التونسيون يغالبون غلاء المعيشة

التونسيون يغالبون غلاء المعيشة

22 يونيو 2016

تونسيون يحتجون ضد البطالة في ساحة باب البحر (20/4/2016/Getty)

+ الخط -
يُواجه التونسيون مواسم استهلاكية متتالية، مصاريف رمضان تليه لوازم عيدي الفطر والأضحى، فنفقات موسم الاصطياف، وصولا إلى لوازم العودة المدرسية، وهي مواسم تستنزف جيب المواطن، وتزيد من تدهور مقدرته الشرائية. ويكفي أن تقوم بجولةٍ هذه الأيّام في شوارع المدن الداخلية، أو في أسواق الضواحي الطرفية للمدن التونسية الكبرى، لتلاحظ استياء معظم النّاس من ارتفاع أسعار موادّ أساسيّةٍ كثيرة، لا تكاد تنتظم معيشة التونسيّ من دونها، فبحسب أحدث تقرير للمعهد الوطني للإحصاء، ارتفعت أسعار الزيوت الغذائية بنسبة 3.7%، وأسعار الأسماك بنسبة 6%، والغلال والفواكه الجافة بنسبة 10.7%، فيما ارتفعت أسعار المشروبات بنسبة 5.4%، والسجائر بنسبة 0.9%، والملابس الجاهزة بنسبة 3.4 %، والسّكن والكهرباء والغاز بنسبة 4.2 %، والأثاث والمواد الكهرومنزليّة بنسبة 2.7 %.
ويسود النّاس شعور بالضّيم والسّخط في آن، فقد أمل جلّ المواطنين أن تتحسّن ظروفهم المعيشيّة بعد الثّورة، وأن ينتعش المشهد الاقتصاديّ، وتتطوّر المردوديّة الإنتاجيّة، وتتزايد فرص التّشغيل، بما يعود بالفائدة على المواطن عموماً، وعلى الطّبقة المتوسّطة ومحدودي الدّخل خصوصا، لكنّ الحاصل خلاف ذلك، فقد وجد النّاس أنفسهم أمام واقع اقتصاديّ جديد، لا يرقى إلى أحلامهم، ولا يفي بطموحاتهم في إرساء دولةٍ مزدهرةٍ تضمن للنّاس الرفاهيّة والعيش الكريم، بل أصبح المواطن يدفع ضريبة إفلاس بعض الشّركات من جيبه، ويدفع ضريبة جشع بعض التجّار والمحتكرين من ماله. ويعاني، في الوقت نفسه، من نقصٍ فادحٍ في بعض الموادّ الأساسيّة (الزيت النباتي مثالاً) التي استحوذ عليها تجّار الجملة وأباطرة التّهريب، حتّى غدا المواطن توّاقاً إلى تحصيل قوته اليوميّ لا غير. وفي هذا السياق، يقول كريم اللواتي (موظّف): "الغلاء المشهود اليوم في الأسواق غير مسبوق، ولم يتمّ تأهيل المواطن ماديّاً ونفسيّاً لتحمّل تبعاته، فالمرتّب الشهريّ أو الأجرة اليوميّة للعامل التونسي لا تفي بالحاجة لتأمين قوته اليوميّ، في ظلّ هذا الارتفاع الجنونيّ للأسعار".
وفي السّياق نفسه، تقول فاطمة العوني (ربّة بيت) إنّ حجم إنفاقها الأسبوعي على الحاجيات
اليوميّة للأسرة تراجع في ظلّ الحكومة الانتقاليّة الحاليّة، وأنّها أصبحت غير قادرة على شراء اللاّزم من البضائع، فما بالك بالكماليّ منها، وتعتبر أنّ الارتفاع المشطّ في الأسعار ساهم في إرهاق الأسرة التونسيّة، ودفعها إلى الاستدانة مع موفّى كلّ شهر، حتّى تؤمّن حاجياتها المعيشيّة الضروريّة. ويقول سامي علوي (أستاذ جامعي) إنّ أكثر التونسيّين رهائن للبنوك، وأغلبهم بصدد تسديد قرض جامعيّ أو قرض سكن أو قرض بعث مشروع للحساب الخاص، لذلك فالزّيادة المشهودة في الأسعار تكلّف النّاس غالياً، وتحدّ من مقدرتهم الشرائيّة.
ويقول هشام التومي (عامل في متجر) إنّ ما تدّعيه الحكومة من قدرتها على تأمين حاجيات السّوق وتوفير القدر الكافي من الموادّ الأساسيّة غير ثابت، فالواقع يُخْبِرُ بخلاف ذلك، لأنّ ضعف الرّقابة الاقتصاديّة أدّى إلى استحواذ بعض تجّار الجملة على السّلع التي توفّرها الدّولة، فهم يعمدون إلى تجميعها وتهريبها إلى ليبيا، حيث تُباع بأسعار خياليّة.
ويفسّر أخصائيّون في المجال الاقتصادي ارتفاع الأسعار بتراجع عرض بعض الموادّ الاستهلاكيّة، وتزايد الطّلب عليها، ما أدّى إلى ارتفاع ثمنها، يُضاف إلى ذلك إحساس مستهلكين بالخوف من المستقبل، ومبالغتهم في التوجّس من حالات الانفلات الأمني في بعض المناطق، وهو ما جعلهم في لهفةٍ شديدةٍ على شراء الموادّ الاستهلاكيّة، وجمعها، ما أدّى إلى ندرتها وارتفاع سعرها. وفي السّياق نفسه، يرى مراقبون أنّ تراجع السّلطة الرقابيّة، وعدم قيام إدارة المنافسة والأبحاث الاقتصاديّة بالدّور المنوط بها في محاسبة المخالفين، ساهما في فتح شهيّة الجشع لدى عددٍ من التجّار والمحتكرين والمهرّبين. كما أنّ قطع الطّريق، والقيام باعتصامات من حين إلى آخر في مواقع الإنتاج، ساهم في تعطيل نسق تزويد الأسواق بالبضاعة، وأدّى إلى اضطراب في مسالك التّوزيع. وساهمت ظاهرة التّصدير العشوائي في إفقار السّوق الداخليّة، ما أدّى إلى ارتفاع الأسعار. وبناء عليه، فإنّ تنظيم مسالك الإنتاج والتوزيع ومراقبة عمليّات التّصدير ومعاقبة المخالفين خياراتٌ ضروريّة، يُفتَرض الخروج بها من حيّز القول إلى مستوى الفعل، عسى أن يستردّ المشهد الاقتصاديّ عافيته، وعسى أن يتمكّن ضعاف الحال ومتوسّطو الدخل من تأمين حاجياتهم، وتحسين ظروفهم المعيشيّة، وإلاّ سيبقى المواطن ضحيّة أباطرة التّهريب وعصابات الفساد والجشع القديمة، وكأنّ الثورة لم تكن.
511AC165-C038-4A2F-8C46-0930BBB64EBE
أنور الجمعاوي

أستاذ وباحث جامعي تونسي، فاز بالجائزة العربيّة للعلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة لتشجيع البحث العلمي (فئة الشباب) من المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. له عدة أبحاث وكتب.