدّة سنوات. ومع أنّ الشباب لعبوا دورا رائدا في تغيير النظام الحاكم سنة 2011، فإنهم لم يتمكّنوا، بعد ستّ سنوات من الثورة، من تأمين دور لهم في عملية اتخاذ القرار. كما يشعرون بأنه يتمّ تهميشهم، ولا يجري التشاور معهم في القضايا التي تمسّ حياتهم مباشرة. ومازالت مشاركة الشباب في الشأن العامّ محدودة، وحضورهم في الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني دون المأمول. كما أنّ نسب تسرّبهم من مسالك الدراسة أصبحت متزايدة.
وعلى الرغم مما نصّ عليه الدستور التونسي الجديد من تثمينٍ لدور الشباب، وتأكيد على أنّهم ركيزة التنمية الاجتماعية، والسياسية والاقتصادية، واعتبارهم "قوة فاعلة في بناء الوطن. تحرص الدولة على توفير الظروف الكفيلة بتنمية قدراتهم وتفعيل طاقاتهم وتعمل على تحميلهم المسؤولية، وعلى توسيع إسهامهم في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية".(الفصل الثامن من الدستور التونسي)، فإنّ الواقع يُخبر أنّ هذه الفئة مازالت على هامش الدورة الاقتصادية، وفي حاشية المشهد السياسي، فعدد العاطلين في تونس يقدّر بحوالي 650 ألفا، بينهم حوالى 200 ألف من خرّيجي الجامعات. وتقدّر نسبة البطالة سنة 2017 
بـ15.2.% من مجموع السكّان المؤهّلين للعمل، وترتفع النسبة إلى ما بين 30% و40% بعدد من المحافظات الداخليّة. وتُعدّ فئة الشّباب الأكثر عرضةً للبطالة، فقد ورد في أحدث مسح ميدانيّ عن التّشغيل، صادر عن المعهد الوطني للإحصاء، أنّ حوالي 70% من مجموع العاطلين من فئة عمريّة لا تتجاوز 30 سنة. والبطالة من أشكال تهميش الشباب في تونس، ومن الأسباب الرّئيسيّة التي أدّت إلى اندلاع الثورة سابقا، وإلى اشتعال فتيل الاحتجاجات في البلاد أخيرا، فقد تغلّقت أبواب التّشغيل أمام الشباب، وانتشرت المحسوبيّة واستشرى الفسادان، الإداري والمالي، وحيل بين أصحاب الكفاءة وفرص الانتداب، ما جعل الإحساس بالظّلم والشّعور بالسّخط يعتري كثيرين ممّن طالت بطالتهم، فانصرف عاطلون عن العمل إلى الاعتصام أو التظاهر، وركب آخرون قوارب الموت بحثا عن شغلٍ يضمن الكرامة، وضاقت الأرض بغيرهم، فسلكوا مسالك الجريمة المنظّمة، أو التحقوا ببؤر التوتّر، وانخرطوا ضمن شبكات متشدّدة. وتفيد نتائج دراسة عن "الشباب والهجرة غير النظامية في تونس"، أعدّها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية سنة 2016 بأنّ 45.2% من الشباب التونسي يفكرون جدياً في مغادرة البلاد نحو أوروبا، من بينهم 30.9% مستعدّون للهجرة بطرق غير شرعية، على الرغم من علمهم بالتدابير الصارمة التي اتخذتها الدول الأوروبية على سواحلها، للحد من توافد المهاجرين عليها، وعدم رغبتها في استضافة مزيد منهم. وجاء في تقرير للبنك الدولي، بالتعاون مع المرصد الوطني للشباب والمركز المتوسّطي للإدماج، بعنوان "إزالة الحواجز أمام الشباب في تونس"، إنّ أكثر من اثنين من بين كلّ خمسة شباب يقعون خارج دائرة التعليم والعمل والتدريب في المناطق الريفية التونسية، مقارنة بالمناطق الحضرية (واحد من كلّ ثلاثة شباب)، وإنّ 140 ألف طالب يتركون مقاعد الدراسة سنويا، سواء في مرحلة التعليم الأساسي أو الثانوي أو الجامعي. فيما لا تتجاوز نسبة مشاركة الشباب في الشأن السياسي والمجتمع المدني حدود 10%.
ويمكن، من منظور سوسيولوجي، تفسير هذه الفجوة بين الشباب والمساهمة في الشأن العام بعدّة معطيات، منها عدم ثقة الشباب في الطبقة السياسية الحاكمة والمعارضة التي غلب عليها
الشيوخ والكهول. وبدت ميّالة إلى استحضار قضايا الشباب بشكل ظرفي/ براغماتي، يتزامن أساسا مع الحملات الدعائية والمواسم الانتخابية، يضاف إلى ذلك شعور الشباب بالإحباط، لإحساسهم بأنّهم لا يتمتّعون بمواطنة كاملة، ولا يمارسون حقّهم في العمل والتدريب والتأهيل للحياة المهنية، ويرون أنّ جهدهم في الدراسة والتعلّم ذهب سدىً، نتيجة عدم ملاءمة شهاداتهم العلمية لمتطلّبات سوق الشغل. وقد دفعهم ذلك كلّه إلى العزوف عن الانتساب إلى الأحزاب السياسية، وعن المشاركة بكثافة في الاستحقاقات الانتخابية، والانصراف بدل ذلك إلى الاحتجاج عبر وسائل تعبيرية موازية، مثل فنّ الرّاب والغرافيتي ونقد السلطة عبر منصّات التواصل الاجتماعي، والانخراط في حركاتٍ احتجاجية غير متحزّبة، مثل حركة "مانيش مسامح" وغيرها، تعبيرا عن الذّات، ورفضا لسياسات الحكومات المتعاقبة في مجالات مختلفة.
والثابت أنّ الشباب طاقة إبداعية هائلة، وكتلة ديمغرافية وازنة داخل الاجتماع التونسي. لذلك، من المهمّ أن يبادر أصحاب القرار والفاعلون في المشهد السياسي والمدني باتخاذ تدابير إجرائية ناجعة، لتمكين الشباب وحلّ مشكلاتهم، وتأمين الإحاطة الشاملة بهم وبلورة استراتيجية متعدّدة الأبعاد، تهدف إلى تفعيل دورهم في رفد الانتقال السياسي، وتحقيق النهضة الاقتصادية المنشودة، وذلك ممكنٌ من خلال تعزيز سياسات التفاعل المباشر مع الأجيال الصاعدة، وبعث مجالس جهوية ومحلّية، تُعنى بالتفاعل مع مشاغل الشباب، ومراجعة سياسات التعليم والتدريب، وتشجيع المبادرة الفردية وروح التطوّع والقيادة والابتكار عند الشباب، ومساعدتهم على الانخراط في الحياة المهنية والمدنية على نحوٍ يُجنّبهم مساوئ الفراغ والبطالة، و يجعلهم يستعيدون الثقة في الدولة، ويساهمون في بناء تونس الجديدة.
511AC165-C038-4A2F-8C46-0930BBB64EBE
أنور الجمعاوي

أستاذ وباحث جامعي تونسي، فاز بالجائزة العربيّة للعلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة لتشجيع البحث العلمي (فئة الشباب) من المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. له عدة أبحاث وكتب.